مخاوف في قناة السويس من انتهاء فترة الازدهار على "يد الأزمة المالية"

مخاوف في قناة السويس من انتهاء فترة الازدهار على "يد الأزمة المالية"

تمر قناة السويس التي تشهد ازدهارا كطريق بحري مختصر عبر هذه المدينة المصرية الصغيرة مثل شريان يضخ المال اللازم في مستشفياتها ومدارسها ويتجاوزها إلى الاقتصاد المصري عموما. والآن يبدو أن تعثر الاقتصاد العالمي وارتفاع معدلات القرصنة عند المدخل الجنوبي للبحر الأحمر سينهيان فترة الرخاء التي شهدتها القناة والمدينة التي يسميها المصريون عروس القناة.
وأسهمت القناة التي كان الفراعنة أول من فكر في حفرها قبل أكثر من ثلاثة آلاف عام في رفع النمو الاقتصادي في مصر أكبر دول العالم العربي سكانا إلى أسرع معدلاته منذ عشرات السنين كما ساهمت بنسبة 3.3 في المائة في الناتج المحلي الإجمالي في السنة المالية 2007/2008.
وقد تضافرت عدة عوامل في الاتجاهات العالمية رفعت إيرادات القناة التي يبلغ طولها 190 كيلومترا إلى مستويات قياسية من بينها ارتفاع حجم التجارة العالمية بفضل النمو في الصين والهند وارتفاع تكاليف الملاحة العالمية ومشكلات الطاقة الاستيعابية لقناة بنما وارتفاع أسعار النفط، وكلها عوامل دفعت أصحاب السفن إلى البحث عن الطريق الأقصر. وسهلت هذه العوامل رفع رسوم العبور في القناة من نيسان (أبريل) بنسبة 7.1 في المائة في المتوسط وبلغت الإيرادات في آب (أغسطس) مستوى قياسيا شهريا جديدا هو 504.5 مليون
دولار. وقالت سماح يوسف المحامية في إحدى الشركات التابعة للقناة وعضو المجلس المحلي للإسماعيلية إن مرتبها الشهري ارتفع إلى ثلاثة أمثاله ليبلغ 1500 جنيه مصري (270 دولارا) بفضل تحسن نشاط قناة السويس.
وقالت سماح (28 عاما) التي فاز والدها في الفترة الأخيرة بجائزة بمناسبة مرور 25 عاما
على عمله في القناة "هذا هو أفضل عصور القناة في تاريخها كله". لكن البعض يتوقعون أوقاتا صعبة في الفترة المقبلة. ويقول بنك الاستثمار المصري المجموعة المالية - هيرميس إن دخل القناة قد يبلغ مستوى قياسيا قدره 6.1 مليار دولار في السنة المالية الجارية بزيادة نحو 18 في المائة عن السنة المالية السابقة التي انتهت في حزيران (يونيو). لكنه يتوقع تباطؤ نمو الإيرادات إلى 10 في المائة في السنة المالية 2009/2010 ويرى أن أحد العوامل السلبية الرئيسية هو تراجع الطلب الأوروبي. وقال رئيس القناة أحمد فاضل في تموز (يوليو) إن الازدهار الكبير للتجارة العالمية وارتفاع أسعار النفط أديا إلى زيادة كبيرة في العمليات اليومية للقناة. لكنه أضاف أن القناة تمثل جزءا من الوضع الاقتصادي العالمي وأن من المتوقع أن يكون لأي تراجع في النمو أثر في التجارة البحرية. وقالت الحكومة المصرية هذا الشهر إنها ستحافظ على النمو المستهدف بين 6 و7 في المائة في السنة المالية الجارية بعد أن سجل الاقتصاد نموا بلغ 7.2 في المائة في السنة 2007/2008. إلا أنه، إضافة إلى عدوى الأزمة المالية العالمية فإن مصر تكافح للتغلب على عجز مالي واستياء شعبي من التضخم السنوي الذي بلغ 21.5 في المائة في المدن في أيلول (سبتمبر) الماضي. وقال رئيس الوزراء أحمد نظيف هذا الشهر إن الركود العالمي قد يؤثر في القناة وكذلك السياحة والصادرات وكلها مصادر رئيسية للنقد الأجنبي. وقال مارك بيج مدير خطوط الملاحة في شركة درواري شيبنج الاستشارية في لندن إن الطلب على السلع الاستهلاكية الصينية من جانب دول البحر الأسود مثل روسيا وتركيا ومن أوروبا
