قاعة لحظ تبدأ نشاطها بمعرض "عين الرياض"
في ليلة من ليالي الرياض الحالمة, في ليلة من ليالي الثقافة والفن التي قلما تتكرر، في ليلة التقى فيها الإبداع الجمالي, والعشق التشكيلي مع الفكر التجاري بتطلعاته وآفاقه الواسعة مقدماً واجباً وطنياً منطلقاً من الإخلاص والحب لهذه الأرض. في بادرة طيبة, وخطوة سبقتها خطوات ومشروع لم يكن الأول ولن يكون الأخير, في تحد للواقع المرير بما حمله ويحمله من تجارب سابقة لم يكتب لها النجاح والاستمرار، وبنظرة تفاؤل ملؤها الأمل نحو المستقبل المشرق الذي يعيشه المجتمع السعودي جاءت إطلاله هذا المشروع الثقافي الذي يعنى بالفن التشكيلي النسائي.
تتمثل هذه الفكرة في قاعة أنشئت لهذا الهدف ولهذه الغاية, هذه القاعة التي تتوسط عاصمة المملكة العربية السعودية "الرياض" تحمل اسماً جميلاً هو " قاعة لحظ " التي أسستها سمو الأميرة الفنانة نوف بنت بندر آل سعود لتكون رافداً من روافد النهضة الثقافية التشكيلية ومعيناً على إبراز إمكانيات المرأة السعودية بشكل خاص بما لها من خصوصية في الفكر والطرح والتنفيذ والمرأة بثقافاتها المتنوعة وجنسياتها المختلفة بشكل عام.
قاعة لحظ تسد فراغا تشكيليا
تأتي هذه الصالة باعثة السعادة في نفوس المهتمين بالشأن التشكيلي والمتابعين للحركة الفنية السعودية التي عانت كثيراً من انعدام مثل هذه القاعات المتخصصة وخصوصاً عندما يعلم الجميع أن سمو الأميرة نوف البندر لم تؤسس هذه القاعة بهدف الكسب المادي بل لغاية أسمى وأرقى من ذلك بكثير، فهذه الصالة ستكون بمثابة الملتقى الثقافي والفني للفنانات من خلال برامجها المعدة لإقامة المعارض بطرق وأساليب جديدة، حيث تستمر المعارض فيها قائمة وفاتحة أبوابها للزوار شهراً كاملاً من أجل إعطاء الفرصة لأكبر عدد من المشاهدين للاطلاع على هذا الفن والتعرف على الفنانين.
هذه الخطوة الفريدة من نوعها ستحقق أشياء كثيرة وتملأ فراغا كانت الرياض تعيشه، وتلبي طموحات الهيئة العليا للسياحة التي تنادي بإقامة أماكن جذب للسياح على اختلاف مستوياتهم الثقافية والاجتماعية، فالزائر لمدينة الرياض قد يقضي وقتا طويلا متنقلا بين أسواقها ومراكزها التجارية ألا أنه لن يجد مكانا متخصصا في الإبداع والفن التشكيلي فالمتاحف معدومة والصالات التي تقام على أرضها المعارض تفتح أبوابها مدة العرض التي لا تتجاوز في أغلب الأحيان عشرة أيام، فهذه القاعة ستكون بمثابة المتحف والمزار للسياح والضيوف والمهتمين بالمشهد التشكيلي الذين تحتضنهم الرياض على مدار العام.
يواجه الفن التشكيلي مشكلة أزلية تكمن في الجمهور ففي كل مناسبة وفي كل معرض يكثر الحديث عن ذلك والبحث في أسبابه ومسبباته، وهذا الوضع ليس مقتصراً على مجتمعنا فقط بل نجده في كثير من المجتمعات ويعود السبب وراء ذلك لكون الفن التشكيلي فن نخبوي وليس فنا شعبيا يرتاده عامة الناس وزوار المعارض والمتابعون عادة يكونون من أصحاب الذوق الرفيع والإحساس المرهف, هذا الوضع والواقع المعاش سيعطي دفعة قوية لبقاء الصالة واستمرارها لأن مؤسستها تحمل رسالة وهماً ثقافياً، فهي الفنانة والمثقفة وصاحبة التخصص الدقيق في الأمراض الوراثية.
