الولايات المتحدة تركز على مناطق المياه العميقة بحثا عن النفط

الولايات المتحدة تركز على مناطق المياه العميقة بحثا عن النفط

الولايات المتحدة تركز على مناطق المياه العميقة بحثا عن النفط

على بعد 150 مترا جنوب شرق نيو أورليانز تقف حفارة على سفينة بطول ملعبي كرة قدم ولها القدرة على العمل على عمق 150 مترا تدعى "ديب ووتر ميللنيوم"، وهي تعتبر كاديلاك صناعة التنقيب والاستشكاف عن النفط والغاز، إذ يمكن عبرها الوصول إلى أماكن كانت عصية في السابق.
الأعاصير التي ضربت منطقة خليج المكسيك أوضحت حجم المخاطر الكبيرة في هذا المجال، فإنتاج تلك المنطقة الذي يمثل أكثر من ربع الاستهلاك المحلي تم قطعه بواسطة إعصار كاترينا وإلى حد ما "ريتا"، ورغم ذلك فإن الشركات النفطية لا تبعد عن المنطقة وإنما تعود زرافات ووحدانا، وذلك لسبب بسيط أن الإمكانيات الموجودة في خليج المكسيك تستحق المخاطرة، كما يقول ستيوارت سترايف مدير الاستكشاف لدى شركة أناداركو بتروليوم، التي استأجرت " ديب ووتر" من مالكتها "ترانس أوشين" للحفر في الخليج الشرقي.
لكن خليج المكسيك ليس المكان الوحيد الذي ترغب الصناعة النفطية بالعمل فيه، فالشركات تضغط في اتجاه السماح بالحفر في مناطق ممنوعة منذ عقدين من الزمان، وهذا ما أعاد بعث النقاش حول رفع الحظر الفيدرالي عن التنقيب في المناطق الساحلية، وهي المناطق التي تحاذي كاليفورنيا، جورجيا، ماين، وأجزاء قريبة من فلوريدا، حيث منع التنقيب والعمل هناك منذ عام 1981 بعد حدوث سلسلة من الحوادث البيئية التي أدت إلى رد فعل سياسي حاد تمثل في الإجراءات الخاصة بالمنع، ويوجد في قلب النزاع مناطق المحمية الطبيعية في آلاسكا والسؤال الكبير إذا كان على البلاد تأمين احتياجاتها من الطاقة عبر زيادة الإنتاج المحلي أو زيادة الفاعلية في استخدام الوقود ووضع قيود على الاستخدام.
وتقول أرني استكلير، الناطقة باسم نادي سييرا: "إنهم يسعون إلى تكرار أخطاء الماضي، فنحن لا يمكننا الحفر داخليا لتحقيق الاستقلال النفطي، وإنما نحتاج إلى نظرة جديدة وطرائق جديدة مثل كيفية استغلال جالون الوقود لتوفير مسيرة أميال أكثر، أو تشجيع اللجوء إلى خيارات أخرى من وسائل الطاقة البديلة".
ووفق أكثر التقديرات محافظة فإن لدى الولايات المتحدة احتياطيات نفطية تبلغ 21 مليار برميل و192 ترليون قدم مكعب من الغاز، وهي كميات كافية لتلبية الاستهلاك بمعدلاته الحالية لفترة عشر سنوات. لكن الاحتمالات الموجودة أكثر من ذلك بكثير، وخليج المكسيك وحده لديه ما يعادل 71 مليار برميل من النفط والغاز قابلة للاسترجاع، ومن هذه فإن 80 في المائة، أو 56 مليار برميل لا تزال تنتظر اكتشافها خاصة في المياه العميقة و23 مليار برميل قد توجد في الشواطئ قرب كاليفورنيا أو الشاطئ الشرقي.
بعض أعضاء الكونجرس يسعون إلى رفع الحظر الفيدرالي الوقتي عن التنقيب، مضيفين أن مثل هذه الخطوة ستجعل إمدادات الطاقة للسوق الأمريكية أكثر أمانا. لكن الخطوة مشكوك في نجاحها بسبب اللوبي القوي والمناوئ من جماعات البيئة التي اكتسبت عضلات سياسية خاصة في بعض الولايات الكبيرة، مثل كاليفورنيا وفلوريدا، حيث يخشى حكامها من الآثار السيئة لصناعة النفط على السياحة في ولاياتهم.
مديرو الشركات يردون أنهم تعلموا من التجارب السابقة، وأنهم يمكنهم الحفر وضمان سلامة المواقع التي يعملون فيها، مضيفين أنهم بهذه الطريقة تبدو الولايات المتحدة عاجزة عن إيجاد صيغة بين الحفاظ على الجذب السياحي واستغلال الاحتياطيات الموجودة لتأمين الإمدادات للأسواق، وهو ما يهدد رفاهية البلاد مستقبلا.
ويرى جيمس هاكيت مدير "أنادوركو"، أن على الناس الانتباه إلى أنه حتى مع توافر الإمدادات، إلا أنها يمكن أن تنقطع، الأمر الذي يؤكد على الحاجة إلى إجراء حوار وطني معمق حول قضايا الطاقة بجوانبها المختلفة.
ووفقا للحظر الفيدرالي، فإن التنقيب مسموح به بعيدا عن تكساس، لويزيانا، المسيسيبي، ألاباما، وألاسكا، وبعض الإنتاج من المناطق المغمورة من اكتشافات قديمة قرب جنوب كاليفورنيا، لكن أي عمليات تنقيب جديدية غير مسموح بها.

