التنمية المستدامة في المملكة.. كيف تحققت؟

التنمية المستدامة في المملكة.. كيف تحققت؟

مع التطورات الاقتصادية والاجتماعية والتقنية المهمة التي شهدتها بلدان العالم في العقود الأخيرة، تطور أدب التنمية الاقتصادية والاجتماعية الذي كان سائداً في عقدي الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي ليتناول القضايا البيئية على نحو يتسم بجدية أكبر تتناسب وأهمية هذا البعد الحيوي في حياتنا الاقتصادية والاجتماعية. وفي الواقع، أن التطور الاقتصادي والتقني السريع قد منح المسائل المرتبطة بنتائج الانتفاع من الموارد الطبيعية الناضبة وتأثيراتها السلبية في الصحة البيئية ذات الأولوية من بين قضايا النمو الاقتصادي والتنمية الاجتماعية. والواقع، كان استخدام الموارد الطبيعية في زيادة النشاط الاقتصادي يتم دون ملاحظة معدل الاستهلاك منها مع مرور الزمن من ناحية، والنتائج البيئية التي ترتبت على زيادة التصنيع حيث أدى لتلوث الهواء والماء والتربة من ناحية أخرى. لهذا، أصبح ضرورياً اليوم البحث الجاد في الأبعاد البيئية للنشاط الاقتصادي. من هنا تطور مفهوم التنمية المستدامة الذي ينتشر اليوم استخدامه على نطاق واسع، وإن كان يكتنفه بعض الغموض، وخاصة عندما يتم تناول السياسات الاقتصادية والإنمائية.
وفي واقعنا المعاصر، حيث أهمية الموارد الطبيعية الناضبة وذات القيمة الاقتصادية العالية، مثل النفط والغاز والمياه، ومكانتها في تعزيز الطور الراهن والمستقبلي مما يجعل البحث المنهجي في مفهوم التنمية المستدامة واستخدامه في مسائل التنمية والسياسات الاقتصادية ضرورة مهنية لابد منها.
يتلخص مفهوم التنمية المستدامة في أن التنمية الاقتصادية يجب أن تتم بخطى وطريقة يمكن معها حماية الموارد الطبيعية الناضبة من التآكل والمحافظة على الصحة البيئية من التلوث الناشئ عن استخداماتها. وسوف يتم التطرق ولو نظرياً، بأن النمو الاقتصادي المستمر يجب أن يؤمن التوازن والاستقرار البيئي عند الانتفاع من الموارد المتجددة فقط وكذلك بالنسبة للتوازن بين التنمية الاقتصادية والاجتماعية وبين الموارد البشرية أو السكان. لذا، فإن التنمية المستدامة تعني تحقيق التكامل بين جهود الدولة والمجتمع من أجل زيادة النمو الاقتصادي والتنمية الاجتماعية دون الإضرار بالموارد الطبيعية المتوافرة في البلاد. ذلك، أن النظام الحياتي يتكون من ترابط متكامل للفعاليات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية. فالموارد الطبيعية المادية والبشرية تستخدم، أي تستهلك، في منتجات تشكل بمجموعها التنمية الاقتصادية والخدمات الاجتماعية لزيادة الرفاهية العامة والتي تتأثر بدورها بخسارة الموارد الطبيعية غير المتجددة وبالتلوث الناجم عنها. وبهذا المعنى، فإن متطلبات التنمية المستدامة لا تنحصر في توفير شروط زيادة النمو الاقتصادي والتوظيف، ولا فقط في تقديم الخدمات الصحية والتعليمية وتوفير المرافق العامة. بل وتشمل أيضاً متطلبات تنمية الموارد البشرية والطبيعية، وخاصة المياه والنفط الخام والغاز من جهة، والعمل على الحد من التلوث البيئي بجميع أشكاله في الأرض والهواء والماء جراء استمرار النشاط الإنتاجي أو الاستهلاكي للمصانع وللأفراد من جهة أخرى.

