المخاوف تتحول من الأزمة المالية إلى كساد عميق وتطبق على أسواق العالم
تسارعت وتيرة الأزمة المالية العالمية أمس حيث عصفت المخاوف من كساد عميق في الأسواق المالية حتى رغم سعي الحكومات لمزيد من الإجراءات للحيلولة دون إصابة الاقتصاد العالمي بالشلل التام.
ودعا زعماء الاتحاد الأوروبي أمس لاتخاذ إجراء لحماية النمو والوظائف والإبقاء على القدرة التنافسية الصناعية في الوقت الذي تثير فيه أسوأ أزمة مالية منذ 80 عاما مخاوف من كساد كبير.
وقال زعماء دول الاتحاد وعددها 27 دولة إن القمة الدولية المنتظرة لإصلاح النظام المالي العالمي يجب أن تتخذ إجراءات مبكرة تتعلق بالشفافية والمعايير الدولية للقواعد الرقابية والمراقبة العابرة للحدود ونظام للإنذار المبكر بهدف استعادة الثقة. وعلى الرغم من الأزمة اتفق الاتحاد الأوروبي على الالتزام بموعد نهائي في كانون الأول (ديسمبر) المقبل لتبني تشريع طموح لمكافحة التغيرات المناخية.
وقال الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي إنه ورئيس المفوضية الأوروبية جوزيه مانويل باروزو سيسافران للقاء الرئيس الأمريكي جورج بوش يوم السبت المقبل للمساعدة على التحضير للقمة التي ستقرر "إعادة تأسيس الرأسمالية". وبعد الحصول على مساندة اقتصادات كبرى أخرى منها الولايات المتحدة للقمة تحول اهتمام زعماء الاتحاد للأثر المحتمل لأزمة الائتمان في اقتصاداتهم.
وقال ساركوزي "بالطبع نحن نرى الأزمة الاقتصادية هنا والسؤال الذي أطرحه هو إذا تمكنا من التوصل إلى حلول منسقة للأزمة المالية ألا يمكننا كذلك إيجاد حلول منسقة للأزمة الاقتصادية". وتعهد بأن فرنسا الرئيس الحالي للاتحاد الأوروبي ستأخذ مبادرات فيما يتعلق بذلك.
وقال رئيس الوزراء البريطاني جوردون براون إن حالة عدم التيقن في الأسواق قد تستمر حتى تستكمل إجراءات إنقاذ البنوك وتحقيق الاستقرار في القطاع المالي على مستوى العالم. وأفاد البيان الختامي للقمة "خارج القطاع المالي فإن القمة تؤكد تصميمها على اتخاذ الخطوات اللازمة لدعم النمو والوظائف". وأضاف "وتدعو القمة المفوضية الأوروبية لتقديم اقتراحات مناسبة قبل نهاية هذا العام لحماية القدرة التنافسية للصناعة الأوروبية".
وقال ساركوزي إنه طلب من المفوضية بحث ما إذا كان قطاع صناعة السيارات الأوروبي يحتاج إلى مساعدة نظرا لمطالبته بإنتاج سيارات غير ملوثة للبيئة في وقت كانت الولايات المتحدة تقدم فيه قروضا رخيصة لأكبر ثلاث شركات سيارات أمريكية. وقال جان كلود يونكر رئيس مجلس وزراء مالية منطقة اليورو ورئيس وزراء لوكسمبورج إنه لا مجال لأي برنامج دعم أوروبي ينتهك قواعد ميزانية الاتحاد. وقال دبلوماسيون إن بريطانيا أصرت على حذف الإشارة للحاجة إلى التصدي لتباطؤ النمو وانكماش الاستثمارات.
وأبدى الزعماء تضامنهم مع أيسلندا الأكثر تضررا من الأزمة المالية التي
تهدد آلاف المدخرين الأوروبيين وحثت المجتمع الدولي على تقديم الدعم.
ودعا البيان لأول مرة لنظام مراقبة مالية منسق على مستوى الاتحاد الأوروبي وتأسيس خلية لمعالجة الأزمات للمساعدة على إدارة الأزمة المالية. وكخطوة أولى قالت المستشارة الألمانية إنجيلا ميركل للصحافيين إن محافظي البنوك المركزية الوطنية سيجتمعون مرة كل شهر على الأقل لتبادل المعلومات بشأن الرقابة المالية. وسيشارك رئيس البنك المركزي الأوروبي ورئيس الاتحاد الأوروبي ورئيس المفوضية الأوروبي ورئيس مجموعة اليورو في خلية إدارة الأزمة المالية.
وواصلت الأسواق العالمية تراجعها أمس على الرغم من إبداء السلطات على مستوى العالم استعدادها لاتخاذ المزيد من الإجراءات لدعم البنوك المتعثرة. وأرجع ساركوزي التراجع إلى بيع صناديق تحوط لأصولها وقلق المستثمرين من الوضع الاقتصادي الضعيف. وضم براون صوته لدعوة ساركوزي لعقد قمة دولية لإعادة تشكيل صندوق النقد الدولي باعتباره حجر الزاوية للرقابة العالمية على الأسواق.
