النظام الرأسمالي على وشك الانهيار.. البدائل في الاقتصاد الإسلامي

النظام الرأسمالي على وشك الانهيار.. البدائل في الاقتصاد الإسلامي

1 - تحليل لأزمة الأسواق المالية العالمية:
تعصف توابع أزمة الرهن العقاري بالأسواق المالية العالمية والإقليمية والمحلية على حد سواء ، وإذا أردنا سريعا تحليل أسباب تلك الأزمة نجد أنها بدأت وفق آراء الكثير من المحللين نتيجة توقف المدينين ( المقترضين ) من البنوك الأمريكية عن السداد نتيجة فقد الآلاف لوظائفهم وعدم قدرتهم على سداد أقساط العقارات التي تم اقتراض ثمنها من تلك البنوك في الموعد المحدد (قرض بفائدة)، ثم تلى ذلك قيام تلك البنوك بتحويل تلك المديونيات المتعلقة بالعقارات إلى سندات (بيع الديون) بأسعار فائدة حيث تم بيعها إلى مستثمرين، وقام بعض المستثمرين بالاقتراض من البنوك بضمان تلك السندات (خلق نقود) بضعف قيمتها (قروض على ديون)، ثم قامت تلك البنوك بالتأمين على تلك السندات والقروض لدى شركات التأمين التقليدية (التأمين التجاري عن طريق شراء المخاطر)، وعندما توقف المدينون عن السداد توقفت حلقة القروض بفائدة (الاقتصاد المالي وليس الاقتصاد الحقيقي) بالكامل وأفلست شركات التأمين نتيجة سداد قيمة التأمين على السندات وتوقفت البنوك عن سداد أرصدة الودائع لعدم توافر السيولة النقدية نتيجة خلق النقود ومنح قروض بفائدة بقيمة أكبر من رصيد الودائع المتاح لدى تلك البنوك والذي يتم بموافقة البنوك المركزية.
ومن هنا بدأت سلسلة توقف البنوك عن السداد وما أعقب ذلك من إفلاس العديد من المؤسسات المالية وعلى رأسهم رابع أكبر البنوك الأمريكية " ليمان براذرز " مما سبب الذعر في السوق المالي الأمريكي وبدا المستثمرون في بيع الأوراق المالية بأي سعر مما أدى إلى انزلاق البورصات الأمريكية في خسائر تقدر يوميا بالمليارات ، وأدى ذلك إلى تدخل سريع من الحكومة الأمريكية باتخاذ العديد من الإجراءات منها خفض سعر الفائدة ومنع البيع على الهامش ( بيع ما لا تملك ) وضخ أكثر من 700 مليار دولار فيما يسمى بخطة الإنقاذ ، وعلي الرغم من ذلك فقد صرح وزير الخزانة الأمريكي بأن هذه الإجراءات لن تمنع الكثير من البنوك والشركات من الإفلاس وخاصة الشركات التي تعتمد على تمويل من البنوك نتيجة عدم قدرة تلك البنوك على توفير السيولة النقدية لتمويل الاحتياجات المالية لتلك الشركات .
وانتقلت تلك الأزمة إلى الأسواق الأوروبية نتيجة قيام البريطانية والألمانية وغيرها بشراء سندات الرهن العقاري من البنوك الأمريكية إضافة إلى الإقراض بضمان السندات بقيمة أكبر من القيمة الاسمية لتلك السندات والتي لا توجد لها تغطية لتنال البنوك الأوربية نصيبها من أزمة الأسواق المالية الأمريكية وتتحول إلى أزمة مالية عالمية تذكرنا بما حدث في ثلاثينيات القرن الماضي مع الكساد العظيم عام 1929.
ولم تسلم البورصات العربية من تلك الأزمة مع الذعر الذي دب في جميع الأسواق المالية العالمية حيث تأثرت بشدة بورصات دول مجلس التعاون الخليجي ومصر والتي انخفضت مؤشرات بورصاتها بصورة لم يسبق لها مثيل على الرغم من الإجراءات التي اتخذت من قبل المسؤولين في تلك الدول وإعلانها عن ضمان ودائع العملاء كاملة وخفض أسعار الفائدة وعدم السماح بإفلاس أي بنك ، ولكن كل ذلك لم يبعث بالطمأنينة إلى نفوس المستثمرين ولم يؤت ثماره بعد.

