كلهم يكذبون
كلهم يكذبون
لا أحب التعميم، لكنني في الوقت نفسه أكره الاختباء خوفاً وراء كلمة "أغلبهم" في الوقت الذي أعلم أنهم "كلهم" يقولون ما لا يفعلون بل ويقولون ما لا يؤمنون به بل ولم يخطر لهم على بال، والحديث هنا ليس عن الشعراء الشعبيين كما اعتدنا، المسألة هنا أوسع وأشمل، جميع من يحترفون الكلام " منبرياً وورقيا" يكذبون!.. نعم جميعهم.. بلا استثناء .. لكنهم يتفاوتون في حجم الكذب وسوئه وفداحة خطره على الأوساط التي يتزعمونها.. هناك من يكذب كذبةً "بيضاء" وهناك من يخلط الأبيض بالأسود لينتج لوناً "رمادياً" لكذبته.. وهناك من يحرق الكلام حتى تتفحم الأحرف وتصبح "سوداء" جليّة، هذا من حيث اللون "المعنى" أما من جهة القصد فالبعض منهم يكذب ليصنع "الصواب" أو ليعين على صناعته، وهناك من يقول نصف الحقيقة ويترك النصف الآخر مفتوحاً لخيالات القارئ وظنه، وهناك من "يصفقك" بالكذبة بين "عيونك" وينظر في عينيك بكل "قوة عين".. وبين هذا الكذب المتواصل عليك عزيزي القارئ أن تحسن من نظرتك للشاعر الشعبي فليس هو المحترف الوحيد للكذب، بل هو الوحيد الذي يهتم بتنميق الكذبة فيبرزها بالوزن والقافية، وهنا تكمن مأساته، فالوزن والقافية يسهلان على المتابعين حفظ هذه الكذبة وترديدها وتناقلها، أما الآخرون فالكثير ينسى أقوالهم وكذباتهم بمجرد أن تخرج من أفواههم.