غياب المعلومة يصعب من تحديد أثر الأزمة المالية في الاقتصاد المحلي
غياب المعلومة يصعب من تحديد أثر الأزمة المالية في الاقتصاد المحلي
أكد عبد الرحمن الراشد رئيس مجلس إدارة الغرفة التجارية الصناعية في المنطقة الشرقية، أن الأزمة المالية العالمية ستلقي بظلالها على جميع أنحاء العالم إلا أن التأثير سيختلف من منطقة إلى أخرى ومن دولة إلى أخرى.
وأوضح الراشد، أن تقارير البنك الدولي بينت أن الاقتصاد العالمي دخل في تباطؤ كبير نتيجة هذه الأزمة، كما خفض البنك من توقعاته للنمو الاقتصادي، إلا أن صندوق النقد الدولي ذكر أن تأثير أزمة الائتمان العالمية الراهنة في اقتصاديات دول الشرق الأوسط محدود نسبيا، مذكرا بأن منطقة الشرق الأوسط تواجه ضغوطا تضخمية مع تراجع طفيف لمعدل النمو.
وأشار الراشد في تصريحات صحافية على هامش ندوة "الأزمة المالية العالمية وانعكاسها على الاقتصاد السعودي" التي نظمتها غرفة الشرقية البارحة الأولى بالتعاون مع شركة أرباح المالية، إلى تأكيد مؤسسة النقد العربي السعودي أن وضع الاستثمارات السعودية الخارجية جيد وسليم وأن الاستثمارات السعودية متحفظة ولا تدخل في استثمارات عالية المخاطر، كما أن السيولة في الأسواق متوافرة وليس فيها أي نقص، إلى جانب اتخاذ المؤسسة إجراءات عدة لطمأنة أسواق المال، حيث خفضت سعر الريبو وأيضا خفضت الاحتياطي الإلزامي للبنوك.
وبين رئيس مجلس إدارة غرفة الشرقية أن المشاريع التنموية التي تمتد إلى مناطق السعودية كافة، إلى جانب ما دشنه خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز خلال الأسبوع الجاري من مشاريع بمئات المليارات من الريالات، إضافة إلى الدعوات الدولية التي طالبت بإدخال أعضاء جدد لمجموعة الثماني الكبرى تأتي على رأسها السعودية وتؤكد متانة الاقتصاد السعودي وقوته.
وحذر الراشد من أنه إذا حدث انهيار شامل للنظام المالي العالمي فلن نكون بعيدين عنه، لافتا إلى أن تحذيرات رئيس البنك الدولي لا تدفع بطريق التفاؤل، الأمر الذي يحتم علينا أن نتدارس هذه الأزمة وأين نحن منها، وكيف يمكن لنا أن نتعامل مع هذه الأزمة؟
وبين الراشد أن السعودية مرت بأزمات سابقة واستطاعت أن تجتازها وليست أزمة أسواق جنوب شرق آسيا عنا ببعيد وأيضا أزمة الخليج، وكذلك أزمة انخفاض النفط إلى أدنى مستوياته حتى وصل إلى سبعة دولارات للبرميل، ومع ذلك واصلت السعودية خططها التنموية واجتازت كل هذه الأزمات وغيرها، مؤكدا أن رأس المال يحتاج إلى تطمينات حتى يستطيع الاستثمار ويتحرك بحرية، والبلاد مقبلة على مشاريع كبيرة لابد من تنفيذها، لذلك فإن فهم ما يجري حولنا عالميا هو السبيل الوحيد ليستمر النمو الاقتصادي لبلادنا.
وكانت ندوة "الأزمة المالية العالمية وانعكاسها على الاقتصاد السعودي" وشارك فيها كل من الدكتور سليمان السكران والدكتور عبد الله الحربي أستاذي الاقتصاد في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، والمحللان الاقتصاديان المستشاران في شركة أرباح المالية محمد العمران وآمار ميهتا، وأدارها سعد العايض آل حصوصة الرئيس التنفيذي لشركة أرباح المالية، قد بدأت بكلمة المهندس عبد الرحمن الحمين مساعد الأمين العام لشؤون اللجان في غرفة الشرقية والتي ذكر فيها أن الأزمة المالية العالمية التي تسببت في إحداث فوضى وذعر عمت الأسواق المالية العالمية ولم تستثن أحدا دفعتنا إلى تنظيم هذه الندوة حتى نعرف ما يدور حولنا، موضحا أن الغرفة دائما سباقة في معرفة قضايا الساعة لتوفير بيئةً صحية ونموذجية لرجال الأعمال والمستثمرين.
