3 خيارات لتطوير مصادر الطاقة والحفاظ على البيئة من التلوث
3 خيارات لتطوير مصادر الطاقة والحفاظ على البيئة من التلوث
أحد أهم التحديات التي تواجه قطاع إنتاج الطاقة اليوم هو مشكلة انبعاث الغازات الحرارية وتأثيرها السالب في البيئة وصحة الإنسان فالغازات الحرارية التي يُطلق عليها أيضا غازات البيوت الخضراء، حسب الترجمة الإنجليزية للمصطلح Green house gases تشمل بخار الماء، ثاني أوكسيد الكربون، الميثان، أوكسيد النيتروجين، وغازات الكلور الفلورية.
تنتج هذه الغازات بصورة أساسية نتيجة حرق الوقود الحفري من أجل الطاقة، كما هو الحال مثلا في محطات إنتاج الكهرباء وجميع وسائل النقل البرية، البحرية، والجوية، هناك أيضا بعض الغازات الضارة الأخرى التي لم تصنف ضمن ما يعرف بغازات البيوت الخضراء رغم خطورتها على البيئة، وهذه تشمل على سبيل المثال لا الحصر أكاسيد الكبريت، غازات الدايوكسين، الفوران، وأول أوكسيد الكربون.
باستثناء بخار الماء تعمل هذه الغازات جميعا على الإضرار بالبيئة وصحة الإنسان بدرجات متفاوتة، وقد تسبب أمراض السرطان إذا تم التعرض لها لفترات طويلة أو بكميات كبيرة.
أما من ناحية الإضرار بالبيئة فالغازات الحرارية تؤدي إلى ارتفاع درجات الحرارة عالميا، عند صعود هذه الغازات إلى الطبقات العليا من الجو تتكون طبقة عازلة تسمح بمرور الأشعة فوق البنفسجية UV ولكنها تحجز الأشعة تحت الحمراء IR المرتدة من الأرض، وبذلك تُحبس الحرارة فوق سطح الأرض.
التقديرات العلمية المؤكدة تشير إلى أن متوسط درجة الحرارة في العالم ارتفع نحو 0.6 درجة مئوية في خلال المائة سنة الماضية. قد يقول البعض إن هذه الزيادة لا يمكن أن تؤثر في البيئة بأي حال من الأحوال، ولكن الحقائق تقول إنها تسببت في انحسار رقعة الأرض اليابسة نتيجة ذوبان الجليد، كما أنها أدت إلى ارتفاع معدلات الأمطار والفيضانات حول العالم.
التقديرات الحالية تشير إلى أن قطاعات النقل بكل أنواعها، إضافة إلى قطاعي الصناعة والكهرباء, هي الأكثر ضررا بالبيئة، فهي تمثل 50 في المائة من مصادر هذه الانبعاثات الغازية، بينما يتوزع الباقي بنسب متفاوتة ما بين عمليات إنتاج الوقود التقليدي والعمليات المنزلية من طبخ وتدفئة، إضافة إلى عمليات التخلص من النفايات. من بين كل الغازات الحرارية يعد ثاني أوكسيد الكربون الأكثر انبعاثا، ويأتي معظمه من محطات إنتاج الكهرباء التي تعتمد على حرق الوقود التقليدي. يلعب غاز ثاني أوكسيد الكربون دورا أساسيا في ظاهرة الانحباس الحراري، إلا أن تأثيره المباشر في صحة الإنسان محدود إلا في حالات التركيز العالي جدا. أما غاز أول أوكسيد الكربون الذي يأتي معظمه من عوادم السيارات فيعد شديد الخطورة، وقد يؤدي إلى الموت إذا تم استنشاقه لفترة زمنية طويلة.
الغازات الحرارية تتسبب أيضا فيما يطلق عليه مجازا ثقب الأوزون، فهذه الظاهرة تحدث نتيجة انبعاث أكاسيد النيتروجين وتركيزها في الطبقات العليا من الجو يؤدي إلى خفض تركيز الأوزون، فالأوزون له أهمية خاصة، حيث إنه يعمل على الحفاظ على مستوى الأشعة فوق البنفسجية الساقطة على الأرض، وبذلك يقي الإنسان من بعض الأمراض السرطانية.