أحد الخيارات التي يطرحها النائب الديمقراطي ريتشارد بومبو من كاليفورنيا، وهو رئيس لجنة الموارد في مجلس النواب، أن يتم تمديد الحظر على التنقيب في المناطق المغمورة، لكن تعطى الولايات الحق في تجاوز القرار الفيدرالي والسماح بالتنقيب في مياهها.
الحفارات الضخمة أمثال "ديب ووتر" في مقدمة هذا النقاش، حيث يمكنها العمل في مناطق عميقة ربما إلى 20 ألف قدم تحت الماء في وسط طين أو رمال حتى تصل إلى المواد الهيدروكربونية، وهي تعمل بهمة في أصعب الظروف. وعندما تهب الأعاصير توقف الحفارة عملها وتتجه إلى مناطق أهدأ. وهذا النوع من الحفارات سمح للشركات بالبحث في مناطق ذات مياه عميقة في المنطقة، حيث توجد إمكانيات متنامية، ومع عمليات الحفر العميقة أصبحت المنصات الضخمة في هذه المناطق علامات على أهم مواقع الاكتشافات النفطية في الولايات المتحدة.
خليج المكسيك ينتج 1.5 مليون برميل يوميا أو 27 في المائة من الإنتاج المحلي النفطي الأمريكي و7 في المائة من الاستهلاك، كما ينتج هذا الإقليم عشرة مليارات قدم مكعبة من الغاز الطبيعي أو 16 في المائة من الاستهلاك.
وزارة الداخلية الأمريكية التي تشرف على الإنتاج في المناطق المغمورة تتوقع أن يصل الإنتاج هناك إلى 2.25 مليون برميل يوميا عام 2011. ويقول كيني لانج نائب الرئيس للإنتاج، إن المياه العميقة في خليج المكسيك (وهذه المنطقة أصبحت الأكثر تحديا، كما تشير شركة "بي. بي" أو "بريتش بتروليوم" سابقا، وهي أكبر شركة عاملة في خليج المكسيك بعد "رويال دتش ـ شل")، إلى أن المنطقة أصبحت ذات جذب لإمكانياتها الواعدة مثل أنجولا، ترينداد، وأذربيجان.
"بريتش بتروليوم" رفعت قدراتها الإنتاجية في المنطقة خلال السنوات الثلاث الماضية بنسبة 60 في المائة إلى 400 ألف برميل يوميا، وفي غضون عامين يتوقع لها أن تصل إلى نصف مليون أو 600 ألف برميل يوميا.
وخلال السنوات الخمس الماضية أنفقت الشركة 15 مليار دولار في الإقليم، ويتوقع لها أن تضخ ملياري دولار كل عام حتى نهاية العقد. ورغم هذا الإنفاق الاستثماري الضخم، فإن البنية الأساسية المسماة "ثندرهورس" كادت تضيع بسبب الأعاصير، ولو أن الشركة أعلنت عن عزمها البقاء في المنطقة رغم أن الحادث أحدث تعطيلا كبيرا، إذ كانت توجد منصة كبيرة مهيأة لإنتاج 250 ألف برميل يوميا في أي وقت من العام المقبل.
و"بريتش بتروليوم" ليست وحدها، وإنما كل الشركات الكبيرة لديها خطط مماثلة لرفع استثماراتها وجهودها خلال السنوات المقبلة. "شيفرون" مثلا أوضحت أنها ستمضي قدما في مشاريع تنموية بتكلفة 900 مليون دولار يطلق عليها "الإيمان الأعمى"، في إشارة إلى حقل تم اكتشافه عام 2001 ويقدر حجم الاحتياطي فيه بنحو 100 مليون برميل ويتوقع أن يبدأ الإنتاج في 2008.
