بقي أن نترجم القرارات الحكومية بتنظيم السياحة إلى آليات وأدوات تنفيذية
يسعدنا في الهيئة العليا للسياحة أن نشارك في المنتدى الاستثماري للمنطقة التي انطلقت منها السياحة في المملكة العربية السعودية, ويسعدنا أكثر هذا الحضور المتميز من رجال الأعمال والمستثمرين في هذا الوقت المهم من عمر الوطن الذي نجد فيه النمو الاقتصادي المتسارع يزداد في الوقت الذي نجد فيه الرساميل تبحث عن الاستثمار خارج البلاد وداخلها، فالسياحة التي نتكلم عنها اليوم ونمثلها هي صناعة اقتصادية كبيرة جداً. وعلى مستوى العالم تصنف من صناعات الخدمات وهي تضاهي اليوم في أرقام نموها سواء بالنسبة لفرص العمل أو الاستثمار أو في مساهمتها في الناتج الوطني للدول صناعات كبرى مثل صناعة السيارات وتقنية المعلومات والصناعات النفطية. ويجب أن تنمو في قطاع اقتصادي منتج يوفر فرص العمل للمواطنين لأنها أكبر قطاع مشغل للمواطنين اليوم في دول العالم حيث إن نحو 12 في المائة من سكان الأرض يشتغلون بالسياحة أو الخدمات الرديفة التي تغذي السياحة.
والمملكة العربية السعودية بلد مؤهل تأهيلاً عالياً أكثر من أي بلد آخر في العالم العربي لاحتضان هذه الصناعة الاقتصادية الكبيرة جداً والانطلاق بها إلى مجال أرحب بكثير مما تمر به السياحة اليوم، فالمملكة تحتاج إلى صناعة السياحة لأن هناك مقومات اقتصادية كبيرة معطلة لم تستخدم ولم تستثمر كما في الشواطئ والمواقع البيئية والتراثية والأثرية.
والسياحة في المملكة لا تقتصر على الاستثمار في المواقع السياحية فحسب وإنما تعد البنية التحتية للمملكة العربية السعودية التي تتميز بضخامتها مؤهلة أكثر من غيرها لاستضافة الأنشطة السياحية وللاستثمار في هذه البنية, لأنه يوجد فيها السوق والطلب المتزايد على الخدمات السياحية وهي سوق مستهدفة الآن من دول غير المملكة العربية السعودية وبشكل مكثف لجذب ما لا يقل عن أربعة إلى أربعة ملايين ونصف مليون مواطن سنوياً, وبما يتطلب إيجاد البرامج السياحية التي تضاهي البرامج التي تعود عليها السائح السعودي وأصبح ذلك ضرورة ملحة للاستجابة له وتقديم ما يحتاج إليه من متطلبات.
وقامت الهيئة خلال السنوات الماضية بدراسة مكثفة لمعوقات الاستثمار السياحي ومعوقات النمو السياحي والتعرف على ماذا يريد المستثمر السياحي الوطني في تنمية المجالات السياحية الجديدة, وتم رفع جميع هذه المعوقات إلى مستويات الدولة العليا وهيئة الاستثمار والمؤسسات الكبيرة الحكومية الأخرى.
