المصروفات العامة .. إعادة نظر في إطار مهني يتسم بالموضوعية والتخطيط

المصروفات العامة .. إعادة نظر في إطار مهني يتسم بالموضوعية والتخطيط

تفاعلت أرقام الميزانية العامة للدولة وهي أكبر ميزانية في تاريخ المملكة إيجابياً مع أغلب المؤشرات الاقتصادية مؤكدة تماسك الاقتصاد الوطني للمملكة العربية السعودية وقدرته على امتصاص الآثار السلبية التي نتعرض لها بين الحين والآخر. أثبتت إعادة هيكلة قواعد الاقتصاد السعودي وتعزيز الموارد المالية عبر تطوير بدائل جديدة للدخل لتقليل العبء على ميزانية الدولة أن لها علاقة قوية بتنمية الاقتصاد. رغم أن اقتصادنا يحقق معدلات نمو جيدة، لن تكتمل الصورة إلا بتحقيق التنمية الحقيقية الموازية لذلك النمو وهي التنمية التي تتجاوز مجرد الإنفاق على مشاريع إلى بناء اقتصاد شمولي يتمثل في نقل وتوطين التقنية وخلق القدرات الوطنية الفاعلة لإدارة هذا الاقتصاد. ومن الواضح أننا قد تجاوزنا الآثار السلبية للأحداث التي شهدتها المنطقة.

سجل القطاع غير النفطي نمواً نسبته جيدة وفي هذا دلالة جيدة أخرى على متانة هذا الاقتصاد. كذلك تجاوز سوق الأسهم مستويات تاريخية وحقق أرقاماً ومستويات جيدة كما أن مؤشرات الأسهم وأسعار الصرف مضافا إليها القوة الشرائية جميعها لم تتأثر بدرجة كبيرة بالأحداث العالمية أو الإقليمية. لقد ساعد صدور نظام الأوراق المالية على الانضباطية والمرونة مما يجعل من سوق الأسهم والأوراق المالية قريباً من كونها سوقا منفتحة ودعامة أساسية للمستثمرين. ورغم التذبذب الذي أصاب هذه السوق أخيرا، الذي سماه بعض المراقبين «التراجع لأجل التصحيح»، إلا أن أداء سوق الأوراق المالية قد سجل تصاعداً جيداً ولعل هذا يأتي في سياق التحسن العام لاقتصادنا الوطني.

إن المناخ الاستثماري في المملكة وفي قراءة سريعة للخريطة الاستثمارية الإقليمية يعد من الأفضل بينها وقد احتلت المملكة المرتبة الأولى عربيا على قائمة التدفقات النقدية الواردة إلى الإقليم العربي. إلا أنه لا بد من استكمال إعادة هيكلة كثير من الإجراءات الإدارية في الأجهزة التنفيذية العامة وإعادة صياغتها بشكل ينسجم مع ظروف ومعطيات العصر الحالي. إن هذا الأمر سوف يساعد ليس فقط على جذب الاستثمارات الأجنبية بل أيضا على تشجيع المستثمرين المحليين للاستثمار في المشاريع المتاحة. كما لا بد من الاهتمام باقتصاد الخدمات وهو من أنشط الاقتصادات نمواً الآن وفي المستقبل. وما نحتاج إليه هو ما يصاحب الاستثمارات الأجنبية، ليس بالضرورة المبالغ التي تتحول إلى المملكة ولكن التركيز على الخبرات واستقطابها والمعرفة والتقنية والتسويق والبحث والتطوير.

ساعدت الأنظمة الجديدة المتعلقة بتناقل المنافع بين التأمينات الاجتماعية ومعاشات التقاعد وزيادة نمو القطاع الخاص، واستقطاب المزيد من الاستثمارات الأجنبية في إيجاد فرص وظيفية جديدة وسهلت من حركة تنقلات العاملين وبالتالي تخفيف الضغط على المصروفات الحكومية الجارية مثل الأجور والمكافآت التي تلتهم الجزء الأكبر من الميزانية. غير أن وضع سوق العمل السعودية غير مشجع حالياً وما زلنا بحاجة لعلاج سلبيات سوق العمل السعودية. كما أن مشكلة البطالة وموضوع السعودة تتم معالجتهما في الوقت ولكن النتائج غير إيجابية وها قد ألمح وزير العمل منذ يومين إلى أنه يوجد في السوق السعودية الآن نحو 500 ألف وافد من العمالة السائبة.

مازال الدين العام يشكل تحديا واضحا للاقتصاد الوطني يحتاج إلى وقفة ومحاسبة جدية. لا بد من إعادة النظر في المصروفات العامة وترشيدها ووضعها في إطار مهني يضمن موضوعية التخطيط والصرف. نحن بحاجة لإعادة النظر في إدارة المال العام وصولاً إلى التوازن المطلوب بين مواردنا المتاحة ومصروفاتنا وتبني استراتيجية للتحكم في النفقات وتحييد النفط وعائداته والتركيز على العائدات غير النفطية وتبني صندوق لاستقرار أسعار النفط. ونظراً للزيادة المتوقعة في أعداد السكان فإن من المفترض أن يزيد حجم الإنفاق الحكومي وبصفة خاصة في قطاعات التعليم والصحة والخدمات الأخرى، ولا بد من الإسراع في برامج التخصيص بحيث تتحول إدارة المؤسسات الحكومية التي تشكل رواتبها نحو 75 في المائة من إجمالي الموازنة العامة، إلى القطاع الخاص وإدارتها بأسلوب ربحي من دون أن تتأثر وضعية الموظفين لدى هذه المؤسسات. كذلك لا بد من الاستمرار في الإصلاحات الاقتصادية والتنظيمية لنصبح أكثر قدرة على التفاعل مع عضويتنا في منظمة التجارة العالمية. إن هذه الإصلاحات ستسرع في جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية والمهاجرة، كما أنه لا شك أن انضمامنا إلى منظمة التجارة العالمية يملي علينا الارتقاء بجودة المنتج السعودي إلى العالمية واكتساب القدرة التنافسية المطلوبة.

نحمد الله ونشكره على نعمه، فقد كان عاماً جيداً شمل تنفيذ مشاريع في المشاعر المقدسة، وتصفية مستحقات المزارعين والبدلات والعلاوات الإضافية وكذلك المصروفات الجديدة لتغطية الجوانب الأمنية. اللهم اجعلها ميزانية خير ونماء وأمن وأمان.

الأكثر قراءة