والدي ـ رحمه الله ـ كان رجلاً قويًا وصارما في تربيته كشأن الكبار القدماء

والدي ـ رحمه الله ـ كان رجلاً قويًا وصارما في تربيته كشأن الكبار القدماء

والدي ـ رحمه الله ـ كان رجلاً قويًا وصارما في تربيته كشأن الكبار القدماء
الشيخ ابن باز وجهني كثيرا في عملي القضائي واستفدت منه في أموري العلمية
أغرب قضية كانت لرجل بلغ من الكبر عتيا .. أطول قضية بقيت عندي 3 سنوات

أورد الشيخ الدكتور إبراهيم بن صالح الخضيري قاضي محكمة التمييز في الرياض لــ "الاقتصادية" عددا من المواقف والأحداث التي مرت به في مسيرته العلمية والتعليمية, لاسيما في مجال القضاء, وأوضح أن جل هذه الأحداث وقعت في قاعات المحكمة, وأبان أن من أبرز القضايا الغريبة التي مرت به كانت لرجل بلغ من العمر عتيا مع زوجته, وأكد الشيخ الخضيري أنه حكم في عدد من القضايا الجنائية وغير ذلك من الأمور المتعلقة بالقضاء, وفيما يلي نص الحوار:

في البداية حدثونا عن مسيرتكم العلمية والعملية؟
محدثكم إبراهيم بن صالح بن عبد الله الخضيري..من بني تميم، من بالعنبر، ولدت في قرية الحمر في بريدة، عام 1376هـ.. حصلت على الابتدائية من مدرسة تحفيظ القرآن الكريم الأولى في الرياض.. عام 1389هـ. تخرجت في معهد إمام الدعوة العلمي عام 1395هـ.. ثم كلية الشريعة في الرياض عام 1400هـ.. وعينت في القضاء (ملازمًا قضائيًا) في محكمة الرياض.. وكنت قبلها قد رشحت معيدًا في الجامعة, ثم لازمت في محكمة الرياض ثلاث سنوات ابتداءً عام 1401هـ. وبعدها في المحكمة الكبرى في جدة مدة ستة أشهر. وبعدها في المحكمة المستعجلة في الرياض لمدة سنة. ثم بعدها قاضيًا في المحكمة الكبرى في الرياض إلى عام 1426هـ، ثم قاضيًا في محكمة التمييز، وباشرت العمل فيها في 6/7/1427هـ.
في طلب العلم
حبذا لو ذكرتم لنا مسيرتكم في طلب العلم، ومن المشايخ الذين تتلمذتم عليهم؟
أولاً نسأل الله أن يعيننا بالتوفيق والسداد, ما يتعلق بطلب العلم:
درست في قريتي في بريدة في الكتاتيب، ثم تخرجت بعدما قرأت القرآن إلى سورة (القلم)، ثم درست في مدرسة تحفيظ القرآن الكريم كما قلت.. ثم أخذت الماجستير من كلية الشريعة في الرياض، من خلال رسالة: (أحكام المساجد في الشريعة الإسلامية)، ثم الدكتوراة في الفقه المقارن من كلية الشريعة، عام 1415هـ (نوقشت)، كنت قد سلمتها عام 1414هـ. أما الماجستير ففي عام 1406هـ سلمت، ونوقشت في عام 1407هـ. نسأل الله أن يرزقنا العلم النافع.
أما من ناحية طلب العلم فقد قرأت في المساجد قراءة طفيفة جدًا لا تعتبر قراءة مستمرة، وحضرت دروس سماحة الوالد الشيخ ابن باز ـ رحمة الله عليه، وحضرت دروس الشيخ عبد الله بن محمد بن حميد ـرحمة الله عليه، وحضرت دروس الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين ـ حفظه الله. ومتابعة قليلة.. نسأل الله أن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل والاعتقاد.
هؤلاء أثروا في حياتي
هل هناك بعض المشايخ الذين كان لهم التأثير في حياتكم؟
بما يتعلق في الأمور القضائية فقد استفدت كثيرًا من صاحب الفضيلة الشيخ سليمان بن صالح الربيش ـ رحمة الله عليه، ومن فضيلة الشيخ محمد بن عبد العزيز المحمود ـ حفظه الله، ومد في عمره على طاعته، واستفدت من شيخنا العلامة صالح بن محمد اللحيدان كثيرًا، واستفدت ولله الحمد والمنة من مشايخنا الفضلاء الكرام بلا حصر.
لكن بما يتعلق بالأمور الدعوية وأمور المناصحات وأمور هموم الإسلام والمسلمين قد استفدت كثيرًا من الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، واستفدت في الأمور العلمية منه، ومن الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين.. وكنت أرجع إلى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز في الأمور الحساسة والخطرة وفي الأمور القاضية أيضًا، وقد أفادني كثيرًا.. وكنت أرجع إلى الشيخ عبد الله بن حسن بن قعود ـ رحمه الله، في بعض الأمور، ولكنه لتواضعه الشديد كان يردني إلى سماحة الشيخ ابن باز.