الأميرة نوف تصور الماضي والحاضر
شهد افتتاح هذه القاعة معرضا ثلاثيا بعنوان "عين الرياض" امتزجت فيه الثقافة العربية بالثقافة الفارسية، حيث قدمت سمو الأميرة نوف ثمانية أعمال متميزة جاءت بمقاسات مختلفة ابتداء من 40×50 سم وحتى 120×135سم وتركزت تلك الأعمال على المرأة السعودية بتراثها وتقاليدها وحياتها الاجتماعية التي تعيشها، ففي واحد من أعمالها المعنون " منظر من الرياض " صورت لنا الرياض في الماضي والحاضر بخلفية من القماش الأسود الذي يرمز ويمثل العباءة وهي اللباس التقليدي للمرأة السعودية، كما ركزت على جانب وجزء مهم من المرأة وهو الكف بما يحمله من معان وتعابير مختلفة فهو رمز الجمال بنقوش الحنا وهو الأداة والوسيلة للوصول والرقي .
وإلى جانب سموها قدمت الفنانة ريم الفرم أربعة أعمال ذات معانٍ واحدة وألوان متقاربة تدل على مشاعر الحزن والخوف والضعف، فالألم يعتصر الوجوه المطلة من خلال تلك اللوحات الأربع واللون الرمادي المسيطر عليها حالة من الحيرة وفقدان التركيز، وللخط العربي مساحة واسعة في هذا المعرض حيث ضم بين جنباته أعمالا تسعة قدمتها الفنانة الإيرانية أفسانة ناصر كانت في غاية الروعة حروف متناسقة، ودقة متناهية إضافة إلى جمال التذهيب فهي تحف فنية.
وحول هذا المعرض وفكرة الصالة تحدث للصفحة الفنان والناقد التشكيلي/ محمد المنيف بقوله: في البداية أهنئ الأميرة نوف البندر على هذا الإنجاز مع أنني أغبط التشكيليات على هذه المبادرة من الأميرة نوف وتخصيصها الصالة لعرض أعمال الفنانات، إلا إنني سعيد بوجود صالة عرض تمتلكها وتقوم على إدارتها فنانة تشكيلية تعرف معنى دعم الفن وتشعر بمعاناة التشكيليات، والأمر الآن متعلق بالفنانات فالصالة موجودة.. ولم يعد هناك عذر ولنطرح تساؤلا مهما: هل نرى زخماً من المعارض ينافس عطاء التشكيليين الرجال؟
وفي جانب آخر من المعرض تحدث التشكيلي عبد العزيز الرويضان قائلاً: أولا أبارك للمجتمع التشكيلي النسائي مبادرة سمو الأميرة نوف بنت بندر آل سعود على تأسيس هذه القاعة وتخصيصها للفن التشكيلي النسائي وهذا سيدعم وبقوة المستوى الفني للمرأة السعودية من خلال إقامة المعارض والاطلاع على الأعمال المعروضة التي ستقام على هذه القاعة هذا من جانب، ومن جانب آخر فقد جاءت اللوحات المقدمة هذه الليلة لتمثل جانباً إبداعياً يدل على مستوى الفن النسائي وما تمتلكه المرأة من إحساس وشعور تجاه تراثها وتقاليدها.
احتفالية رائعة عاشها عشاق هذا الفن من فنانين وفنانات حضروا والآمال تدفعهم والأماني تقودهم, طموحات كبيرة يحلم بها هؤلاء وغيرهم من المجتمع التشكيلي فهذه القاعة بداية الطريق والبرامج الثقافية والفنية التي ستقيمها وتعمل على تفعيلها ستفتح آفاقاً أوسع وستلبي تطلعات التشكيليين.