الجوع الصيني المخيف للمواد الخام والسلع يحرك موانئ العالم
تشهد موانئ استقبال الحاويات في العالم نشاطا متزايدا وملحوظا ولاسيما في الموانئ الآسيوية حيث تري طوابير من السفن، وترصد حركة غير معتادة في موانئ توزيع الحمولات على الصعيد الإقليمي. وتزداد قيمة الرسوم في بعض الموانئ الآسيوية المكتظة في ميناء هونج كونج، وميناء سنغافورة، وكذلك الحال أيضا في ميناء كولومبو عاصمة جزيرة سريلانكا.
ورغم أن ميناء كولومبو لا يعد من الموانئ الكبيرة في العالم، لكنه نجح في تحقيق استفادة عالية من حركة التجارة العالمية الضخمة والمتنامية و يسجّل هذا الميناء الذي لا يكاد يري من فرط ازدحام السفن علي الأرصفة أرقاماً قياسية حيث قالت سلطات الميناء إنها فرغت في تموز (يوليو) الماضي عددا هائلا من الحاويات لم يسبق تحقيقه من قبل وبنسبة زيادة قدرها 7 في المائة عن العام السابق ووصل العدد الإجمالي إلى 217 ألف وحدة.
وتشبه سوق الملاحة العالمية بحرا تحكمه رياح عاصفة ويعود السبب في ذلك إلى الطلب المرتفع بالأخص على قنوات الحركة من وإلى آسيا، حيث توجد الصين، وهي ثالث أكبر محطة تجارية في العالم في الوقت الراهن، إذ تدفع و تشغّل السوق وأغلب البضائع التي يتم إنتاجها في المصانع، تدخل أمريكا وأوروبا عن طريق حاويات النقل البحرية.
وفي المقابل، يبدو الشره الصيني لاستيراد المواد الخام ومعدات التصنيع مخيفا وليس له حدود، حيث تستفيد شركات الملاحة والنقل، والموانئ تقريباً في أنحاء الكرة الأرضية كافة.
وفي هذا الإطار قامت كندا أخيرا برصد نحو نصف مليار يورو لصالح مشروع أطلقت عليه اسم استراتيجية بوابة الهادئ - Pacific Gateway Strategy وهو يتعلق بإنشاء موانئ لها على المحيط الهادئ. وتقدّر الحكومة أن حجم تبادل الحاويات في موانئ الهادئ خلال الخمسة عشر عاماً المقبلة سوف يرتفع بنسبة 300 في المائة. وعلى الجانب الآخر من المحيط الهادئ نجد أن أستراليا تخطط لتعزيز ودعم ميناء سيدني بورت بوتاني، ثاني أكبر ميناء في أستراليا بنحو 300 مليون يورو حيث ستسهم حركة النقل المتزايدة في خلق نحو 9000 فرصة عمل جديدة في الميناء.
ويقول الوزير الصيني زانج شونكسيان إن النمو الاقتصادي الصيني السريع، وقوته الربحية المكتسبة التي تعمل كقوة للتجارة العالمية، يضمنان الطلب المرتفع خلال الأعوام المقبلة من خلال نقل البضائع". وفي غضون خمسة أعوام سوف يتضاعف عدد الحاويات المتبادلة التي يبلغ حجمها بالمعدل نحو 20 قدماً من 62 مليون خلال العام الماضي إلى 130 مليون وحدة. وفي هذا العام وحده سوف يرتفع العدد بنحو 20 في المائة إلى 74 مليون وحدة.
من جانبه يشير كوند بونتوبيدان المدير التنفيذي لشركة مولير مارسيك المتخصصة في مجال النقل البحري والتي تسيطر على نحو 17 في المائة من حركة النقل العالمية إلى أن حاوية من كل أربع حاويات تتحرك في المحيط تكون آتية من الصين، وفي غضون أعوام قليلة سوف تصبح النسبة كل حاوية من ثلاث". وتساعد الأرقام التي تطرحها الصين في تفسير الأمر: فقد سجلت الصادرات الصينية في آب (أغسطس) الماضي زيادة بنحو 32 في المائة، كما زادت نسبة الاستيراد نحو 23 في المائة مقارنة بأرقام العام الماضي.
