أرقام الميزانية ودخل المواطن وأسعار السلع

أرقام الميزانية ودخل المواطن وأسعار السلع

تحمل ميزانية عام 2006 بشائر للجميع أولاها توفر فائض مالي كبير بسبب ارتفاع الإيرادات الحكومية. وهذا الارتفاع المريح في الدخل الذي سيؤدي إلى توفر فائض كبير، سيضاعف من قيمته توجه الدولة لاتخاذ قرارات صارمة بتقليص المصروفات غير الضرورية الزائدة وغير المبررة، وهو ما سيزيد من فاعلية الميزانية وأوجه صرفها لما يخدم الصالح العام.
يأتي هذا الخير الوفير المتمثل بحجم الإيرادات المرتفع متزامنا مع مشاعر الاستبشار والارتياح التي يشعر بها المواطنون والتي هي انعكاس لإحساس عام بأن قيادة خادم الحرمين الشريفين تولي دعم مستوى معيشة المواطن أهمية كبيرة، وآمالا بأن المستقبل سيشهد حلولا تخفف عن كاهل المواطن كثيراً من الصعوبات الاقتصادية التي ما زال ينوء بحملها من أيام الضائفة الاقتصادية التي مرت على بلادنا في العقدين الماضيين.
وكانت أولى هذه البشائر القرار الذي اتخذه خادم الحرمين الشريفين واستهل به عهده الميمون بإذن الله بزيادة رواتب موظفي الدولة والذي ترك آثاراً معنوية إيجابية وأعطى مؤشراً إيجابياً مهما لتوجهات عهد خادم الحرمين الشريفين، وأهمية قرار زيادة الرواتب تكمن في أنها جاءت بعد سنوات عجاف اختل فيها دخل المواطن بسبب تجمده مقارنة مع ارتفاع الأسعار المطرد سنة بعد أخرى وخاصة أسعار الخدمات الأساسية مما أثر كثيراً على مستوى معيشة المواطن، والجميع يعلم بأن السنوات العجاف التي مررنا بها هي نتيجة لصعوبات اقتصادية قسرية أثرت هي الأخرى في دخل الدولة بسبب تناقص سعر البترول في العقدين الماضيين حتى وصل في فترة لثمانية دولارات فقط، وكذلك للظروف السياسية والأزمات التي مرت بها المنطقة من بداية الثمانينيات الميلادية والتي تحملت فيها بلادنا كثيرا من تبعات وتكلفة مواجهة آثارها بحكم دور ومسؤولية المملكة الإقليمي والدولي. وسارعت الدولة آنذاك لوضع خطط اقتصادية احترازية لتلافي الآثار السلبية للأزمة الاقتصادية التي كنا نمر بها، ومنها رفع أسعار الخدمات والسلع الأساسية مثل البنزين والكهرباء والغاز والهاتف ومختلف الرسوم وخفض الدعم عن كثير من المواد الغذائية وإلغاء بعضه.
وكان لهذه الإجراءات دور مهم في الحد من الصعوبات الاقتصادية وجعلتنا نعبر تلك المرحلة الصعبة بسلام ومكنتنا من استعادة التوازن فيما بعد، إلا أنها في المقابل مثلت عبئاً على كاهل المواطن تحمله في تلك الفترة تضامنا مع دولته التي لم تقصر عليه من قبل، وكان واثقا بأنها لن تقصر أيضاً فيما بعد عندما تزول مسببات تلك الزيادات.
خلال العامين الأخيرين على وجه الخصوص تحسنت أوضاعنا الاقتصادية واستعاد اقتصادنا الوطني عافيته عندما أخذت أسعار النفط ليس فقط بالارتفاع بل بالثبات على سعر مجزئ جداً للدول المنتجة حتى وصل سعر البرميل إلى أكثر من 60 دولاراً لأول مرة، وهذا المستوى السعري الذي عليه الأسعار اليوم هو المستوى الذي سيحافظ عليه السوق على مدى المستقبل المنظور على الأقل، كما يؤكد الخبراء، نظراً لتنامي وتضاعف الاستهلاك مقارنته بمحدودية