"أوبك" في انتظار خريطة طريق من المستهلكين
"أوبك" في انتظار خريطة طريق من المستهلكين
عندما يلتقي وزراء النفط في الدول الأعضاء في منظمة الأقطار المصدرة للنفط "أوبك" يوم غد الإثنين، فإن اللقاء في حد ذاته لن يكون مثيرا من باب أن الاتجاه الغالب في المنظمة يستبعد القيام بأي خطوة استباقية لخفض الإمدادات من باب الاستعداد للربع الثاني والخوف التقليدي أن تشهد الأسواق في تلك الفترة انخفاضا في الطلب. وساعد في تعزيز هذا الموقف ما نقل عن وزير النفط الكويتي ورئيس الدورة الحالية للمنظمة الشيخ أحمد الفهد من اتجاه للسماح ببناء المخزونات لتغطي 56 يوما من الطلب مقابل 52 يوما.
ويتفق هذا الاتجاه مع تقديرات منظمة أوبك من خلال تقريرها الشهري عن حالة السوق الذي توقعت فيه وعلى غير الآخرين أن الطلب سيشهد تحسنا العام المقبل بسبب الأداء الاقتصادي الجيد. ويتوقع التقرير أن يحقق الطلب هذا العام نموا في حدود 1.4 في المائة إلى 1.18 مليون برميل يوميا ليكون متوسط الطلب هذا العام 83.3 مليونا، والعام المقبل 1.8 في المائة إلى 1.52 مليون برميل يوميا، ليكون متوسط الطلب المتوقع على النفط العام المقبل 84.8 مليون برميل يوميا.
وفي مقابل هذا الموقف هناك المواقف المعهودة لإيران، فنزويلا وإلى حد ما قطر التي تعبر كلها عن رؤيتها أن الوضع الحالي في السوق يشير إلى تزايد في الإمدادات أكثر من حاجة السوق، ومن ثم الخوف أن ينتهي الوضع إلى شيء من التخمة التي ستؤثر قطعا في الأسعار.
وهؤلاء يجدون سندا لقلقهم من باب الأرقام التي تنشرها الوكالة الدولية للطاقة، إدارة معلومات الطاقة الأمريكية، بل وحتى المركز الدولي لدراسات الطاقة الذي أقامه وزير النفط السعودي الأسبق أحمد زكي يماني، وكلها تشير إلى مراجعة إلى أسفل لتقديراتها للطلب عما كانت عليه فيما سبق، أي في التقديرات التي نشرتها في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي. فالوكالة العالمية للطاقة ومن مقرها في باريس خفضت تقديراتها للطلب خلال الربع الثالث والرابع بنحو 800 ألف برميل يوميا، كما تراجع الطلب العالمي لهذا العام إلى أسفل بنحو 70 ألف برميل يوميا ليصبح معدل الزيادة في الطلب 1.2 مليون برميل يوميا، كما خفضت من توقعاتها للطلب في العام المقبل بنحو 90 ألف برميل ليصبح معدل الزيادة المتوقعة 1.66 مليون برميل يوميا.
من جانبها فإن إدارة معلومات الطاقة الأمريكية قامت بخفض طفيف لتقديراتها للطلب في حدود 100 ألف برميل يوميا ليبلغ حجم النمو في الطلب لهذا العام 1.1 مليون برميل يوميا والمقبل 1.8 مليونا، مقارنة بنحو 1.2 مليونا و1.9 مليونا على التوالي.
من ناحية أخرى فإن المركز الدولي لدراسات الطاقة وصل إلى الدرجة التي طالب فيها أوبك بالاستعداد لخفض الإنتاج خلال العام المقبل للدفاع عن الأسعار، ما لم يشهد الطلب نموا قويا. ويضيف أن حجم وتوقيت ومدى الخفض في الإنتاج تحدده العوامل المؤثرة في الطلب ووضع الطقس، وفوق هذا السعر الذي ترغب المنظمة في الدفاع عنه. كما أن بعض كبار المنتجين أمثال السعودية قد يصبحون تحت ضغوط لتقليل إنتاجهم وإتاحة الفرصة للطاقة الإنتاجية الجديدة لدى بعض الدول الأعضاء لتجد مكانا لها في السوق.
