مخاوف في ألمانيا من فقدان النجاح في الصناعة والتكنولوجيا
من الصعب أن تجد رابطا مشتركا يجمع هؤلاء الأربعة إلا كونهم مهندسين ناجحين: فالأول هو (فولجانج تيفينس) الذي أصبح وزيرا للمواصلات في الحكومة الائتلافية والثاني هو (فينديلين فيدكينج) الذي قاد بنجاح شركة (بورش لتصنيع السيارات الرياضي، والثالث هو (فيردناند بييش) والذي قاد شركة فولكس فاجن لتصنيع السيارات للتربع على القمة في هذا المجال أما الرابع فهو (إيكارد شولز) الذي يدير مجموعة (تيسين كورب) لإنتاج الحديد. إن هذه الأسماء الأربعة لمهندسين ناجحين غيرت الصورة الذهنية القديمة للمهندس المتنمق الذي يرتدي السترة الصوفية الناعمة والبنطلون الجينز ولا يفعل شيئا سوى الجلوس في المكاتب.
هذه النوعية من المهندسين هي النوعية المنشودة بالفعل ولكنها
أيضا هي النوعية التي لا يكاد يعثر عليها وذلك وفق ما ورد في بيانات رابطة المهندسين الألمان VDI. وإلى جانب التحديات المهنية المتخصصة الضرورية يحتاج مهندس اليوم أيضا وبصورة متزايدة إلى الإلمام بعلوم الإدارة إضافة إلى الصفات الشخصية وإتقان المهارات الاجتماعية مثل القدرة على العمل في إطار جماعي.
وإذا كانت هذه المتطلبات تجعل من المهن الهندسية مهنا أكثر تشويقا فإن أعداد المهندسين لا تعبر عن هذا الاتجاه. فعلى الرغم من المناشدات والتصريحات التي يطلقها رجال السياسة والباحثون والنقابات والرابطات المختلفة حول أهمية زيادة القدرة العلمية لصالح مستقبل البلاد فإن أعداد المتقدمين لدراسة العلوم الهندسية تسجل تراجعا مستمرا، حيث بلغ عدد طلاب كليات الهندسة في ألمانيا نحو 84.962 في عام 2004، بعد أن كان العدد في العام الذي سبقه نحو 87.542.
وترى رابطة المهندسين الألمان مستقبل التكنولوجيا الألمانية مظلما، مستندة في ذلك إلى إحصائيات جديدة تشير إلى وجود عجز في عدد المهندسين في الشركات الألمانية يصل إلى 15 ألف مهندس. وتحذر الرابطة من استمرار تراجع إقبال الطلاب على الدراسات الهندسية وما قد يسببه ذلك من تدهور سريع للنجاح الذي تحققه ألمانيا على مستوى العالم في قطاعات رائدة مثل بناء المعدات وتقنية الإلكترونيات وتقنية الجو والفضاء وصناعة السيارات، وكل هذه القطاعات تنتعش بسبب وفرة وثراء الأبحاث والنتائج الخاصة التي يقوم بها المهندسون.
أما أكثر القطاعات المتضررة فهي في المصانع الصغيرة والمتوسطة. ويقول (فيلي فوكس) مدير عام الرابطة أنه من أصل العجز في أعداد المهندسين الذي يبلغ 15 ألف مهندس يوجد نقص يصل إلى 11.500 مهندس في المصانع الصغيرة والمتوسطة, إلا أن الرابطة لا تريد أن تقف عند الجانب السلبي من القضية فقط حيث من المقرر أن تقدم الرابطة اعتباراً من شباط (فبراير) العام المقبل مبادرات جديدة في ساحة التكنولوجيا الألمانية. ويقول فوكس :" هناك حملة جديدة تحت شعار "أنت ألمانيا"، و"التحديث لألمانيا".
إن "صناعة الأشياء" هو مضمون وجوهر مهنة الهندسة ونحن لا نعني فقط التحدث عن حركة تحديث وتطوير التكنولوجيا فقط بل نتحدث عن معايشتها في حياتنا اليومية. وينبغي على الحملة الجديدة ـ التي تفتقر أيضا إلى الدعم المالي الضروري - أن تركز في انطلاقها على مستويات القاعدة ولا تعتمد على مستويات القمة فعليها أن تبدأ من الشركات نفسها. فرابطة المهندسين التي يبلغ عدد أعضائها 130 ألف عضو ويبلغ حجم مبيعاتها 120 مليون يورو يكفيها فخرا أنها دعت إلى الفكرة وروجت لها وعليها أن تنشئ مكتبا مركزيا في مطار مدينة (دوسيلدورف) الصناعية لدعم المبادرة وتلقي الطلبات.
أما الذين عليهم تحريك الأمور وإنجاز الأشياء فهي الشركات المشاركة في المبادرة التي ستنطلق في الثاني من شهر شباط (فبراير). كما أن مدينة هانوفر تفسح مساحة على أرض معارض هانوفر لتلقي طلبات الراغبين في تلقي الدراسات الهندسية.
وفي أيار (مايو) المقبل تخطط الرابطة لتنظيم سباق بين سيارات قام الطلبة بابتكارها وذلك في إطار احتفالات الرابطة بمرور 150 عاماً على تأسيسها كما سيتم تعريفهم بكيفية عمل القطارات في أوروبا.
ومن المفترض ألا يقتصر العرض على إبراز إنجازات الشركات المختلفة المشاركة ومنها شركات ليندي وSMS Demag وبورش وEADS وبرونل وتيسن كروب بل سيتم تلقي طلبات الراغبين في دراسة الهندسة. كما سيتم عرض برامج الإعداد وبرامج تدريب الإناث وبرامج التعاون مع العلوم. ومن المفترض أن تؤدي هذه الحملة إلى زيادة عدد الشباب المؤهلين كما ستشجع الشركات الكبرى على المشاركة في العلوم والبحوث. كما يفترض أن يتم إنشاء شبكة الإنتاج الهندسي الإجمالي، حيث تشارك فيها حتى نهاية عام 2006 نحو 200 شركة. ويستمر هذا العمل خلال الأعوام الخمسة المقبلة، إذ يتم خلال تلك الفترة ترسيخ التقنية في أذهان المواطنين.
إن الشباب لا يجب أن يقتصر نشاطهم على مجرد استخدام واستهلاك المنتجات التكنولوجية الحديثة بل يجب عليهم أن يتولد لديهم الشعور بالانتماء، بحيث تصبح لديهم الرغبة في المشاركة والتأثير في إيجاد هذه الأشياء التصميم وأن يجدوا الشركاء المناسبين في مشروع "صنع الأشياء". وما ينقص ألمانيا في هذا الإطار هو الحماس لفعل ذلك.
ويعتقد نحو 40 في المائة من المواطنين في ألمانيا أن اليابان تملك أكبر قوة تحديثية في العالم وتقل هذه النسبة بين مواطني الولايات المتحدة لتصل إلى نحو 21 في المائة.
ويحذر فوكس من خطورة عدم ثقة المواطنين الألمان وإيمانهم بقدراتهم الذاتية في التحديث والتطوير . فألمانيا تعد إحدى القوى العالمية الرائدة في الكثير من قطاعات التكنولوجيا الحديثة تُعد رائدة، مثل الصناعات الضوئية، والصناعات الدقيقة وتكنولوجيا الطاقة. ويقول فوكس: "إذا لم نؤمن بقوانا التحديثية ولا نعمل على تطويرها، سنتراجع وستهزم ألمانيا أمام منافسيها".