الأمريكيون يهابون الاستثمارات الأجنبية ويقلقون على وظائفهم من العولمة
مشاعر القلق لدى الأمريكيين حول الوضع الاقتصادي تُحدِث تحولاً في الأولويات والآراء حول السياسة الخارجية. الطاقة هي من مصادر القلق الرئيسية، إلى جانب الوظائف وتوزيع الدخل والثروة. وهذه المخاوف تؤثر بصورة سلبية في موقف الأمريكيين من العولمة، والهجرة، واتفاقية التجارة الحرة لبلدان أمريكا الشمالية، والمستقبل الاقتصادي للولايات المتحدة. وذلك وفق استطلاع أجراه مجلس شيكاغو للشؤون العالمية.
وتبدو مشاعر الامتعاض والاستياء لدى الأمريكيين واضحة في الغالبية القوية 64 في المائة التي تعتقد أن توزيع الدخل والثروة في الولايات المتحدة أصبح في الفترة الأخيرة أقل إنصافاً. ومن بين الذين قالوا إن التوزيع أصبح أقل إنصافاً من ذي قبل، يعتقد 82 في المائة من هؤلاء أن دور العولمة والتجارة الدولية في هذا التغير هو دور "مهم للغاية" 25 في المائة و"مهم إلى حد ما" 57 في المائة. ولا يعتقد الأمريكيون أن الأمور ستتحسن في المستقبل، حيث يعتقد 60 في المائة أن الجيل المقبل من الأمريكيين سيكون في وضع اقتصادي أسوأ من وضع البالغين العاملين (قال 30 في المائة منهم إن الوضع سيبقى على حاله تقريباً، وقال 9 في المائة إن الأوضاع ستتحسن في المستقبل).
وهناك نسبة لافتة للنظر من الأمريكيين، حيث يفضل 82 في المائة منهم إصلاح المشكلات الملحة داخل أمريكا بدلاً من مواجهة التحديات التي تواجه الولايات المتحدة على الساحة الخارجية (17 في المائة). يعتقد الأمريكيون أن أفضل وسيلة للمحافظة على القدرة التنافسية الأمريكية ضمن الاقتصاد العالمي هي التعامل مع هذا الموضوع من الداخل، وذلك من خلال الاستثمار في الطاقة القابلة للتجديد، وتعزيز استقرار المؤسسات المالية الأمريكية، وتحسين التعليم العام.
وهذه النتائج هي جزء من استطلاع واسع للرأي العام أجراه مجلس شيكاغو للشؤون العالمية بين 3 و15 تموز (يوليو) 2008. وبالنظر إلى الأحداث العجيبة التي وقعت في "وول ستريت" في أيلول (سبتمبر)، أُتبع الاستطلاع المذكور باستطلاع أقصر منه خلال الفترة من 22 إلى 26 أيلول (سبتمبر) لمعرفة ما إذا كانت الأزمة المالية قد أثرت في الاتجاهات العامة بخصوص بعض القضايا الرئيسية في الدراسة.
وجاءت نتائج استطلاع أيلول (سبتمبر) بصورة عامة مؤيدة للاتجاهات العامة التي أظهرتها الدراسة التي أُجرِيت في تموز (يوليو) التي عرضنا ملخصاً لنتائجها أعلاه، مع استثناء ملحوظ، وهو الهبوط الحاد في عدد الذين يعتبرون أن تحسين مكانة أمريكا في العالم هو من الأهداف المهمة للغاية للسياسة الخارجية للولايات المتحدة، حيث هبطت نسبة هؤلاء بمقدار 32 في المائة، لتصبح 51 في المائة بعد أن كانت في الاستطلاع السابق 83 في المائة. تشير هذه النتيجة إلى أن التركيز الحالي للأمريكيين هو على الوضع الداخلي، في الوقت الذي تتكشف فيه الأزمة المالية ويتقدم سير الانتخابات الرئاسية. معظم النتائج التي سنوردها في هذا التقرير تخص شهر تموز (يوليو)، ما لم يذكر خلاف ذلك.