وفي مستهل حياتي القضائية قابلت الشيخ عبد الرزاق عفيفي، وسألته بعض الأسئلة المهمة في أمور القضاء. وأفادني كثيرًا ـ رحمة الله عليه.
ما يتعلق بالمشايخ الذين لهم تأثير في حياتي.. كان من أبرزهم الشيخ صالح بن عبد الرحمن الأطرم ـ رحمه الله تعالى وأسكنه فسيح الجنان، وكذلك الشيخ عبد العزيز بن محمد بن داود، أبو الداود الموجود الآن في دار الإفتاء.. كذلك من مشايخنا الذين استفدت منهم مباشرة أو بالواسطة محمد بن محمد بن محمد بن المختار الشنقيطي، رحمه الله تعالى, في آخر حياته.. وما عدا ذلك استفدت من كثير من المشايخ الذين انتفعت منهم.
أثر الوالدين
فضيلة الشيخ، لا شك أن للوالدين في حياة الأبناء الأثر الكبير في التنشئة والفضل الكبير في الدعم، فهلا حدثتمونا عن هذا الأثر في حياتك؟
أما الوالدان فحقهما عظيم وشأنهما كبير، ولهم المكانة العظيمة.. الوالد "رحمه الله" كان رجلاً قويًا، شأنه كشأن الكبار القدماء، وكان صارمًا في تربيته، شأنه شأن مجتمعه؛ لكن له علينا أفضال لا يمكن أن ننساها، منها أني لم أرَ والدي يومًا ما قد تخلف عن الصلاة قبل الأذان، وطيلة حياته كنت أراه يدخل المسجد قبل الأذان أو مع الأذان، ويحضر الصلاة مبكرًا إلا أن يكون مريضًا أو مسافرًا.
وكان ـ رحمه الله تعالى ـ يحرص على أداء حقوق الناس ويحث على ذلك ويبين أن الله سبحانه وتعالى أكرم الأكرمين، ولكن الناس لا يتنازلون ولا يتسامحون عن حقوقهم، وكان رحمه الله حريصًا حرصًا شديدًا على مراقبتنا مراقبة سرية، فلا نكون في مكان ونتوقع ألا نراه إلا ونراه فجأة، وكان بارًا بوالده ووالدته برًا عظيمًا، كنا نلاحظه بشكل كبير، وكان يتحدث إلينا أصدقاؤه، كبار السن عن أموره في شبابه وأنه من أبر الناس في زمنهم وقريتهم بوالديه.. رحمهم الله جميعًا.
أما الوالدة ـ رحمه الله تعالى ـ فقد كانت طالبة علم، تقرأ الكتب، الوالد لم يكن يقرأ الكتب، كان يقرأ القرآن فقط، وكما قلت عامي، ولكن عنده من الدراية، يقول الشيخ عبد الرحمن الدوسري لأن أناقش ستين عالمًا أهون من أن أناقش عاميًا واحدًا.
فعنده من الدراية والفهم والذكاء والفطرة ما يجعله ـ إن شاء الله حظيًا، موفقًا، مباركًا ـ بإذن الله تعالى.
أما الوالدة كما قلت فهي طالبة علم، تعلمت وقرأت وصارت تقرأ الكتب، وكانت تكثر المطالعة في القرآن الكريم، وفي السنة المطهرة، ويعجبها دائمًا الاطلاع على أحاديث النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وتحفظ كثيرًا منها، كانت لا توقظنا في الصلاة إلا وهي تحدث، وكلماتها هي قطع ولآلئ نيرة من أحاديث النبي ـ صلى الله عليه وسلم، فتسمعها وهي تقول: قم يا بني لئلا يبول الشيطان في أذنك، وتسمعها وهي تقول: يعقد الشيطان على قافية أحدكم ثلاثًا فاذكر الله يا بني، قم واذكر الله تعالى حتى تنحل عقدة، ثم صل ركعتين حتى تنحل عقدة، ثم صل الفجر مع الجماعة وقد انحلت العقد كلها فتصبح طيب النفس.
كانت حريصة على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الأوساط النسائية، وكانت تحب الصدقة وتكثر منها، حتى أنها قبل موتها استأذنت ورثتها فأوقفت جميع مالها وأوصت بتوزيع مصاحف في المسجد الحرام, وكان لها رحمة الله نظرة إلى الدار الآخرة مستمدة من كلام الله تعالى وكلام رسوله ـ صلى الله عليه وسلم.
وما يتعلق بالوالدة فقد كانت كما قلت، في عائلة غنية مقتدرة كريمة، وتزوجت الوالد وحاله بسيطة، من أبسط الناس، وتعبت معه كثيرًا في ابتغاء الرزق، وفي التنقل، وصبرت وصابرت، غفر الله لها.
لم تكن في الأوساط النسائية تحب الغيبة أو النميمة، بل إذا تحدثت النسوة عن أحد قامت وتركت المجلس، وكثيرًا ما يستحين فيعاهدونها ثم تعود.
في آخر حياتها، فتح الله عليها في القرآن الكريم فكانت تختم كثيرًا وربما قرأت بين المغرب والعشاء البقرة وآل عمران كاملتين برغم انشغالها بأبنائها الذين يتوافدون عليها ـ رحمها الله رحمة واسعة.