من جانبها، هجرت "أناداركو" المناطق الناضجة والضحلة التي كانت تعمل فيها وباعت أصول العام الماضي، التي درت عليها 1.3 مليار دولار، وذلك للتركيز على مناطق في المياه العميقة ذات إمكانيات واعدة، وهي تتصدر كونسورتيوم لتطوير سبعة حقول غاز طبيعي سترتبط كلها بمنصة واحدة ومنها يمتد خط أنابيب بطول 130 ميلا إلى الشاطئ. والمشروع الذي يكلف ملياري دولار سيبدأ في توفير 850 مليون قدم مكعبة من الغاز الطبيعي في غضون عامين من واحدة من المناطق العميقة الموجودة في الشرق من خليج المكسيك.
الاهتمام بالموارد النفطية والغازية في المياه العميقة لا يقتصر على الولايات المتحدة وحدها، وتشير دراسة لبيت الأبحاث الاسكتلندي وود ماكنزي، إلى أن مجال المياه العميقة أصبح مصدرا للإمدادات، إذ تضيف في المتوسط أربعة ملايين برميل يوميا إلى الإنتاج العالمي بين عامي 1994 و2004، وهو اتجاه سيزيد حتى نهاية هذا العقد. وتتوقع الدراسة أن يبلغ حجم الإنتاج من المياه العميقة إلى 8.5 مليون برميل يوميا في 2010 بما في ذلك مليونا برميل من مخزونات لم يتم الوصول إليها بعد، وأن المياه العميقة تغطي احتياطيات تصل إلى 180 مليار برميل من النفط والغاز حول العالم.
واستندت الدراسة إلى الحقول المعروفة وتلك التي يمكن أن تكشف وتعمل بصورة تجارية خلال السنوات المقبلة، كما قارنت نتائج التنقيب عالميا في المياه المغمورة بنتائج عمليات التنقيب عموما في العالم.
ووفقا للدراسة، فإن الشركة البرازيلية بتروبراس تعتبر الأكبر العاملة في مياه المياه العميقة، إذ يصل حجم أصولها فيه إلى 27 مليار دولار، حالة بذلك محل "بريتش بتروليوم" التي احتلت المرتبة الثانية بإجمالي أصول 23 مليارا، ثم "شل" 21 مليار دولار، وتليهم "إكسون ـ موبيل" و"شيفرون ـ تكساكو".
ويقول جين فان دايك الذي يترأس شركة فانكو إنيريجي التي تعمل في غرب إفريقيا منذ 1996، وهو خريج من جامعة أوكلاهوما ويعمل في هذا المجال منذ نصف قرن من الزمان، إن نسبة الاكتشافات إلى التنقيب تبلغ في الولايات المتحدة نحو 10 في المائة بينما ترتفع في إفريقيا إلى 50 و60 في المائة، وهو يرى أن مستقبل الصناعة النفطية في المياه العميقة، حيث يرى أن منطقة غرب إفريقيا يمكن أن تكون فيها احتياطيات تصل إلى 100 مليار برميل تحت الماء، وبالتالي فإن مناطق العمل تحت أكثر من ألف قدم تحت الماء ستكون هي المستقبل. ولشركته تراخيص تبلغ مساحاتها 30 مليون فدان في ثماني دول.

الأكثر قراءة