العولمة: جيدة للمستهلكين والشركات وسيئة للعمال
مشاعر القلق حول الوضع الاقتصادي تؤثر بصورة واضحة في الموقف من العولمة.
غالبية الأمريكيين (58 في المائة) لا تزال ترى أن "العولمة، خصوصاً الروابط المتزايدة بين الاقتصاد الأمريكي واقتصادات البلدان الأخرى في العالم" هي "في معظمها جيدة بالنسبة للولايات المتحدة". هذه النسبة هي أدنى بمقدار 6 في المائة عن نسبة 64 في المائة التي سُجِّلت عام 2004. ثم في أيلول (سبتمبر) هبطت النسبة مرة أخرى إلى 56 في المائة. عدد الأمريكيين الذين يعتقدون أن العولمة "سيئة في معظمها" بالنسبة للولايات المتحدة يزداد باطراد. في عام 2004 كانت النسبة 31 في المائة، ثم ارتفعت إلى 35 في المائة في عام 2006، وإلى 39 في المائة في تموز (يوليو) 2008، وإلى 42 في المائة في أيلول (سبتمبر) 2008. وفي علامة على تعاظم مشاعر القلق، حين سئل المشاركون إن كانت العولمة جيدة أم سيئة بالنسبة للاقتصاد الأمريكي، أجاب 51 في المائة منهم إنها سيئة.
من الواضح أن الأمريكيين يشعرون بالقلق من أثر العولمة في الوظائف. قال 65 في المائة إن العولمة سيئة بالنسبة للأمن الوظيفي للعمال الأمريكيين، وقال 58 في المائة إن العولمة سيئة من حيث خلق الوظائف في الولايات المتحدة. الغالبية الكبيرة من الأمريكيين (80 في المائة في حزيران (يونيو) و78 في المائة في أيلول – سبتمبر) يرون أن حماية الوظائف الأمريكية هي من "الأهداف المهمة للغاية" في السياسة الداخلية الأمريكية (كانت النسبة 76 في المائة في عام 2006). مع ذلك يرى عدد كبير (56 في المائة) أن العولمة جيدة بالنسبة للمستهلكين، ويرى 52 في المائة أنها جيدة بالنسبة للشركات، ويرى 51 في المائة أنها جيدة بالنسبة لمستواهم المعيشي.
الأمريكيون منقسمون على أنفسهم من حيث نظرتهم إلى أثر العولمة في الجيل المقبل من الأمريكيين
48 في المائة يقولون إنها أمر جيد، و49 في المائة يقولون إنها أمر سيئ ومن جانب آخر، يقول 40 في المائة إن "العولمة الاقتصادية" تجري "بسرعة تفوق الحد". و57 في المائة لا يوافقون على ذلك (39 في المائة يرون أنها تجري "بالسرعة المناسبة" و 18 في المائة يقولون إنها تسير على نحو بطئ أقل مما يجب.
وبصورة عامة يشعر الأمريكيون بشكل متزايد بعدم ارتياح حول آثار العولمة. وهم يشعرون بالقلق على وجه الخصوص من دور الحكومات الأجنبية في الاستثمار في الولايات المتحدة.
و68 في المائة قالوا إنهم لا يفضلون السماح للحكومات الأجنبية بالاستثمار في الشركات والبنوك الأمريكية. و29 في المائة فقط قالوا إنهم يفضلون ذلك.
الطاقة: من أكبر مصادر القلق والتخوف
هناك تحول واضح آخر في الأولويات هو ظهور الطاقة على أنها من أهم القضايا بالنسبة للسياسة الخارجية الأمريكية. ضمان إمدادات البترول، الذي كان أصلاً من أهداف السياسة الخارجية الأمريكية، أصبح يحتل الآن موقعاً عالياً تماماً في الاستطلاعات منذ أزمات النفط في سبعينيات القرن العشرين.
