ميزانيـة عهـد زاهــر

ميزانيـة عهـد زاهــر

بإعلان النتائج المالية لميزانية العام الماضي 1425/1426هـ, وميزانية العام المالي الجديد 1426/1427هـ, يتضح بما لا يدع مجالاً للشك أن المملكة دخلت عهداً اقتصادياً زاهراً يبشر بخير عميم.
إن مضاعفة إيرادات الدولة مرتين خلال العام الماضي عن المعتمد، وارتفاع المنصرف الفعلي بنسبة 22 في المائة عن المعتمد لدليل واضح على أن وضع ميزانية الدولة قد دخل بالفعل حقبة زاهرة. وعلى الرغم من التحفظ المحمود لتوقعات ميزانية السنة المالية المقبلة, إلا أنها أيضاً زاهرة وعامرة بالخير.
إن توقع ارتفاع الإيرادات بمقدار72 في المائة عن المعتمد في العام الماضي وارتفاع المصروفات بمقدار 20 في المائة عن المعتمد في العام الماضي لدليل آخر على إشراقة تلك الحقبة.
والأهم من كل ذلك التركيز الواضح في اعتمادات الميزانية الجديدة على المشاريع ذات العائد الاجتماعي والاقتصادي المرتفع. خذ على سبيل المثال إضافة إنشاء 2673 مدرسة إلى عدد المدارس الجاري تنفيذها وعددها 3300 مدرسة. أضف إلى ذلك إنشاء ثلاث جامعات جديدة بكلياتها, إضافة إلى إنشاء 85 كلية إضافية في الجامعات القائمة، ناهيك عن إنشاء ثلاثة مستشفيات جامعية جديدة.
ولا يقل عن ذلك الاعتمادات الجديدة لمشروع الإسكان الشعبي والتوسع في إنشاء مراكز الرعاية الصحية الأولية الجديدة 440 وعدد 24 مستشفى جديدا بسعة 3800 سرير. وهذه تضاف إلى ما يجري إنشاؤه من مستشفيات 89 بطاقة 10650 سريرا.
هذا غيض من فيض في معظم مجالات التنمية الاجتماعية وتطوير وتعزيز البنية الأساسية للاقتصاد اللازمة لتحقيق تنمية مستدامة توطد تنمية الإنسان وتدفعه نحو تحقيق قفزات في معدلات النمو الاقتصادي.
هل تكفي المؤشرات السابقة لإثبات أن المملكة قد دخلت حقبة اقتصادية زاهرة؟ بالطبع لا، ولكنها غير منفصمة عن منظومة متكاملة من الظروف الاقتصادية العالمية والمحلية التي تجعل ذلك الإثبات أسهل منالاً.
1- هذا أول ارتفاع عالمي في أسعار النفط يتحقق بسبب ازدياد الطلب العالمي على النفط وليس بسبب مخاطر انقطاع المعروض. إن الانتعاش الاقتصادي العالمي الحالي يتميز عن سابقاته بأنه أكثر شمولية خاصة بعد دخول نحو ربع سكان المعمورة "الصين والهند وبقية النمور الآسيوية" في سباق النمو الاقتصادي المحموم. ولذلك فإنه إذا لم تحصل أزمات أو حروب غير متوقعة في تلك الدول فإن النمو الاقتصادي العالمي الحالي سوف يستمر على المدى القصير والمتوسط, وبالتالي سوف يستمر الضغط على أسعار النفط بسبب تنامي الطلب. وتتربع المملكة دون منازع على عرش السوق النفطية العالمية بسبب متانة قطاعها النفطي وقدرته الفريدة على مواجهة الطلب العالمي المتنامي.

2- يتميز الاقتصاد العالمي اليوم بقدرة فائقة على امتصاص الزيادة في أسعار النفط بشكل غير مسبوق وذلك بسبب انخفاض الاعتمادية على النفط في عمليات الإنتاج "كمية النفط في كل وحدة من وحدات الدخل المحلي للدولة" ناهيك عن استقرار السعر الحقيقي خلال الـ 30 سنة الماضية, حيث كان السعر الحقيقي لبرميل النفط العربي الخفيف في عام 1975 نحو 7.18 دولار, بينما بلغ في عام 2004 نحو 6.54 دولار فقط. والدليل على ذلك التميز أن أداء الاقتصادات الصناعية كان في أفضل صوره في الولايات المتحدة, اليابان, الصين, والهند ومعظم الدول الأوروبية خلال السنتين الماضيتين على الرغم من تذمر بعض المحللين والساسة في تلك الدول.
3- يتميز الاقتصاد السعودي الآن بقدرة فائقة على استيعاب والتفاعل مع السيولة القادمة بشكل لم يكن متحققاً خلال سنوات الطفرة الأولى. يتمتع الاقتصاد الوطني الآن ببنية تحتية متطورة وصناعات تحويلية مزدهرة وقوى بشرية متنامية عدداً وكفاءة لم تكن موجودة في حقبة السبعينيات والثمانينيات الميلادية. وأفضل إثبات على ذلك عدم وجود اختناقات في الموانئ والطرق والمطارات التي تسببت في الماضي في ارتفاع معدلات التضخم.
أما تطور الصناعات التحويلية فتكفي الإشارة إلى أن حجم الصادرات غير النفطية لعام 2005, تتجاوز الدخل المحلي كله لعام 1973 بنحو الثلث (69 مليار ريال مقابل 53.5 مليار ريال).

4- خطت المملكة خطوات محسوبة في مجال البناء المؤسسي والإصلاح الاقتصادي الداعم للتنمية الاقتصادية والاستقرار المالي, خاصة بعد إنشاء المجلس الاقتصادي الأعلى. ومن الأمثلة على ذلك تقنين السوق المالية وسوق التأمين التعاونية وإنشاء الأجهزة الإشرافية اللازمة لاقتصادات السوق مثل هيئة سوق المال وهيئة الاتصالات وهيئة الكهرباء والإنتاج المشترك وهيئة الغذاء والدواء إضافة إلى ما تحتاج إليه الفترة من أنظمة ولوائح تجذّر مفهوم الشفافية والمساءلة والحوكمة في إدارة الشركات والمرافق.
كما كثفت المملكة جهودها للحصول على عضوية منظمة التجارة العالمية "والتي تحققت بفضل الله يوم أمس", وكذلك الحصول على تصنيفات عالية من وكالات التصنيف المالية العالمية مثل: ستاندارد آند بورز وفيتش وغيرهما.
كل عنصر من تلك العناصر المذكورة أعلاه وغيرها التي لم يسمح الوقت لذكرها تشكل منظومة متناغمة تجعل المحلل الاقتصادي لميزانية هذه السنة والمشهد الاقتصادي بشكل عام يوقن أن هذا الوطن على عتبة عهد زاهر تحت قيادة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز وعضده وولي عهده الأمين الأمير سلطان بن عبد العزيز. حمى الله وطننا وقيادته من شرور الأشرار وحسد الحاسدين وكل ميزانية وأنت يا وطني بخير وأمن وأمان.

نائب محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي

الأكثر قراءة