2 - تلخيص أسباب الأزمة المالية العالمية:
ويمكن تلخيص أسباب الأزمة المالية العالمية التي تعصف بأسواق المال بما فيها من بنوك دولية وشركات ومؤسسات تأمين دولية في العناصر التالية ( القروض بفائدة، بيع الديون، خلق النقود، إصدار سندات بفائدة، التأمين التجاري القائم على شراء المخاطر، البيع على الهامش.
3 - البدائل في الاقتصاد الإسلامي:
كل ما سبق من المحرمات في الشريعة الإسلامية والتي تم النص عليها في " فقه المعاملات " والذي يستمد الاقتصاد الإسلامي منه مقوماته ، حيث يعتمد الاقتصاد الإسلامي على العديد من الآليات والقواعد المستمدة من الشريعة الإسلامية والتي تحفظ للمال مكانته وتوجهه للاستخدام الأمثل من حيث وظيفته الأساسية على اعتبار أنه وسيلة للتبادل وليس سلعة تباع وتشترى.
ويتضمن الاقتصاد الإسلامي العديد من القواعد الاقتصادية والمالية التي تعد بديلا للاقتصاد الرأسمالي الذي ثبت فشلة وذلك وفقا لآراء العديد من الخبراء الاقتصاديين ولمقولة رئيس الوزراء الفرنسي ساركوزي حيث قال "إن النظام الاقتصادي العالمي الذي تتزعمه أمريكا والقائم على اقتصاد السوق لم يعد قادرا على احتواء التغيرات التي تطرأ على الاقتصاد العالمي، وأن النظام الرأسمالي الذي تتمسك به أمريكا بات معرضا للانهيار، وأن من واجب العالم أن يبحث عن نظام اقتصادي جديد مستقر، يؤمن وجود علاقات اقتصادية سليمة وعادلة بين دول العالم " ، ويحضرني في تلك المناسبة ما قاله منذ سنوات الأمين العام السابق للأمم المتحد كوفي عنان حيث قال "إن أفضل طريقة لتمويل الدول النامية هي المشاركة وليس القرض".
ويمكن القول إن الاقتصاد الإسلامي قد أوجد البدائل لتلك الأسباب التي أدت إلى العصف بالأسواق المالية العالمية وبإثبات فشل النظام الرأسمالي في إدارة اقتصادات العالم كما ثبت سابقا فشل النظام الاشتراكي والذي انتهى في أيام معدودات .
فما هي تلك البدائل التي قدمها الاقتصاد الإسلامي؟ في البداية يتعامل الاقتصاد الإسلامي مع النقود على أنها وسيلة للتبادل وليست سلعة تباع وتشترى حيث قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه "النقود رؤوس أموال وجدت ليتجر بها لا فيها" فالنقود هي وسيط للتبادل ومعيار لتقويم السلع والخدمات وليست سلعة تباع وتشترى، والنقود لا تلد نقودا، كما أن التمويل في الشريعة الإسلامية يعتمد على "صيغ للتمويل" مثل المرابحة والمشاركة والاستصناع والتأجير وليس القروض بفائدة حيث إن محل العقود التمويلية هي سلع وبضائع وأصول وليس بيع نقد بنقد مع زيادة فائدة، وتلك العقود التمويلية لا تعتمد في احتساب الربحية على أسعار الفائدة وإنما تعتمد على "هامش للربحية " مع مشاركة العميل للربح أو الخسارة ، كما يمنع الاقتصاد الإسلامي بيع الدين وهو من أهم أسباب الأزمة العالمية حيث نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن "بيع الكالئ بالكالئ" أي بيع الدين بالدين، حيث يعد الدين نقودا، والنقود لا تباع إلا نقد بنقد يدا بيد حيث "لا تباع النقود مؤجلة"، كما أن من أهم مبادي الاقتصاد الإسلامي عدم بيع ما لا تملك "ما يسمى البيع على الهامش" والذي يعد من أهم أسباب الأزمة المالية العالمية "، حيث نهى رسول الله صلي الله عليه وسلم عن بيع ما لا نملك حيث قال لحكيم بن حزام "لا تبع ما لا تملك"، كما منع الاقتصاد الإسلامي بيع المخاطر والتي يقوم عليها التأمين التجاري حيث أوجد "التأمين التعاوني" وفق نظام التكافل وليس بيع المخاطر، كما أن المصارف الإسلامية التي تعد التطبيق العملي للاقتصاد الإسلامي "لا تقوم بخلق النقود" وبمعنى مصرفي لا تقوم بمنح تمويل للمتعاملين إلا في حدود الودائع الاستثمارية الموجودة لديها حيث يتم التأكد من استخدام المال في الغرض المخصص له ولا يمنح تمويل دون وجود تمويل حقيقي له، وهو ما يسمى "الاقتصاد الحقيقي"، وبذلك يتعادل العرض من النقود مع السلع والمنتجات في السوق الاقتصادي، والبديل الأخير لأسباب الأزمة أن الاقتصاد الإسلامي لا يتعامل مع السندات بفائدة وإنما يتعامل من خلال " صكوك الاستثمار " التي يتم إصدارها مقابل أصول ثابتة ومعاملات حقيقة وليست وهمية.

خبير في المصرفية الإسلامية
www.bltagi.com

الأكثر قراءة