ننتقل للحديث عن القضاء ونسألكم هل تمر بكم أوقات عصيبة أثناء ترافعكم في بعض القضايا؟
القاضي عبد مؤمن مثل غيره من المؤمنين يود الخير والفلاح للمؤمنين وإذا حكم على رجل استحق القتل لجرمه وهو من المسلمين فإن القاضي حينئذ يحمد الله ـ عز وجل ـ أن جعل الشرع الإسلامي مظلة أمن تقي كل الناس الشرور والآثام والفتن ونحمد الله ـ سبحانه وتعالى ـ خيراً من أن تمطر السماء 40 يوماً، ونحمده سبحانه على أن هذه الدولة ـ وفقها الله ـ جعلت للقضاء الشرعي منافذه وأصوله وجعلته سياجاً أمنياً في مناهجنا ولا بد أن ينتاب القاضي حزن شديد إذا رأى مسلماً اقترف جرماً يوجب القتل، ولكن هذا الحزن لا يمنعه من تنفيذ حكم الله ـ عز وجل ـ لأنه لا تدخل للعواطف فيه, وهذا الشعور يجعل القاضي يوصي ذلك المحكوم عليه دون أن يخبره بحكم القتل عليه لأنه لا يخبر بذلك إلا وقت التنفيذ، والقاضي يناصح كل المجرمين دائماً ويؤكد عليهم بضرورة التوبة والإكثار من الدعاء والصلاة، ويدلهم على طريق التوبة وغالباً ما يستجيبون خلال فترة السجن لأنه لا شفاعة ولا توبة ترد الحد لقصة ماعز ـ رضي الله عنه ـ والأدلة الفقهية المعروفة .
نفهم من كلامك أن من مهام القاضي الدعوية إصلاح من حوله من أصحاب القضايا؟
هذا الأمر مطلوب من كل قاض إصلاح من حوله حتى لا يعود سواء كانت القضايا مالية أو جنائية أو عامة أو خاصة من مبدأ الرحمة من غير إفراط بحقوق الله ـ عز وجل ـ والشفقة من غير ذلة ولا هوان ويتعامل معهم بروح الحب والاحترام والتقدير ويبذل غاية الجهد في مناصحتهم لعودتهم إلى التوبة.
هناك صنف غير متجاوب
وهل هناك بوادر إيجابية للدعوة في أوساطهم؟
يختلف الناس فمنهم يستجيب للنصيحة ومنهم من لا يعيرها اهتماما, وكم من نصيحة وكلمة كان لها أثر في بعض هؤلاء فعاد إلى الصواب وهم الذين هداهم الله, ولكن هناك صنف غير متجاوب وهم الذين يتعاطون المخدرات, فهؤلاء هناك صعوبة في إصلاحهم إلا ما شاء الله وغالبتهم تدعوهم للتوبة ولا يستجيبون لأنه ران على قلوبهم, وهذا الأمر خطير ولكن لا بد من بذل الجهد والهداية في يد الله سبحانه.