زيادة النمو الاقتصادي والتوظيف
المعروف أن الاستثمار هو المحرك للنشاط الاقتصادي، وأن زيادة الاستثمار تعني زيادة النمو الاقتصادي الذي يؤدي بدوره إلى زيادة معدلات التوظيف. كما كان هدف زيادة اسهام القطاع الخاص في الاقتصاد، وتنويع القاعدة الاقتصادية، وتحسين مركز ميزان المدفوعات، والتوازن الاقتصادي والاستقرار في الأسعار، والتنمية المتوازنة بين المناطق من الأهداف الرئيسية في خطط التنمية. ولقد انعكست هذه الأهداف بشكل واضح في تخصيصات الاستثمار الحكومي والبرامج والمشاريع العامة العديدة وفي تقديرات الاستثمار المتوقع للقطاع الخاص. كما انعكست في سياسات تشجيع الاستثمار الخاص الوطني والأجنبي بصورة خاصة، وفي السياسات المالية والنقدية الهادفة لتأمين الاستقرار الاقتصادي وسياسات الإصلاح الاقتصادي الهيكلي، ومنها التخصيص، بصورة عامة. هنا نلاحظ أن البرامج والمشاريع عادة لا تقتصر على القطاعات الاقتصادية المعروفة، كالصناعة والزراعة والبناء والنقل والتجارة والخدمات. بل وتشمل أيضاً البرامج والمشاريع البيئية الهادفة لحماية البيئة من جهة، ولتطوير الموارد الاقتصادية الطبيعية كالمياه والبترول والغاز من جهة أخرى.

اقتصاد البيئة وتنمية الموارد الطبيعية
في الوقت الحاضر، أصبح موضوع الاقتصاد المتعلق بكفاءة استخدام الموارد الطبيعية والمشكلات البيئية الناشئة من سوء الاستخدام ونضوبها من القضايا المهمة على الصعيد الاقتصادي النظري والتخطيطي العملي. وأهمية اقتصاد البيئة بالنسبة للمملكة واضحة وكبيرة جداً. فالتنمية الاقتصادية والاجتماعية تعتمد على استغلال الموارد الطبيعية الناضبة من النفط والغاز. كما أن الماء لا يزال شحيحاً لتلبية متطلبات التنمية المستدامة. ولعل الجدل المستمر والكتابات الاقتصادية المنشورة في موضوع تخفيض الاعتماد على النفط الخام ما يؤكد هذه الأهمية وانتشار الوعي بضرورة التعامل مع كيفية استغلال مواردنا الطبيعية الناضبة بصورة يكفل المحافظة عليها لتحقيق التنمية المستدامةً.

كيف نخطط للحفاظ على الموارد الطبيعية في إطار التنمية المستدامة
الموارد الطبيعية هي السلع أو الأصول التي لها قيمة اقتصادية كبيرة وتوجد في الطبيعة قابلة للاستعمال في النشاط الاقتصادي (الإنتاج) بدون جهد بشري كبير يعادل هذه القيمة والتي تظهر عادة عندما يتم استغلال هذه الموارد إما بحفر الأرض أو معالجتها الصناعية أو تصفيتها، كما في حالة النفط الخام والغاز أو المياه. ويمكن تصنيف الموارد الطبيعية في ثلاثة أنواع. الأول، وهو الموارد غير القابلة للتجديد مثل النفط الخام. أما النوع الثاني فهو الموارد القابلة للتجديد مثل المياه السطحية. والنوع الثالث، وهو الموارد ذات الطبيعة الخاصة والتي لم تستخدم بعد في عملية الاستهلاك، كما في جمال الطبيعة.