و80 في المائة يعتبرون أن هذا الموضوع هدفا "مهما تماماً" من أهداف السياسة الخارجية في تموز (يوليو) 2008، مع هبوط يسير في أيلول (سبتمبر) 2008 حيث أصبحت النسبة 77 في المائة. وهذا يضع هذا الهدف في مصاف حماية وظائف الأمريكيين من حيث الأهمية (80 في المائة في تموز (يوليو) 2008 و78 في المائة في أيلول (سبتمبر) 2008). هذان الهدفان يحتلان الآن (استناداً إلى استطلاع 9/2008) مرتبة تزيد بعشر نقاط على هدف منع انتشار الأسلحة النووية (بهبوط مقداره 20 نقطة مئوية منذ عام 2002، الذي كانت النسبة فيه 86 في المائة، لتصل إلى 66 في المائة في أيلول (سبتمبر) 2008)، ومكافحة الإرهاب الدولي (83 في المائة في 2002 هبطت بمقدار 18 نقطة إلى 65 في المائة خلال الفترة نفسها).
وفضلاً عن ذلك ينظر الأمريكيون الآن إلى تعثر أو انقطاع إمدادات النفط على أنه أحد التهديدات الخطيرة للمصالح الحيوية للولايات المتحدة خلال الأعوام العشرة المقبلة. في تموز (يوليو) 2008 كان ذلك هو الخطر الأكبر في رأي 72 في المائة من المشاركين، أي بزيادة 13 نقطة عن استبيان عام 2006، ويزيد في خطورته بقدر يسير على الإرهاب الدولي (70 في المائة)، الذي كان يتصدر القائمة في استطلاعات الرأي خلال العقد الماضي (منذ عام 1998). في أيلول (سبتمبر) 2008، ووسط الأزمة المالية وفي أعقاب الهبوط في أسعار النفط، هبط خطر تعثر إمدادات الطاقة قليلاً وتراجع وراء خطر الإرهاب الدولي من حيث كونه الخطر الأكبر.
وبسبب مخاوفهم من الطاقة، يؤيد كثير من الأمريكيون الاعتماد على القوات المسلحة لضمان التدفق الحر لإمدادات النفط، و59 في المائة قالوا إنهم يؤيدون استخدام القوات الأمريكية لضمان إمدادات النفط، أي بزيادة مقدارها 14 في المائة على عام 2006. وهذه النسبة أعلى من نسبة الذين يؤيدون استخدام القوات الأمريكية لحماية الحلفاء من أمثال كوريا الجنوبية إذا تعرضت للهجوم من قبل كوريا الشمالية (41 في المائة) وتايوان إذا تعرضت لغزو من الصين (32 في المائة).
ويبدو أن الأمريكيين على استعداد للعثور على أجوبة جديدة عن مشكلة الطاقة، حيث قال71 في المائة إن الاستثمار في الطاقة القابلة للتجدد مهم تماماً للولايات المتحدة للمحافظة على قدرتها التنافسية في الاقتصاد العالمي.
الهجرة: استمرار الشعور بعدم الارتياح
هناك اتفاق قوي بين الأمريكيين على أن الهجرة "بمستوياتها الحالية" (دون تحديد ما إذا كانت هجرة شرعية أو غير شرعية) هي أمر سيئ بالنسبة لجميع جوانب الاقتصاد الأمريكي، و76 في المائة قالوا إن الهجرة "سيئة" بالنسبة للأمن الوظيفي، وقال 67 في المائة إنها سيئة لخلق الوظائف، و61 في المائة قالوا إن الهجرة سيئة بالنسبة للاقتصاد الأمريكي و60 في المائة قالوا إن الهجرة سيئة بالنسبة للولايات المتحدة ككل، و59 في المائة قالوا إنها سيئة بالنسبة لمجتمعاتهم المحلية، و57 في المائة قالوا إنها سيئة بالنسبة لمستواهم المعيشي، و49 في المائة قالوا إنها جيدة بالنسبة للشركات الأمريكية و48 في المائة قالوا إنها سيئة.
اتفاقية التجارة الحرة لبلدان أمريكا الشمالية
هناك تحول في الآراء حول هذه الاتفاقية. عدد متزايد من الأمريكيين يقولون إنها سيئة بالنسبة للولايات المتحدة. ويقول و55 في المائة إنها سيئة بالنسبة للاقتصاد الأمريكي، أي بزيادة 12 نقطة على نسبة عام 2004.