ما أطول قضية مكثت لديك؟
* أطول قضية بقيت عندي ثلاث سنوات, وسبب ذلك مماطلة ويكون هذا لمصلحة تقتضي بقاءها للصلح, ولعلي أذكر قصة لرجل وزوجته كانت الزوجة تطلب الطلاق فأخذتها رغبة في أن يصطلحا والحمد لله أنهما اصطلحا وجاء كل منهما يدعو لي ويقدم شكره، وقد أوصيت الزوج بالاهتمام بالزوجة وإعطائها حقوقها, ونحن كقضاة يكون هناك تشاور بيننا في معظم القضايا التي تأخذ وقتا طويلا حتى يكون الرأي المتخذ فيها قد حظي بأكبر عدد من الآراء التي تعد مهمة لحسم القضية.
وهل هناك قضايا فيها نوع من الغرابة عرضت عليكم؟
أغرب قضية كانت لرجل بلغ من الكبر عتيا يشتكي من زوجته بأنها تمنعه إعطاءه حاجته وتهرب منه, وهي تشتكي من حدة الجماع فأمرت من ينفق عليه بأن يقوم بتزويجه زوجة أخرى وانتهت المشكلة بينهما بعد أن تم زواج الرجل الكبير في السن, ومثل هذه القضية بينهما حصل مثلها في عهد ابن الزبير وحكم بين الرجل والمرأة بعدد معين من الجماع لشكوى المرأة وأيضا لشكوى الرجل.
وما أطرف قضية؟
من القضايا الطريفة التي مرت بي أنه مر بي رجل للتقاضي فزعم أنه أعزب وأنا أعرف أنه متزوج، وبعد كذا سنة جاء الرجل إلى المحكمة وقابلني في الطريق وسألني عن مكتبي فقلت هذا مكتبه فلما جاء ودخل علي سقط مغشيا عليه، فلما جاء في الجلسة الأخرى قلت له: ما قلته علي سامحتك عليه، أما كذبك بأنك لم تتزوج فهذا لا بد أن تعترف به، فاعترف بالزواج وكفانا الله شره، هذه قضية …وهناك قضية أخرى رجل باكستاني الجنسية دخل علي في المكتب وكان معه سكين صغير وكان صاحبه حولنا فقام بطعنه وقال لا أريدك أريد صاحبي، وجاء رجال الأمن فقبضوا عليه، والطرافة هنا أنه لم يكن بيني وبينه عداوة وهو ظن أنني خفته.
وماذا عن القضايا التي يكون فيها غير مسلمين ما الدور الذي كنت تقوم به؟
القاضي لا بد أن يطبق العدل سواء كان الذي أمامه مسلما أو كافرا, الذي يثبت الحق يعطى ويحكم به, وقد كنت بعد انتهاء القضايا التي يكون بعض الخصوم فيها من غير المسلمين أقوم بدعوتهم للإسلام والحمد لله حالفني توفيق في إسلام بعضهم فإذا صدقوا في إسلامهم فإن الله يعطي الداعي إلى ذلك أجرا عظيما، وأسأل الله أن أكون قد نلت ذلك من خلال هؤلاء، وأن يثبتهم على إسلامهم، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

الأكثر قراءة