ما هي دلالة الآثار البيئية الخارجية للنشاط الاقتصادي
في اقتصاد السوق، ينتج استخدام الموارد الطبيعية في النشاط الاقتصادي نوعين من التأثيرات الخارجية الممتدة. النوع الأول، وهو سلبي الطابع، ويتمثل بتحمل المجتمع لتكاليف إضافية لم تحتسب في أسعار المنتج، مثل تكالبف أو عبء التلوث في الهواء أو الماء او التربة الذي يخلقة وجود مصنع ما. فمثل هذا التلوث يخفض من رفاهية الناس الذين يعيشون قرب المصنع، كما قد يزيد في تكاليف المصانع المجاورة التي يجب عليها تصفية المياه الملوثة في استعمالاتها. ولأنه ليس هنالك طرف ثالث يستلم جزاء أو تكلفة (تعويض) هذه النتائج أو الآثار الخارجية لاستعمال الموارد التي لم تحتسب في تكاليف الإنتاج من خلال نظام أو آلية السوق والأسعار الحرة، فإن تكلفة استعمال الموارد الطبيعية هي في الواقع أكثر مما يبدو لأول وهلة. وتظهر هذه المشكلة في الاستهلاك أيضاً عندما تتلوث البيئة نتيجة لرمي بقايا الطعام والقاذورات على أرصفة الشوارع العامة، أو نشر دخان السجاير في هواء الأماكن العامة لتسهم في زيادة الأمراض أو في حالة نتاج وجود المطاعم العامة التي تخلق الضوضاء، وزحمة المرور، ونشر الروائح غير الطيبة. ولهذا، وباختصار، فإن تحقيق التنمية المستدامة يفرض علينا الأخذ بمبدأ التكلفة الاجتماعية الناشئة من استعمال الموارد الطبيعية. وهذه من المهام التي يمكن إنجازها عبر السياسات الاقتصادية الحكومية.
والنوع الثاني من الآثار أو الوفورات الاقتصادية الخارجية، وهي إيجابية ومطلوبة، فتتمثل بما ينتج من استخدام الموارد. كما أن الإنفاق على البحث والتطوير يؤدي إلى تنمية التقنيات التي تصبح فيما بعد في متناول الجميع، ويساعد على الحفاظ على البيئة.

البيئة والتنمية المستدامة في خطط التنمية
لقد حظي موضوع البيئة والتنمية المستدامة في خطط التنمية باهتمام بالغ حيث صدرت مجموعة من الأنظمة واللوائح والتقارير وأعدت الأبحاث في مجال مراقبة المناخ والرصد الجوي والقياسات البيئية وملوثات الهواء، بالإضافة إلى الانضمام للعديد من الاتفاقيات العالمية الخاصة بحماية البيئة. ولقد حددت الخطط التحديات البيئية على أنها تتمثل بضرورة المحافظة على الموارد الطبيعية والمياه الجوفية وإجهاد التربة الزراعية والحد من الرعي الجائر ومعالجة مياه الصرف الصحي ونظافة الوقود وحماية البيئة الساحلية. كذلك، فإن الخطط قد حددت الرؤية المستقبلية في المجال البيئي على أنها تسعى لوضع إدارة بيئية متكاملة تعمل على تعظيم الاستفادة من الموارد الطبيعية المتاحة في إطار التنمية المستدامة.
وبدرجة عالية من التفاصيل، حددت خطة التنمية الثامنة السياسات البيئية في هذه المرحلة على أنها تشمل، زيادة فاعلية الآليات الوقائية لحماية البيئة والموارد الطبيعية، ومراجعة المعايير والمقاييس البيئية وتحديثها، وتعزيز قاعدة معلومات الإرصاد والبيئة، وتعزيز دور القطاع في تحسين الصحة البيئية، وتطوير القدرات المؤسسية للعمل البيئي، وكذلك إدخال مادة الوعي البيئي في التعليم. ولو أضفنا إلى ذلك السياسات والبرامج والمشاريع التطويرية في قطاعات النفط والغاز والمياه والقوى العاملة والسكان، تكون خطة التنمية الثامنة قد استكملت عناصر التنمية المستدامة بدرجة كافية من الوضوح في الرؤية والأهداف والاستراتيجية والسياسات الخاصة ليس فقط في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، بل وأيضاً في التنمية البيئة والحفاظ على الموارد الطبيعية والموارد البشرية.

الأكثر قراءة