الإنتاج، وهذه أخبار مريحة للدول المنتجة، مما يعني أننا مقبلون على فترة زاهية، بإذن الله، لسنوات طويلة مقبلة، والتوقع بتحسن أسعار النفط وبقائها في حدودها الحالية يتيح للدولة بلا شك أن تعيد النظر في قرارات رفع كثير من أسعار الخدمات والسلع الرسوم والتي اتخذت لمواجهة ظروف اقتصادية طارئة آنذاك، فمع إيجابية زيادة الرواتب التي أقرت أخيرا، إلا أن أثرها وتأثيرها المعنوي كان أكثر من أثرها المادي الفعلي، فالمشكلة التي يعاني منه دخل المواطن هي في ارتفاع الأسعار بما يفوق إمكانياته سواء أسعار الخدمات الأساسية أو أسعار السلع التي ما انفكت ترتفع بين فترة وأخرى فيما يشبه مارثون لا تسمح فيه لياقة دخل الشريحة الأكبر من المواطنين خوض غماره، وبناء على ذلك فإن أي زيادة في الرواتب لن تحل المشكلة في ظل عدم إعادة النظر في مجمل الأسعار.
فالارتفاعات المطردة في الأسعار تهضم أي زيادات في الرواتب، إلى جانب جشع شريحة من التجار كما طالعنا في الصحف ممن رفعوا أسعارهم بعد يوم واحد من صدور قرار الزيادات وحتى قبل صرفها فعلاً.
زيادة الرواتب كانت مطلب البعض خصوصاً أنها لم تزد على مدى ربع قرن، إلا أن هناك من له وجهة نظر أخرى تتمثل في تصحيح اختلال معادلة الدخل مع المصروف عن طريق تقليل تكلفة المصروف، وتقليل التكلفة يتطلب هنا العودة بأسعار الخدمات والسلع إلى ما كانت عليه قبل الأزمة الاقتصادية أو بتخفيضها بما لا يقل عن النصف على أقل تقدير، وإعادة الدعم لبعض المواد الغذائية الأساسية، وهذا سوف يمكن المواطن بدخله الحالي وحتى قبل الزيادة من تحقيق وفر يمكن أن يستخدمه في تطوير مستوى معيشته بما سوف ينعكس على مستوى الأسرة والمجتمع ككل، وخفض أسعار الخدمات والسلع الأساسية سوف يكون أقل تكلفة على المدى البعيد.
فالزيادات في الرواتب سوف تكون دائمة، أما الأسعار فهي متغيرة، بمعنى لو تعرضنا لا قدر الله لأزمة اقتصادية مثلما حدث في الثمانينيات الميلادية يمكن رفع الأسعار لمواجهتها كما فعلنا سابقاً، وسوف يكون متاحا لنا أن نفرج عن أنفسنا عندما تتحسن الظروف كما في حالنا اليوم، أي أن الأسعار هي الميزان الذي نستطيع به وزن الأمور دون ضرر ولا ضرار، ولهذا فإن إعادة النظر في أسعار الخدمات والسلع الأساسية مثل الوقود والكهرباء والهاتف ومختلف الرسوم الأخرى سيكون لها أثر إيجابي كبير خاصة على الشريحة الأكبر من المواطنين الذين هم أكثر من يعانون لكون غالبية دخلهم يذهب إلى تسديد أسعار هذه الخدمات والسلع ولا يتبقى له ولأسرته إلا النزر اليسير، وهو ما انعكس سلبا على مستوى حياة غالبية المواطنين نظرا لاختلال معادلة الدخل مع المصروف، وهنا نقول إن المشكلة ليست في حجم الراتب بل في حجم تكلفة المعيشة التي يجب أن يعاد النظر فيها حتى نعيد التوازن للدخول في مواجهات المصروفات.
نبدي هذا الرأي انعكاسا لأجواء الارتياح والاستبشار بعهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز وعضده الأمين سمو ولي العهد وفقهما الله، وتوافقه مع تحسن ظروفنا الاقتصادية، وتطلع الجميع لتوجهات الخير لدولة الخير والأمن والأمان.

الأكثر قراءة