على السيارات الآسيوية هو المحرك الرئيسي لاستخدام قناة السويس. واستوردت الولايات المتحدة أكبر مستهلك للطاقة في العالم كمية قياسية بلغت 738 مليار قدم مكعبة من الغاز الطبيعي المسال في عام 2007 عبر جانب كبير منها قناة السويس قادما من قطر أكبر مصدر للغاز المسال في العالم. ومن عوامل ازدهار القناة ارتفاع تكلفة الشحن العالمية التي دفعت شركات الشحن البحري للابتعاد عن الطرق الطويلة. لكن مؤشر بحر البلطيق للشحن البحري الذي يتابع أسعار الشحن البحري لسلع أولية مثل الفحم وخام الحديد والاسمنت والحبوب على بعض المسارات الرئيسية انخفض هذا الشهر إلى أدنى مستوياته منذ أكثر من خمس سنوات بفعل المخاوف من أن يؤدي كساد إلى إبطاء حركة التجارة. وكان المؤشر قد ارتفع إلى مستوى قياسي في حزيران (يونيو). وقالت أميلي كومين المتحدثة باسم الغرفة الدولية للشحن البحري في لندن "صناعة الشحن بدأت بالفعل تشهد تباطؤا وانخفاضا كبيرا إلى حد ما في أسعار الشحن". وأضافت "إضافة إلى انخفاض أسعار الصلب وما يبدو من تراجع في الطلب الصيني على خام الحديد والفحم فإن الصناعة يمكنها عموما أن تتوقع على الأرجح تباطؤا كبيرا في الأشهر المقبلة، وهذا بالطبع سينعكس على حركة المرور في قناة السويس".
والقناة مصدر فخر للمصريين فقد أممتها مصر عام 1956 ودافعت عنها في العدوان الثلاثي الذي شنته بريطانيا وفرنسا وإسرائيل. وتحب الأسر المصرية التردد على مدينة الإسماعيلية التي تضم مقر هيئة قناة السويس للتنزه في حدائقها ومشاهدة الناقلات العملاقة وهي تمخر عباب الماء. وتملك هيئة القناة أفضل المستشفيات والمدارس في المدينة، كما أنها تملك نسبة كبيرة من الأراضي. ويصفها سكان المدينة بأنها دولة داخل الدولة.
لكن القناة مصدر أيضا للانتقادات الموجهة إلى الحكومة المتحالفة مع الولايات المتحدة. فقد طالبت المعارضة حكومة الرئيس حسني مبارك بإغلاق القناة أمام السفن الحربية الأمريكية وخاصة خلال حرب العراق وحاولت استخدام هذه المسألة لحشد الرأي العام ضد السياسة الخارجية المصرية. وفي آذار (مارس) الماضي أطلقت سفينة تابعة للبحرية الأمريكية النار على تجار مصريين اقتربوا بزورقهم منها فقتلت أحدهم ليتجدد الجدل. كما يخيم على احتمالات النمو مستقبلا شبح عمليات القرصنة. فقد صعد قراصنة صوماليون مدججون بالسلاح نشاطهم وارتفع معدل هجماتهم إلى هجوم كل يوما تقريبا. وقالت مجموعة تشاتام هاوس للشؤون الدولية أن القرصنة قد تؤدي لابتعاد بعض السفن عن خليج عدن مما سيؤدي إلى خفض حركة المرور عبر القناة. وستسهم عوامل أخرى في تعويض أثر تراجع حركة التجارة. فقد استفادت قناة السويس من مشكلات الطاقة الاستيعابية لقناة بنما التي تمثل طريقا بديلا بين الولايات المتحدة والصين. وارتفعت مدة الانتظار في قناة بنما التي تعمل بكامل طاقتها تقريبا بنسبة 56 في المائة في الربع الثاني من عام 2008 مقارنة بالعام الماضي وأصبحت السفن تقطع الممر الملاحي الذي يمتد 80 كيلومترا في نحو 38 ساعة.

الأكثر قراءة