64 في المائة قالوا إنها سيئة بالنسبة للأمن الوظيفي، بزيادة أربع نقاط مئوية على نتيجة عام 2004، و32 في المائة قالوا إنها جيدة بالنسبة للأمن الوظيفي (كانت النسبة 25 في المائة في 2004)، و53 في المائة قالوا إنها جيدة للمستهلكين من أمثالهم، و70 في المائة قالوا إنها جيدة للاقتصاد المكسيكي.
الصين: الخطر الاقتصادي الأكبر
يشعر الأمريكيون بصورة متزايدة بظهور الصين كقوة عالمية ويدركون أنها يمكن أن تشكل تحدياً اقتصادياً لا يستهان به للولايات المتحدة. وهذا من شأنه أن يزيد من مشاعر القلق الاقتصادي عند المواطنين الأمريكيين. ويقول و76 في المائة إن الاقتصاد الصيني يوماً ما سيصبح في حجم اقتصاد الولايات المتحدة (كانت 60 في المائة قبل سنتين).
في عام 2006 كانت نسبة الأمريكيين الذين يعتقدون أن الولايات المتحدة تقرض أموالاً للصين أكثر مما تقرض الصين الولايات المتحدة هي 42 في المائة، أما الذين كانوا يرون العكس فكانت نسبتهم 24 في المائة، و40 في المائة يقولون الآن إن الصين تقرض أموالاً أكثر للولايات المتحدة (وهم على حق في ذلك)، و34 في المائة يقولون الآن إن الولايات المتحدة تقرض أموالاً أكثر للصين (وهذا غير صحيح في الواقع).
الحل من الداخل
حدث هبوط عجيب في عدد الأمريكيين الذين يرون أن تحسين صورة ومكانة الولايات المتحدة في العالم من الأهداف المهمة للغاية للسياسة الخارجية للولايات المتحدة. كان مقدار الهبوط 32 نقطة مئوية. (من 83 في المائة إلى 51 في المائة). هذا الهبوط بين شهري تموز وأيلول (يوليو وسبتمبر) يشير إلى تحول نحو الداخل والتركيز على المشكلات الداخلية مع تردي الأوضاع السيئة أصلاً. وسط حمأة الأزمة المالية في أيلول (سبتمبر)، فإن هذه النظرة تضع موضع التساؤل المواقفَ حول العولمة والهجرة والتجارة الخارجية والطاقة والصين، ما يوحي بفقدان الثقة بالقوة الاقتصادية الأمريكية. الحل الذي يراه الأمريكيون لمواجهة هذا الوضع والمحافظة على القدرة التنافسية للولايات المتحدة في الاقتصاد العالمي هو الاستثمار في الداخل، أي الاستثمار في الطاقة القابلة للتجدد (71 في المائة قالوا إن هذا مهم للغاية)، وتعزيز استقرار المؤسسات المالية الأمريكية (67 في المائة)، وتحسين التعليم العام (65 في المائة)، وتخفيض العجز في الميزانية الفيدرالية (65 في المائة)، بدلاً من التوجه إلى الأمور الخارجية، مثل تشجيع الاستثمار الأجنبي على الاستثمار في الشركات والمشاريع الأمريكية (32 في المائة قالوا إن هذا مهم للغاية)، ومساندة التجارة الخارجية العالمية (24 في المائة) ومواصلة المستويات الحالية من الهجرة الشرعية (21 في المائة).
يذكر أن هذا التركيز المتزايد على التحول إلى الداخل إنما هو إشارة إلى نوع من التفضيل المتزايد للنزعة الانعزالية. الأمريكيون لا يزالون ملتزمين بالتحالفات، والمؤسسات الدولية، والقواعد العسكرية الخارجية، والتدخل العسكري في ظل ظروف معينة. ولكن هناك الآن تركيز متزايد على رغبة الأمريكيين في ترتيب أوضاع البيت الداخلي حتى تستطيع الولايات المتحدة التعامل والتفاعل مع العالم على نحو أفضل من ذي قبل وعلى نحو أكثر نجاحاً.