ومع نهاية هذا الشهر، من المفروض إجراء اختبار تجريبي للميناء البحري العميق، يانجشان، في شانغهاي في أولى مراحل البناء التي كلّفت نحو 1.8 مليار دولار. ومن المفترض أن يتمكّن هذا الميناء من استيعاب نحو 20 مليون وحدة نقل سنوياً. ومن المفترض أن تبدأ المرحلة الثانية من البناء مع نهاية العام المقبل بتكلفة تقدر بنحو 800 مليون دولار.
وتسهم مجموعة الموانئ الدولية في شنغهاي بنسبة تصل إلي نحو 40 في المائة بينما ستسهم هونج كونج لي كاشينج بنحو 20 في المائة في تشغيل الميناء، وهي النسبة نفسها التي تسهم بها مجموعة الملاحة الصينية والموانئ، كوسكو، بينما تساهم مولير مارسيك بنحو 10 في المائة. وتقدر تكلفة إنشاء الميناء بنحو 12 مليار دولار وسوف يضم الميناء عند اكتماله 52 حوضا لإرساء السفن إضافة إلى جسر يبلغ طوله 32 كيلومترا يربط الميناء في مدينة شنغهاي التي تعد العاصمة الاقتصادية للصين.
وفي الوقت الذي تسعى فيه شنغهاي للنمو والتطور تستمر الحركة مدفوعة بزخم نشاط لا ينقطع في الموانئ الموجودة بالفعل التي لا تتوقف فيها دائرة العمل. ولعل ميناء سنغافورة ينجح هذا العام في إقصاء ميناء هونج كونج من فوق القمة، حيث بلغ معدل نمو حركة الميناء في هونج كونج نحو 2 في المائة لتصل الطاقة إلى 16.7 مليون وحدة خلال الأشهر الأولى من العام.
أما سنغافورة المنافسة بقوة فحققت نمواً خلال الأشهر الثمانية الأولى من هذا العام بنحو 9.3 في المائة لتصل الطاقة إلى 14.8 مليون وحدة. وهناك أيضا ميناء تانيونج بيليباس في ماليزيا الذي حقق زيادة بنحو 25 في المائة لتصل طاقته إلى نحو 5 ملايين وحدة غالبيتها تحققت على حساب ميناء سنغافورة.
ويحذر محللون من معدلات النمو السريعة التي سرعان ما ستبلغ ذروتها في مجال ملاحة الحاويات وتم رصد إشارات لاتجاه متزايد لشركات تقوم ببيع حصصها من الموانئ. وخلال العام الحالي استثمر ميناء سنغافورة الدولي، وكذلك موانئ دبي الدولية، وشركة التجارة الصينية، نحو 3 مليارات دولار في شركات تشغيل موانئ في هونج كونج. وفي الوقت الراهن تتقدم شركة هوتشيسون، وميناء دبي الدولي، وشركة سنغافورة تيماسيك الحكومية لشراء رابع أكبر شركة عالمية في مجال تجهيز وتشغيل الموانئ في العالم
وهي شركة الملاحة البريطانية بنينسولار آند أورينتال ستيم التي تبلغ طاقة موانئها نحو 13.8 مليون وحدة وتقدر أصولها بنحو 4.4 مليار يورو.
وتستغل الموانئ الصينية هذه الحركة في القطاع بهدف تحريك أموال جديدة لخطط البناء والتعزيز في البورصات. كما توجد خطط تطوير تُقدّر في البورصة بنحو 800 مليون دولار تشمل العام الحالي تطوير ميناء إكسيامين الدولي وميناء تيانجين وموانئ شنغهاي، وخلال العام الجاري تنوي الصين ضخ نحو 4.9 مليار دولار في تجهيز البنية التحتية لموانئها.
وعلى النقيض من معدلات النمو السريع وأعمال التوسعة الكبيرة للموانئ في آسيا، فإننا نجد موانئ أخرى في مناطق أخرى من العالم تكاد تختنق ففي موانئ كاليفورنيا على سبيل المثال ستزيد الفترة الزمنية المخصصة لعمليات التفريغ والتحميل إلى نحو سبعة أيام.
وتحتاج عملية التخطيط في الغرب الأمريكي لفترات زمنية طويلة نظرا لتداخلها مع عوامل أخرى مثل المخاوف البيئة.
ويلخص أل بيرس مدير عام اتفاقية استقرار النقل عبر المحيط الهادئ الموقف قائلا إن بناء الموانئ في الولايات المتحدة أكثر تعقيداً من الصين لأن الاستثمار في مجال البنية التحتية يسبب تراجعا في معدلات النمو.