هل يتحقق حلم تصنيع طائرات إيرباص في الصين؟
هل يتصور دافعو الضرائب في الغرب أنه يمكنهم المساهمة في إقامة صناعة للطائرات في الصين ؟ و هل من الممكن أن يتم تصنيع و إنتاج الطائرة الأوروبية إيرباص في الصين ؟ إن هذه التصورات لن تعد بعيدة المنال بعد أن قام رئيس الوزراء الصيني (وين جيا باو) أخيراً بالتوقيع علي اتفاقية كبيرة تحصل الصين بمقتضاها علي 150 طائرة إيرباص من طراز A-320 كما وعدت الشركة الأوروبية العملاقة رئيس الوزراء الصيني أنها سوف تدرس إمكانية تأسيس خط تجميع لهذا الطراز في الصين حيث من المتوقع أن يصدر قرار بهذا الشأن في غضون فترة لا تجاوز ستة أشهر.
ولا يتصور أحد أن يكون هذا الأمر سهلاً في تحقيق أماني الصينيين في تلبية حاجاتهم الكبيرة للطائرات. ولا يريد الآسيويون أن يحصلوا على طائرات جاهزة ، بل يريدون أن يستفيدوا من تطويرهم التقني لتحقيق فرص العمل، وتقديم الخبرات. وهدف الصين هو تزويد السوق الدولية في هذا المجال بأسرع ما يمكن.
وحسب المعلومات الواردة من الصين، فإن الهند ستتحول بسرعة إلي أكبر مستورد للطائرات ، وتُطالب بالمزيد من تحقيق القيم المُضافة. وتتوقع الصين خلال العقد المقبل زيادة سنوية لحركة نقل المسافرين من 8 إلى 10 في المائة، أي أكثر من أي دولة أخرى. وخلال عشرة أعوام، يمكن للصين أن تكون ثاني أكبر سوق للطائرات الاقتصادية بعد الولايات المتحدة الأمريكية. ويمكن للهند أن تحقق نمواً مماثلاً، عندما تحسّن بنية مطاراتها.
فهل من الممكن لأي مصنع إنتاج طائرات أن يتغاضي عن إغراء سوق بهذه القوة ؟ و تسعى شركة بوينج الأمريكية للسيطرة علي نحو ثلثي حجم هذا السوق لكنها لم تحقق ذلك حتى الآن. ولا تعارض إقامة خطوط إنتاج لطائرات بوينج في الصين حيث يتم التزويد بمعظم أجزاء الطائرة من المناطق الصناعية وسط الصين حيث يتم إنتاج 3500 وحدة تمثل ثلث حجم الطائرة ومكوناتها في هذه المنطقة . وفي حزيران (يونيو) أعلنت الشركة التزامها بأن تنفق نحو 600 مليون دولار في التعاون مع المزودين الصينيين خلال الأعوام المقبلة، وهو ما يعادل ضعف ميزانية الإيرباص المنافسة .
إن ما تريده الصين هو أن تكون بالنسبة للأإيرباص، كما كانت اليابان مع طائرة البوينج منذ فترة من الوقت حيث يتم هناك تصنيع نحو ثلث إجمالي إنتاج الطائرات البوينج من طراز 787 وتحظي الشركات اليابانية لإنتاج أجزاء الطائرة بأولوية و سمعة طيبة نظرا لخبرتها في مجال تصنيع السيارات . وفي المقابل فإن اليابانيين أغلى زبائن لدى الأمريكيين حيث تعتبر الخطوط الجوية اليابانية أكبر مستهلك لطائرات البوينج من طراز 787 و في مقابل هذا فإن طائرات الإيرباص لا تتمتع بأي وجود لها في اليابان.