وقال بيان القمة إن زعماء الاتحاد وافقوا بالإجماع على خطة إنقاذ قيمتها
2.2 تريليون يورو (3 تريليون دولار) للبنوك في منطقة اليورو كان قد اتفق عليها في باريس يوم الأحد الماضي.
وقال رئيس الوزراء الياباني تارو آسو إن واشنطن قد تحتاج إلى ضخ مزيد من الأموال في بنوكها لاستعادة ثقة المستثمرين التي بددتها الأزمة المالية التي بدأت بانهيار سوق المساكن الأمريكية وتهدد الآن الاقتصادات في شتى أنحاء العالم. وقال البنك المركزي الأوروبي إنه سيقدم ما يصل إلى خمسة مليارات يورو (6.83 مليار دولار) للمجر من أجل دعم السيولة. ويجري صندوق النقد الدولي محادثات لإيجاد سبل لمساعدة اقتصاد أوكرانيا. بيد أن خسائر أسواق الأسهم ألقت بظلالها على هذه التحركات.
وقال آسو، إن الأسواق تبيع الأسهم بكميات هائلة لأن المستثمرين لا يزالون يعتقدون أن الخطوات التي تأخذها السلطات الأمريكية ليست كافية. وفقد مؤشر يوروفرست 300 لأسهم كبرى الشركات الأوروبية نحو 3.5 في المائة، بينما هوى مؤشر نيكي الياباني نحو 11 في المائة.
وقد تعهدت الحكومات في شتى أنحاء العالم بالفعل بإجراءات طارئة تصل إلى 3.2 تريليون دولار تشمل شراء حصص في بنوك لمساعدتها في استعادة توازنها. لكن انعدام الثقة ظل العنصر السائد بين المؤسسات المالية. وأودعت البنوك مبلغا قياسيا بلغ 210.8 مليار يورو في البنك المركزي الأوروبي خلال الليل بدلا من أن تقدم قروضا لبعضها البعض. وتراجعت تكلفة القروض بين البنوك قليلا مع استمرار البنوك المركزية في توفير السيولة، لكن تحرك البنوك المركزية يعني أن البنوك التجارية ليست مضطرة للاقتراض من بعضها البعض. وقال جيوم بارون المحلل الاستراتيجي في "سوسيتيه جنرال" في باريس "المورد الوحيد للسيولة الآن هو البنك المركزي". وإلى أن تبدأ الائتمانات من خلال قروض ما بين البنوك في التدفق بحرية مرة أخرى، فمن المستبعد أن ينتعش نشاط الشركات وإنفاق المستهلكين.
وفي أوساط الصناعة المصرفية، قال "يو. بي. إس" أكبر بنك في سويسرا إنه سيحصل على ستة مليارات فرنك سويسري (5.3 مليار دولار) في صورة أذون قابلة للتحويل إلزاميا إلى أسهم عادية مستقبلا.
وقالت مجموعة كريدي سويس جروب ثاني أكبر مصرف في سويسرا إنها رفعت رأسمالها الأساسي بنحو عشرة مليارات فرنك من عدة مستثمرين كبار من بينهم شركة تابعة لهيئة الاستثمار القطرية. كما أعلن كريدي سويس أنه سجل خسائر صافية تبلغ نحو 1.3 مليار فرنك في الربع الثالث. إلا أن بؤرة تركيز المستثمرين بدا أنها تتحول من النظام المالي المتعثر الذي يشهد أسوأ أزمة منذ نح 80 عاما إلى خلفية الاقتصاد العالمي المتراجع.
وأظهر مسح أجرته مؤسسة ميريل لنيش أمس الأول أن 84 في المائة من مديري الصناديق الاستثمارية يرون أن العالم يتجه نحو الكساد. وأبرز أكبر انخفاض شهري في مبيعات التجزئة الأمريكية منذ أكثر من ثلاث سنوات مدى قتامة الصورة مع هبوط سعر النفط إلى أدنى مستوى في 13 عاما دون 71 دولارا للبرميل وسط مخاوف من انهيار الطلب.
وفي اليابان أظهر مسح أجرته "رويترز" هبوط معنويات قطاع الصناعات التحويلية إلى أدنى مستوى في ست سنوات في وقت سابق من هذا الشهر. وقال مارينو فالنسيز كبير مديري الاستثمار في "بيرنج اسيت مانجمنت" في هونج كونج "هذه نهاية البداية. إننا نتحول من وضع كانت البنوك فيه هي اللاعب الرئيسي في الأزمة إلى وضع سيأتي فيه الدور على الاقتصادات الحقيقية".