المخاوف من ازدياد معدل انبعاث الغازات الحرارية أدت إلى انتباه العالم إلى ضرورة سن القوانين اللازمة للحد منها ولذلك ظهرت الاتفاقيات الدولية التي بموجبها تلتزم الدول الموقعة بخفض انبعاثاتها الغازية إلى مستويات محددة مثل اتفاقية كيوتو الشهيرة Kyoto ogrement. قد يستغرب البعض من أن أول القوانين التي صدرت في هذا الشأن يرجع إلى ما يقارب ثمانية قرون خلت، حيث أصدر الملك إدوارد الثاني ملك إنجلترا قرارا عام 1272م تم بموجبه منع حرق الفحم لأغراض التدفئة المنزلية بعد أن أصبح الدخان الأسود الكثيف مصدرا للأمراض في مدينة لندن. أما في تاريخنا الحديث فقد كانت مدينة كاليفورنيا في الولايات المتحدة أول من أصدر قوانين تحد من انبعاث الغازات الحرارية، وذلك في عام 1940.
أما اتفاقية كيوتو, التي تم التوقيع عليها في مدينة كيوتو اليابانية عام 1997، فتنص على أن تلتزم جميع الدول الموقعة, البالغ عددها 169 دولة على خفض انبعاثاتها الحرارية بنسب متفاوتة بحلول عام 2012.
جدير بالذكر أن الولايات المتحدة، وهي صاحبة أكبر انبعاث حراري في العالم، غير ملتزمة حتى الآن بما نصت عليه الاتفاقية رغم توقيعها عليها، وذلك بحجة أن ذلك سيؤثر سلبا في معدل إنتاجها الصناعي.
الآن، بعد أن تعرفنا على الغازات الحرارية وخطورتها على البيئة وصحة الإنسان، كما تعرفنا على أهم الاتفاقيات الدولية للحد منها, يبقى التساؤل حول ماهية الخطوات العملية التي تم إنجازها حتى الآن، وما الدور الذي يمكن أن تلعبه الحكومات والأفراد من أجل الحفاظ على البيئة.
هناك ثلاثة خيارات في هذا الصدد، الأول هو أن نقلل من استخداماتنا اليومية للطاقة، بمعنى أن نقتصد في استخدام السيارات الخاصة، ونرشد في استخداماتنا المنزلية للأجهزة الكهربائية من إضاءة وتلفزيون وغسالة إلى آخره، الخيار الثاني هو أن نستخدم مصادر طاقة بديلة تكون أقل ضررا بالبيئة، مثل الطاقة الشمسية والطاقة الحيوية، والخيار الثالث هو أن نعمل على تطوير وتحسين كفاءة طرق إنتاج الطاقة الحالية.
بينما الخيار الأول يقع تطبيقه إلى حد كبير على عاتق الأفراد أو المجتمعات، تقع مسؤولية تطبيق الخيارين الثاني والثالث تحت مسؤولية الدول والجهات الرسمية التي ترسم سياسات الطاقة. بالنسبة للخيار الثاني هناك اتجاه عالمي لاستخدام الطاقات المتجددة كالوقود الحيوي مثلا بديلا أو كمصدر مساعد للبنزين والديزل التقليدي للاستخدام في السيارات، الولايات المتحدة مثلا تنتج من بعض المحاصيل الزراعية نحو 65 مليون برميل من الديزل الحيوي سنويا، أما البرازيل فتنتج من قصب السكر نحو 12 مليون برميل سنويا، وذلك يغطي نحو 12 في المائة من الاستهلاك المحلي لوقود السيارات، بريطانيا أيضا لديها خطة لإنتاج 15.5 في المائة من حاجتها للكهرباء من مصادر متجددة بحلول عام 2015، كما أن لديها بحوث قيّمة جدا في مجال تطوير سيارات تعمل كهربائيا بواسطة خلايا الوقود الهيدروجينية Hydrogen fuel cell.
أما الجهات الرسمية في الاتحاد الأوروبي فلديها خطة أكثر طموحا تصل إلى نحو 22 في المائة كهرباء من مصادر متجددة بحلول عام 2010.
تجدر الإشارة إلى أن معظم دول العالم الثالث غير معنية إلى حد كبير بخفض انبعاثاتها الحرارية في الوقت الحالي، فهي قليلة جدا مقارنة بما ينبعث في الولايات المتحدة أو الصين مثلا، ولكن على المدى الطويل يجب أن تعمل الدول الأقل نموا على تهيئة المناخ لتطبيق سياسات صارمة للحد من التلوث البيئي، وعليها أيضا تشكيل قوة ضغط على الدول الصناعية الكبرى لجعلها تفي بالتزاماتها المنصوص عليها في الاتفاقيات الدولية مثل اتفاقية كيوتو.
* محاضر في الهندسة الكيماوية في جامعة أستون البريطانية