إن من الخطأ الدارج أن المملكة العربية السعودية وهيئة السياحة تستهدفان تنمية السياحة بمفهومها الدارج للدول الأخرى وهو استهداف الأسواق السياحية الوافدة من خارج المملكة أو أن السياحة الوطنية سوف تقوم على سياح قادمين من خارج البلاد وما يأتي مع ذلك من محاذير يعتقد البعض أنها موجودة وهذا أمر غير صحيح، فالمملكة العربية السعودية وعبر الاستراتيجية العامة لتنمية السياحة التي أقرها مجلس الشورى ومجلس الوزراء الموقر قامت باستطلاع السوق وعوامل النمو والاستثمار وذكرت بالتحديد أن المملكة العربية السعودية بلد يحتوي على مقومات كبيرة جداً تؤهله لأن يكون بلدا سياحيا من الطراز الأول, وثانياً أن المملكة يجب أن تستهدف السائح الوطني الذي نصنفه في الهيئة العليا للسياحة بأنه السائح الدولي الأول، فالمواطن السعودي الذي يذهب اليوم مع عائلته ويقصد الوجهات السياحية المختلفة في العالم هو هدفنا الأول، وكذلك المستثمر السعودي الذي نعتبره أيضاً المستثمر الدولي الأول الذي نريد أن نتيح له الاستثمار في المشاريع السياحية في المملكة، وأشير إلى أنه من الخطأ الدارج أن السياحة صناعة اقتصادية سوف تنمو وتجذب معها المشاكل لأننا نريد في المقام الأول جذب سياحنا ومستثمرينا بالدرجة الأولى.
وتعتبر السياحة في المملكة حالياً من أكبر الصناعات الاقتصادية غير المنظمة وقطاعها الاقتصادي ضخم جداً يمارس فيه الكثير من الفرص والخدمات الاستثمارية ولكن بغير تنظيم وبعشوائية وعبر صلاحيات متداخلة في المؤسسات الحكومية والمطلوب هو أهمية استعجال تنظيم هذا القطاع وفي إطلاقه بالطريقة الصحيحة التي يجب أن ينطلق بها.
وقد سعدت بانعقاد جلسة مجلس الوزراء الأسبوع قبل الماضي التي تم من خلالها إعلان الخطة الخمسية الثامنة التي أكدت التركيز على عدد من القطاعات في دعم الاقتصاد الوطني ومنها قطاع السياحة, وبقي أن نترجم هذه القرارات الحكومية إلى آليات وأدوات تنفيذية، ويدل ما نصت عليه هذه الخطة الخمسية على وعي القيادة بأهمية القطاع السياحي وجعله قطاعاً منتجاً في عالم يتسابق على جذب الاستثمارات وفرص العمل.
وقد رفعت الهيئة العليا للسياحة تباعا عددا من القرارات المهمة للدولة لأن تتبناها ولإعادة النظر في تنظيم قطاع السياحة وتنويع مسارات الاستثمار وتنظيم القضايا المتعلقة بحل معوقات هذا القطاع بصفة جذرية ونهائية, ومن هذه القرارات ما يتعلق بأمر المستثمرين. وتعمل الهيئة الآن وتحت مظلة وزارة الاقتصاد والتخطيط وضمن لجنة حكومية مشكلة من وزارة المالية والهيئة العامة للاستثمار والمجلس الاقتصادي الأعلى والبنك الدولي فيما يتعلق بالتمويل ودعم قطاع السياحة والمستثمرين السياحيين والتمويل للصناعات المتوسطة والصغيرة المتعلقة بالسياحة, وقد أنهت هذه اللجنة جميع الدراسات والمتطلبات عليها.
وستقدم الهيئة قريبا لرئيس المجلس الاقتصادي الأعلى خادم الحرمين الشريفين عددا من النماذج والبرامج والفعاليات والمشاريع السياحية وعرضا متكاملا لمشروع التنمية السياحية لتطوير ساحل البحر الأحمر وستكون منطقة عسير ضمن هذا المشروع, وقد أنهت الهيئة الدراسات المتعلقة بذلك إضافة إلى الوجهات السياحية الجديدة المنظمة والمستهدفة والتي هي غير موجودة في المملكة اليوم .. حيث يجب أن يكون لدينا مدن سياحية ومشاريع ومنتجعات سياحية تخدم الأسر وتستهدف العائلة السعودية.
كما ستقدم الهيئة حزمة من المشاريع المتكاملة ونموذجا جديدا للاستثمار السياحي لتقديمه إلى المجلس الاقتصادي الأعلى ليفتح المجال لإطلاق نمو وجلب الاستثمارات الكبرى للوجهات السياحية الجديدة لأننا تأخرنا كثيرا عن الدول الأخرى التي انطلقت بمشاريع كبيرة واستهدفت المستثمر السعودي.
