هل نجت صناعة المال الإسلامية من الأزمة بفعل الحظ أو الحكمة؟
مع إفلاس البنوك العالمية يوماً بعد يوم مع انتشار أزمة الائتمان، فإن مؤسسات التمويل الإسلامي التي ما زالت صامدة أمام آثارها، تعتبر أكثر أماناً.
إذ لم تتسم هذه الصناعة بالمرونة فحسب، بل هي على مشارف التوسع بشكل كبير. إنها تنمو بمعدل أسرع من أي مجموعة مصرفية فرعية subsetفي العالم، بمعدل يراوح بين 15 و20 في المائة سنوياً.
والأغرب من ذلك أن كل هذا النمو يأتي من نموذج إقراض يحرم الفائدة الربوية ويتجنب المضاربة واقتراض مبالغ كبيرة.
باختصار فإن نظام التمويل الإسلامي يحرم بعض المبالغات والتجاوزات التي ركّعت النظام المالي الغربي على ركبتيه، ويبدو أن نظام التمويل الإسلامي يتسم بالحكمة أو على الأقل محظوظ.
إن العدالة والمشاركة ومعارضة الإقدام على المخاطر الكبيرة هي المبادئ الرئيسية التي تسترشد بها البنوك الإسلامية. ويحظر هذا النظام أيضاً المضاربة الصريحة والتعامل مع أي طرف تزيد نسبة الدين في ميزانيته العمومية على الثلث، وكذلك الأمر بالنسبة للاستثمارات التي يعتبرها علماء الدين الإسلامي غير أخلاقية كالكازينوهات، ولكن إذا كانت هذه القواعد صارمة، فإن الاختلاف الأكبر هو تحريم الفائدة.
إن تقاضي الفائدة يعد عملاً غير أخلاقي لأنه لا يأخذ في الاعتبار كيف أن التغييرات التي تطرأ على قيمة تأمين القرض يمكن أن تؤثر في المقترض، كما تقول المبادئ الشرعية. فأصحاب المنازل الذين اشتروها عندما كانت الأسعار قريبة من ذروتها يعانون الآن من هذه الحقيقة المؤلمة: إن الفائدة تؤمن للبنك دفعة ثابتة من المقترض بغض النظر عن حال سوق العقار.
ولأن الربح مطلوب، فقد استنبطت البنوك الإسلامية طرقاً لتحقيقه من القروض التي تقدمها، فبدلاً من أن تطلب فائدة ربوية على القرض، فإنها تشتري الأصل بشكل مباشر نيابة عن المقترض، وبعدئذ يقوم المقترض بسداد القرض - رأس المال - ودفع أتعاب مقابل استخدام الأصل (أجرته مثلاً) ويستمر في ذلك حتى يتم سداد المبلغ بالكامل، وعندها تنتقل الملكية إلى المقترض.
وكما هو الحال في الأوراق المالية المدعومة بالرهن، فإن حقوق سداد القرض يمكن أن تباع كسند إسلامي أو صك، ولكن بدلاً من الحصول على عائد، يتلقى حامل السند أقساط سداد القرض وجزءاً من الأجرة. نتيجة لذلك، لم تضطر مؤسسات الإقراض الإسلامية إلى المغامرة بأموالها في أسواق المال التي تفجرت في الفترة الأخيرة.
وبالنسبة إلى المودعين، فإن وضع أموالهم في بنك إسلامي هو أشبه بكونهم مساهمين في البنك. ويحصل المودعون بدلاً من الفائدة على جزء من أية أرباح تتحقق.
من المفهوم أن الحكومات الغربية تبحث عن أفكار حول كيفية إدارة نظام مالي أقوى، ولكن ماذا يمكنها أن تتعلم من هذا النهج المختلف؟
إن قواعد التمويل الإسلامي التي تعد أكثر حصافة بشأن الدَين تبدو مغرية، حتى لو أدركت تلك الحكومات هذه الحقيقة في وقت متأخر، ولكن الأهم من ذلك أن مؤيدي هذا الأسلوب يقولون إنه يوفر طريقة أفضل لربط النظام المالي بالاقتصاد "الحقيقي".
ولأن البنوك الإسلامية تحتفظ بملكية الأصل إلى أن يتم سداد القرض، يكون لديها حافز أقوى لكي تضمن أن المقترضين لا يقترضون مبالغ لا يستطيعون سدادها. ويشترك البنك في تقاسم المخاطر التي يواجهها المقترض - صاحب المشروع- ولكنه يشاركه فشله أيضاً، وهكذا تستمر الحجة.
إننا لا نقترح أن نتحول إلى نظام إقراض خال من دفعات الفائدة، ولكن هناك تذمر على نطاق واسع بدأ يظهر في الأسابيع الأخيرة من أن التمويل أصبح بعيداً عن المتناول في ضوء احتياجات بقية قطاعات الاقتصاد.
إلا أنه يبدو أن المصرفيين الاستثماريين كرسوا أنفسهم لتطوير طرق مبتكرة للحصول على مكافآت أعلى أكثر مما عملوا لتسهيل عمليات الإنتاج المثمرة. إن نظام التمويل الإسلامي لديه طريقة واحدة لضمان استخدام المدخرات في غايات أكثر نفعاً.
وقد وصل الأمر بالبعض إلى القول إن حظر البيع المكشوف للأسهم يعكس الفكر الإسلامي، لأنه يحول دون تعامل المتداولين بأصول لا يملكونها. ففي الشهر الماضي، قال جيرارد الفيل، وهو صحافي مالي من دبي لراديو ABC الأسترالي "إن حظر البيع على المكشوف هو أحد العناصر الحاسمة في نظام التمويل الإسلامي، ولهذا يبدو أن الأسواق التقليدية بدأت تنظر إلى الأساليب الإسلامية التي لم تلعب حتى الآن أي دور في الأسواق التقليدية".
إن هذه الإمكانية لم تمض دون أن تلاحظها البنوك الغربية التي يوجد لمعظمها أذرع إسلامية تنمو بسرعة. وتنافس مدينة لندن لكي تفوز بهذه السوق، لذلك أدخلت تغييرات على قوانينها بهدف السماح بإجراء مختلف عمليات نقل الملكية التي يتطلبها الإقراض. وتتحدث وسائل الإعلام البريطانية عن تزايد الاهتمام بنظام التمويل الإسلامي حتى في أوساط غير المسلمين بسبب الاعتقاد بأنه مدخل أكثر أخلاقية إلى التمويل.
لذلك توقعوا أن تشاهدوا مزيداً من البنوك الإسلامية في الأعوام المقبلة مع محاولة البنوك العالمية الاستفادة من هذا المجال الآخذ في النمو. وفي ضوء الفوضى المالية الحالية، فإن المرونة التي تتسم بها هذه الصناعة تجعل من الصعب تجاهلها.
صحيفة "ذا سيدني مورينج هيرالد"