وهكذا يقدر المركز الدولي أن السياسات الداخلية لدول أوبك، التي ظلت نائمة طوال الأعوام القليلة الماضية بسبب ارتفاع الطلب والأسعار في ذات الوقت، وهو ما مكن الأعضاء من الإنتاج بأقصى طاقة متاحة لديهم، مرشحة للبروز مجددا وفي إطار رؤية "أوبك" لنفسها وما يمكنها القيام به في السوق.
وسيكون السؤال الرئيسي حول النطاق السعري الذي يرغب فيه الأعضاء ويمكنهم الدفاع عنه، فبينما تتجه رؤية مجموعة لا بأس بها بقيادة فنزويلا في رؤية "أوبك" تعتمد سعر 50 دولارا للبرميل مرجعية يتم الدفاع عنه، إلا أن الدول الخليجية بقيادة السعودية ترى هذا المعدل السعري مرتفعا، وقد تفضل سعر أقرب إلى 45 دولارا للبرميل، وهو ما يعني من الناحية الأخرى الحفاظ على معدل إنتاجي مرتفع، مع ملاحظة أن كل الدول الأعضاء عودت نفسها خلال الأعوام الثلاثة الماضية على عائدات مالية ضخمة من مبيعات النفط، كما أنها دخلت في التزامات لرفع الطاقة الإنتاجية لديها.
وإلى هذه النقطة أشار المهندس علي النعيمي في تصريحات له إبان الافتتاح الرسمي لمنتدى الطاقة الذي تستضيفه الرياض، إذ أشار إلى أنه في الوقت الذي يطلب فيه من الدول المصدرة للنفط رفع قدراتها الإنتاجية لمقابلة احتياجات السوق المتنامية، إلا أن المستهلكين من جانبهم لا يوفرون معلومات دقيقة عن حجم الطلب. وذكر النعيمي أن السعودية وانطلاقا من طفرة السبعينيات دخلت في برنامج ضخم للتوسعة، لكن انهيار الأسعار في مطلع عقد الثمانينيات ووصول الإنتاج النفطي السعودي في بعض الأوقات إلى نحو ثلاثة ملايين برميل يوميا، جعل الاقتصاد السعودي يتحمل عبء سبعة ملايين برميل يوميا لا تجد طريقها إلى الأسواق.
والشيء نفسه تكرر في العقد الماضي وبعد غزو العراق الكويت وما حدث من تطورات سياسية وعسكرية جعلت التركيز على السعودية وما يمكن أن تقوم به لتأمين الإمدادات للسوق. وبالفعل وصلت الطاقة الإنتاجية إلى عشرة ملايين برميل يوميا، ثم جاءت أزمة 1998 ليتراجع الطلب.
كل هذا دفع بالنعيمي ليتساءل عما إذا كان بالإمكان إيجاد خريطة طريق للمنتجين والمستهلكين تتعلق بالطلب من ناحية والسياسات الخاصة بالطاقة البديلة ووضع النفط بين مصادر الطاقة الأخرى.
وأضاف النعيمي أنه يتوقع أن يتم وضع خطط وتوقعات تفصيلية، لأنه حتى المنتجين عندما يقومون برفع طاقاتهم الإنتاجية فإنهم لا يفعلون ذلك بين عشية وضحاها، وإنما الأمر يستغرق بضع سنوات. والشيء نفسه يمكن أن ينطبق على خريطة الطريق المطلوبة من المنتجين، إذ تعتمد على تبادل الآراء وفهم أفضل للسياسات وذلك بهدف تقليل حجم التقلبات العنيفة في السوق العالمية ومن ثم محاصرة آثارها السلبية على المنتجين والمستهلكين.
أحد المتاعب تتلخص في عدم توافر المعلومات الدقيقة وخير مثال على ذلك وضع الطلب في الصين، الذي أصبح ورقة سوداء لا يعرف محتواها إلا بعد فترة طويلة. وهذا هو الجانب الذي يسعى منتدى الطاقة إلى معالجته من خلال تبادل المعلومات، والطريق أمام إنجاز هذا المشروع بصورته المأمولة لا يزال طويلا.