ومهمة الهيئة العليا للسياحة مهمة كبيرة تستهدف بناء أنظمة جديدة للاستثمار السياحي وحل المعوقات لها وتوحيد المرجعية للقطاع السياحي تحت إطار مبادرات ونماذج ترفع للدولة تباعا.
إن مما يجلب السعادة أن ترى مؤسسات الدولة تستفيد من نماذج الهيئة التي بدأت تطبيقها ضمن نموذج اتفاقيات التعاون مع الوزارات والمناطق التي يقصد بها إعطاء دور أكبر للمنطقة وتقليص المركزية في اتخاذ القرارات خصوصا فيما يتعلق بالمشاريع الاستثمارية.
وهناك العديد من المشاريع الاقتصادية التي سوف ترفع للدولة هذا العام, منها المشروع الوطني للصناعات التقليدية والحرف الذي تقوم عليه تسع وزارات حكومية وتشرف عليه هيئة السياحة وبتمويل من وزارة المالية ومشاريع أخرى مهمة في منطقة عسير.
إن مشروع مثل مشروع تطوير ساحل البحر الأحمر مهم للمملكة ولتطوير الوجهات السياحية الجديدة وإعادة دراسة التطوير وإعطاء الخدمات المتعلقة بالمأكولات المحلية وصناعة الحرف التقليدية وإبراز ثقافة البحر الأحمر, وما يتعلق بذلك من منتجات البحر الأحمر البيئية الصحراوية والمجتمعات المحلية, وبرامج التدريب المتكاملة التي تضخها الهيئة في هذا القطاع.
وتقوم الهيئة اليوم بعمل المنهجية الجديدة فيما يتعلق بسعودة الوظائف السياحية واتفقت مع صندوق تنمية الموارد البشرية لتنفيذ برنامج السعودة ولمدة ثلاث سنوات مقبلة يتم من خلاله تدريب وإعداد الكوادر الوطنية الشابة للمساهمة والعمل في برامج السياحة المختلفة, وسيفتح هذا الاتفاق آفاقاً جديدة في مجال توظيف وتدريب الشباب السعودي، وبما يحقق قفزة منهجية جديدة للسعودة، وبعد أن تم اعتماد خطة توطين وظائف قطاع السفر والسياحة من قبل جميع المستويات في وزارة العمل، وستكون القطاعات القادمة قطاع الإيواء السياحي أو فنادق الإيواء السياحي ثم قطاع العمرة ثم قطاع مشغلي الخدمات السياحية, وهناك منهجية جديدة تمارسها الهيئة بتوجه من رئيس المجلس للبدء في آلية جديدة للسعودة, وإضافة إلى ذلك اتفقت الهيئة مع المؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني على إعداد معايير عالمية لتأهيل الكوادر البشرية السعودية وعندما ينتهي كل متدرب من برنامج تدريبه يستطيع من خلال شهادته أن يعمل في أي مكان في العالم، وهذا البرنامج هو حلقة متكاملة وباكورة إنتاج لبرامج السعودة.
وقامت الهيئة بدراسة عميقة لاتفاقيات المملكة مع منظمة التجارة العالمية أخيرا وسوف يتم عرضها خلال أسبوعين من تاريخه لهذا القطاع الذي يمثل قطاع الخدمات. كما قامت الهيئة كذلك بتزويد الوزارات والقطاعات الحكومية المعنية باحتياجات المناطق من خدمات للفرص الاقتصادية والسياحية والنمو الاقتصادي.