ولا يوجد أي سبب للخوف من التوسع مستقبلا في تصنيع المزيد من طرازات الطائرات في أماكن مختلفة في العالم إذ إن التزايد المطرد في الطلب من جانب الأسواق الآسيوية يزيد العبء على مصانع أوروبا و أمريكا وهي التي تبحث باستمرار عن المهندسين والمختصين. وإذا قررت شركة إيرباص السماح بإنشاء خط إنتاج لطراز A 320 في الصين فإنه سيتم حينها إنتاج أكبر قدر ممكن من الطائرات مقابل هامش ربحي ضئيل. ويتم حاليا إنتاج طائرة إيرباص يوميا من طراز A-320 في خطوط الإنتاج الأوروبية في شركة إيرباص. وعلاوةً على ذلك فإن خط إناتج طرازA - 320 يساهم حاليا بنحو 5 في المائة فقط من سلسلة تحقيق القيمة المضافة لبناء الطائرات.
وتظهر القدرة و المعرفة الحقيقية في مجال تصنيع الطائرات في مجال إنتاج صناعة المحركات، وكابينة القيادة والتجهيزات الاليكترونية في أجنحة الركّاب.ومن المتوقع أن تقوم شركة إيرباص بحماية خبراتها التكنولوجية في هذا المجال . و من المهم أيضاً الحفاظ على معايير الأمان التي لا يجب أن يكون حولها أي تهاون أو أي نقاش.
ومن المهم أيضا النظر في تجارب الآخرين السابقة ممن فشلوا في السوق الصينية . فماكدونالد دوجلاس قامت في التسعينيات بالتعاون مع الصين في بناء نموذجً قديمً، وتحمّلت مسؤولية المشروع بغير فعالية. وفيما سبق تم بناء مشروع من قبل شركة بوينج. وكان ذلك بسبب عيوب في الإدارة الصينية و في مجال الدعم اللوجيستي . كما أننا نجد أن طائرات شركة إمبارير البرازيلية لا تتلاءم حتى الآن مع السوق الصينية. أضف إلي هذا أن شركة إيرباص نفسها عملت قبل نحو عشرة أعوام على تطوير طائرات تضم 100 مقعد، ولكن عقب فترة وجيزة، انتهى هذا المشروع .
وتلعب السياسة، كما هي العادة، الدور الأكبر في تطوير التعاون في مجالات الفضاء و الطيران و لذلك السبب تفكر بكين في تجهيز عدة عقود للتعاون مع باريس في هذا المجال بسبب موقف فرنسا الداعي إلى رفع حظر توريد الأسلحة الأوروبية إلي الصين الذي يكاد يطول التعاون المشترك بين الصين وفرنسا في مجال تطوير الطائرات الهليوكوبتر " المدنية" بالتعاون مع الشركة الفرع EADS لشركة يوروكوبتر الأوروبية.
و يثير التوسّع والتعاون بين الصين و شركتي إيرباص و بوينج قضية المعونات المالية. فالحكومة اليابانية تقوم بتوفير دعم مزودي طائراتها في وقت تحقق فيه شركة بوينج استفادة كبيرة من ذلك الأمر. و الأموال التي تنساب من الصين هي حكومية بالكامل. وإلى جانب ذلك توجد مساعدات حكومية من الولايات المتحدة و الدول الأوروبية لصالح شركتي طائرات البوينج الأمريكية و إيرباص الأوروبية.أما صناعة الطائرات الصينية فهي تموّل جزئياً من أموال دافعي الضرائب في الغرب.
ولهذا السبب أيضاً، فإنه من غير المرجح أن يتم منح المزيد من المعونات المالية لهذا القطاع كما أن نداءات إنهاء الدعم المالي أيضا يتم تجاهلها وذلك بسبب تسارع خطى معركة المنافسة الشرسة في مجال النقل الجوي حيث لا ترغب الحكومات في التخلي عن دورها في هذا المجال ولعل أفضل الحلول للتغلب على هذه المشكلة هو تحديد حصص و نسب معينة لهذا الدعم الحكومي .