الشركات الخليجية أمام التحدي المحافظة على كفاءاتها البشرية

الشركات الخليجية أمام التحدي المحافظة على كفاءاتها البشرية

الشركات الخليجية أمام التحدي المحافظة على كفاءاتها البشرية

أوضح متخصص في تنمية الموارد البشرية أن التحدي الأكبر الذي تواجهه الشركات في منطقة الخليج حالياً هو المحافظة على الكفاءات البشرية الموجودة لديها واستقطاب وتوفير الكوادر المؤهلة المطلوبة, نظراً لما يمثله رأس المال البشري كأحد أهم الأركان التي تستند إليها الشركات والمنظمات والذي يعد حجر الزاوية في ضمان استمرارية ونجاح هذه الشركات والمنظمات.
وقال ضياء الشيخ المستشار والمتخصص في تنمية الموارد البشرية إن هذا التحدي سيزداد أثره طردياً بصورة كبيرة مستقبلا ما لم تتخذ الشركات التدابير اللازمة للحد منه والحفاظ على كفاءاتها من التسرب ووضع الخطط المناسبة لاستقطاب الكفاءات المؤهلة.
وكانت مؤسسة غلف تالانت المتخصصة في التوظيف واستقطاب كفاءات الموارد البشرية في دول الخليج ، قد أصدرت تقريرا حول "حركة الرواتب والبدلات" عن عام 2008 في منطقة الخليج العربي, وذلك من خلال دراسة أجرتها أخيرا شارك فيها نحو 30 ألف مهني في دول مجلس التعاون الخليجي, وكذلك لقاءات مع قادة الأعمال ومديري الموارد البشرية, وكان منهم السيد ضياء الشيخ الذي أوضح أن الهدف الرئيس للتقرير هو تتبع حركة الرواتب والبدلات وأثرها في استقطاب الكفاءات.

نسب الزيادات
أورد التقرير نسب الزيادات (الارتفاعات) في الرواتب والبدلات في عام 2008 في دول الخليج ، حيث كانت في الإمارات 13.6 في المائة، قطر 12.7 في المائة، عمان 12.1 في المائة، البحرين 10,5 في المائة، الكويت 10.1 في المائة ثم السعودية 9.8 في المائة.

العوامل والمسببات
كانت الدراسة قد خلصت إلى أن الأسباب الرئيسة لهذا الارتفاع تتمثل في عوامل عديدة، منها الخارجية, مثل ضعف العملة الأمريكية في الأشهر الماضية، وارتفاع الرواتب في الهند التي تعد المصدر الرئيس للمهنيين الوافدين، وكذلك فك ارتباط الدينار الكويتي بالدولار الأمريكي, الذي جعل الكويت تتمتع بميزة تفضيلية بارتفاع عملتها بنسبة 8 في المائة, وذلك مقابل العملات الخليجية الأخرى لتصبح الرواتب الكويتية أكثر جاذبية بالنسبة للوافدين.
كما أشارت الدراسة إلى عوامل داخلية تتمثل في ارتفاع تكاليف المعيشة, خاصة إيجارات الوحدات السكنية وأسعار السلع الغذائية، وزيادة رواتب موظفي القطاع الحكومي، إضافة إلى بعض المتغيرات في بيئة العمل مثل تخفيض أيام العمل لتحسين معدلات الاحتفاظ بالموظفين.
وتتوقع الدراسة مواصلة نمو النسب المئوية للزيادة في الرواتب بأرقام ثنائية، رغم المتغيرات التي قد تطرأ على الخريطة الاقتصادية نتيجة الأزمة المالية العالمية التي تتأثر بها قوة الدولار الأمريكي واحتمال تعميق حدة التباطؤ الاقتصادي، إضافة إلى التدني – النسبي – لأسعار النفط، ما يمهد لإمكانية تدفق المهنيين الغربيين إلى المنطقة، خصوصا من الأصول العربية والمسلمة.

التحديات والحلول:

يرى ضياء الشيخ أن المحافظة على الكفاءات الموجودة حاليا لدى الشركات تمثل التحدي الأكبر من وجهة نظره, إضافة إلى استقطاب الكوادر المطلوبة المؤهلة.
ويقول الشيخ: إن الحفاظ على الكفاءات يرتبط ارتباطا وثيقا بعوامل عديدة، من أهمها التطوير والتدرج الوظيفي، كما أن استقطاب وتوفير الكفاءات المطلوبة يعتمد أساسا على إكساب الكوادر المتاحة المعارف والمهارات المطلوبة للكفاءة الوظيفية المعينة، وعليه فإن المسألة تحتاج إلى حزمة من الحلول المتكاملة المبنية على رؤية واستراتيجيات بعيدة وقصيرة الأجل. فاستراتيجيات المدى الطويل ترتبط بالتخطيط على مستوى الدولة ومؤسسات العمل في القطاعين العام والخاص، والحلول المرحلية قصيرة المدى تحتاج إلى آليات أخرى ترتبط مباشرة بالتدريب وتطوير الموارد البشرية.
وأضاف "إنني أرى – دون إغفال للعوامل آنفة الذكر –أن العامل الحاسم الذي أدى إلى تأثر سوق العمل في السعودية، هو (النقص في الكوادر والكفاءات)، خصوصا في بعض مجالات الصناعات التي ترتبط ارتباطا مباشرا بالحراك الاقتصادي للمرحلة المعينة مثل قطاعات الخدمات المالية والعقارات والتشييد".
وذكر ضياء أن الجانب الآخر هو مستوى الكوادر الوظيفية المتوافرة حاليا، والتي أصبح من الضروري تمكينها من الكفاءات المطلوبة لمتغيرات متطلبات المهام والوظائف ومستوى الأداء الفردي والمؤسسي والذي يصنع فارقا من حيث الكفاءة والفاعلية وأثرهما الإيجابي في مستويات الخدمة والجودة والإنتاجية وانعكاس ذلك على المردودات الاستثمارية لرؤوس الأموال.

ويقترح ضياء الشيخ حزمة من الحلول تشمل كلا من:

أولا: تبني الاستثمار في الموارد البشرية, حيث يلعب التخطيط المنهجي للقوى العاملة, الذي يعتمد على دراسة الاحتياج الفعلي لسوق العمل ووضع الخطط المنطقية لتوفير تلك الاحتياجات، وليبدأ ذلك من النقاط المدخلية لمسيرة تأهيل العمالة، أي ما قبل مرحلة التعليم فوق الثانوي، وذلك بتطبيق آليات قياس القدرات والشخصية الوظيفية للطلاب وتوجيههم للدراسات المناسبة لميولهم والتي ستضعهم في المسارات الوظيفية المناسبة التي يكونون فيها أوفر عطاء وإبداعا , ومن ثم تخطيط التعليم والتأهيل المهني على أساس متطلبات سوق العمل قصيرة وبعيدة المدى.
ثانيا: منهجية وفاعلية تخطيط وتنفيذ وقياس التدريب لإكساب المهارات المطلوبة ,حيث يدعو ضياء الشيخ إلى التخلي عن النظرة الكلاسيكية للتدريب على أنه تكلفة, والتحول إلى البعد الاستراتيجى الذي يمثل استثمارا تتم ترجمته في قدرات أوفر وكفاءات أعلى وأداء متميز.
ثالثا: إعداد وتطبيق خطط المسارات الوظيفية وربطها بآليات التدرج الوظيفي, حيث إنه لا بد من رسم خريطة الطريق الوظيفية للعمالة والتي تصبح عامل جذب للكفاءات، خصوصا في التجارب التي ترتكز على ما يعرف "بالتدريب الإداري" أو "المسارات السريعة" لتأهيل كفاءات المستقبل من مديرين ومهنيين ومختصين في مجالات ندرة الكفاءات، إضافة إلى التحفيز اللامباشر لدفع العمالة إلى استيفاء متطلبات التدرج إلى المستويات الوظيفية الأعلى في مسارهم الوظيفي.

رابعا: إعداد وتطبيق خطط التعاقب الوظيفي وربطها بخطط التطوير الفردي, حيث تضمن جاهزية البديل المناسب في كل الأوقات، تفادي مفاجآت خروج شاغلي الوظائف الحساسة لتحقيق رسالة المنشأة, إضافة إلى ضمان تأسيس قاعدة بشرية مؤهلة كصف ثان للصعود إلى مراتب الصف الأول في أي وقت يستجد فيه طارئ أو تبرز حاجة جديدة إلى نوعية محددة من الكفاءات نتيجة لمتغيرات في محيط بيئة العمل, هذا إضافة إلى تحقيق أهداف السياسات العامة المتعلقة بتوطين الوظائف والاعتماد على الكفاءات الوطنية.
ويظل عنصر الموارد البشرية عنصرا حاسما في تحقيق الميزة التفضيلية – كما أورد جيم كولنز– في دراساته أخيرا، وتشهد ساحة الحروب حربا جديدة تسمى "حرب الكفاءات" وسيكون المنتصر فيها دوما من يؤمن بأن الاستثمار في الموارد البشرية هو السلاح الحاسم في المعركة، فبدلا من استيراد تلك الأسلحة، فالأفضل أن يتم الاعتماد على الصناعة المحلية بالتوظيف الأمثل للكفاءات الوطنية المتاحة.

الأكثر قراءة