بعد هذا كله فليس هناك مزيد من دراسات الهيئة التي تقوم بها لمعوقات الاستثمار, وأنا أذكر أنه في يوم من الأيام كان سمو الأمير عبد الله الفيصل بن تركي عندما كان رئيس ومحافظ هيئة الاستثمار سابقاً, اتصل بي في ليلة من الليالي وقال إنه اجتمع مع خادم الحرمين الشريفين وولي العهد الأمير عبد الله, آنذاك, رئيس المجلس الاقتصادي الأعلى, وطلب من خلال لجنة شكلت برئاسة وزير الاقتصاد لاستطلاع جميع الأجهزة الحكومية لحثهم على القيام بدراسات عن معوقات الاستثمار وسألت الأمير عبد الله: كم من الوقت يستغرق ذلك فقال ثلاثة أشهر, في صباح اليوم الذي يليه كان أمامه أوراق مليئة بالدراسات التي نفذتها الهيئة.
وأقول إنه حان الوقت لإصدار القرارات المهمة لنقل هذا القطاع وترجمة قرارات الدولة إلى قرارات تنفيذية تنظيمية حتى ينطلق هذا القطاع الكبير جداً إلى صناعة اقتصادية ذات برامج ومنتجات سياحية ومورد للخدمات وتنظيم مسارات الاستثمار, ولكي يكون أيضا قطاعا مستهدفا لجلب فرص الاستثمار والرساميل والبنية التحتية للمناطق التي لم تصلها الخدمات. فالسياحة أصبحت اليوم أول صناعة في العالم تجلب فرص الاستثمار في المناطق خاصة للمناطق النائية والمحتاجة والفرص الاستثمارية الكبيرة للبنية التحتية من طرق ومياه وكهرباء.
وأنا سعيد أن أقول اليوم إنه من نتائج اتفاقيات الهيئة مع الوزارات الحكومية وقرارات مجلس إدارة الهيئة العليا للسياحة ودعم وزارة المالية ووزارة التخطيط أن الهيئة قد بدأت بتزويد الوزارات بالخدمات الأساسية والاتصالات عن احتياجات المناطق تباعاً, حتى تستطيع الدولة تخطيط هذه الميزانيات للخدمات المساندة وتستهدف الفرص الاقتصادية, وتعطي أولوية لتكون مناطق نمو اقتصادي.
ونحن في الهيئة العليا للسياحة لم نقدم من أعمال في الواقع من خلال ما قامت به الهيئة في السنوات الماضية إلا جزءا يسيرا لا يتعدى 10 - 15 في المائة من طموحي أنا كأمين عام للهيئة وزملائي كذلك.
وقد حضر معي اليوم مشكورين عدد من رجال الأعمال المواطنين الذين يستثمرون في دبي وفي مناطق غيرها من العالم وقد التقيت بهم وقد التقيت يوم أمس في دبي مع كبريات الشركات الاستثمارية في قطاعات السياحة وقطاعات العقار وسمعت من المواطنين السعوديين والمستثمرين من غيرهم أنهم قالوا لماذا تأخرتم في خلق هذه الفرص الكبيرة, لأننا نحن أيضاً في دول الخليج نريد أن يفتح الباب لنا لأن نستثمر في بلادنا في المملكة العربية السعودية لأنه بلد آمن وفيه مقومات سياحية كبيرة إضافة إلى أنه سوق سياحية.
نحن اليوم في المملكة العربية السعودية لا نستهدف المستثمر السعودي فقط, ولكن نستهدف المستثمر الذي يستهدف المستثمر السعودي وأموال المواطنين السعوديين اليوم وفي كل مكان في العالم, أولى بها أن تستثمر في هذا البلد الآمن والمستقر ونحن نعمل بدفع وتأييد من الدولة ومن خادم الحرمين الشريفين ومن ولي العهد على تحقيق نتائج وإن شاء الله سيكون المؤتمر المقبل قد خرجنا بقرارات ونتائج جيدة, وسوف تستمعون خلال العام المقبل إلى قرارات مهمة فيما يتعلق بنمو هذا القطاع وهذا المارد الجديد لقطاع الاستثمار.