وفي سياق الندوة ذاتها، أكد سعد العايض آل حصوصة الرئيس التنفيذي لشركة أرباح المالية أن الأزمة المالية العالمية انطلقت شرارتها الأولى من أزمة الرهن العقاري وبدت ككرة الثلج تكبر كلما تدحرجت حيث أصابت معظم دول العالم، مشيرا إلى أن الأزمة المالية العالمية أظهرت ضعف الرقابة والضوابط على الأسواق المالية في أمريكا، والتي كانت بدايتها أزمة الرهن العقاري في أمريكا نتيجة للتوسع الكبير في القروض العقارية في السوق.
أما آمار ميهتا المحلل المالي المستشار في شركة أرباح المالية فأوضح أن التوسع في القروض والارتفاع الكبير في أسعار العقارات وتوقف المقترضين عن السداد وقيام المؤسسات المالية بشراء السندات المالية عدة مرات وتداول الرهون العقارية دون رقابة كل ذلك أدى إلى هذه الأزمة التي عصفت بالجميع، مؤكدا أن ضعف الرقابة المالية واندفاع الكثيرين نحو المخاطرة تسبب في خروج الأزمة عن دائرة السيطرة، مما أدى إلى انهيار مؤسسات مالية وتأميم أخرى وعدم الثقة بالنظام المالي وإحجام الكل عن إقراض البنوك أو الأفراد مما دفع البنوك المركزية في مجموعة السبع إلى التدخل وبدأت خطط الإنقاذ في أمريكا وأوروبا واليابان ومجموعة العشرين وأجمع الكل على ضرورة استعمال جميع الأدوات المتاحة لتأمين الاستقرار للنظام العالمي.
من جهته، شدد الدكتور عبد الله الحربي على أن أسباب الأزمة اقتصادية وسلوكية، متطرقا إلى ازدهار شركات التقنية ثم الأزمة التي حدثت لها فاتجه المستثمرون إلى الأسهم، وحينما تعرضت الأسهم لهزات اتجه إلى العقار والذي بدأت منه المشكلة، حيث استثمر فيه الكثيرون وتم استخدام المشتقات المالية وبإفراط كبير، أما المشكلة السلوكية فهي أن أمريكا اتخذت خط الإنفاق غير العقلاني، فبدلا من استخدام الفائض في التنمية واستحداث وظائف وجه الفائض إلى مسائل سياسية.
وأبدى الحربي عدم تفاؤله بخطط الإنقاذ لأنه تمت معالجتها على أنها مشكلة ائتمان فقط مما يعني أن التركيز على أعراض المشكلة وليس أسبابها وهذا لا يحلها، مبينا أن آثار الأزمة ستطول السعودية نظرا لاقتصادها المنفتح وليست هناك قيود على حركة رؤوس الأموال فيها، إلى جانب ارتباط عملتها بالدولار واعتمادها على النفط والمسعر الدولار مما يؤكد أن أية أزمة ائتمان أو مشكلة اقتصادية لابد أن تطول السعودية، كما أن خطط الإنقاذ كلها ركزت على تمويل الجهاز المصرفي وتركت الشركات الصغيرة وهي الأهم.
أما الدكتور سليمان السكران فقال "إنه لمعرفة الخلل ومدى انعكاسه علينا لا بد أن نعرف الأزمة هل هي أزمة ديون خارجية أو أزمة سعر صرف أو أزمة مصرفية؟ وعموما فإن الاقتصاد الأمريكي يختلف عن بقية الاقتصاديات والأزمة مصرفية وهي عدم قدرة المصارف على تمويل المقترضين، حيث حدث عدم وجود تطابق بين أصول وخصوم البنك، متسائلا لماذا تتعرض المصارف لمثل هذه الهزات؟!".
وأضاف السكران إنه كلما زاد العائد زادت المخاطرة ويجب أن يكون هناك توازن بين العائد والمخاطرة من جراء تفعيل المنشأة، لافتا إلى أن المصارف تستثمر في المجالات عالية المخاطرة خاصة أن المستفيدين فيها يحصلون على عمولات مما دفع هذه المصارف إلى الاستثمار وبشكل كبير في الاستثمارات الخطرة.
وأردف قائلا "لا يمكن أن نقول بعدم تأثر السعودية من هذه الأزمة، ومشكلتنا هنا في السعودية غياب المعلومة الصحيحة وعدم الشفافية فنحن لا نعرف عن استثمارات بنوكنا في الخارج ولا استثمارات مؤسساتنا الحكومية"، مستبعدا أن تتمخض الأزمة المالية العالمية عن ولادة نظام مالي جديد، إلا أننا يمكن القول إنه سيتم تهذيب النظام الحالي ومراجعة قوانينه وإعادة صياغة له، وسيستمر النظام في الاعتماد على القروض والتمويل والبنوك الاستثمارية وتفعيل القطاع الخاص ولن تكون هناك اشتراكية أو تأميم سواء في الدول المتقدمة أو الناشئة.
وتحدث المحلل المالي محمد العمران مبينا أنه ينظر إلى المشكلة من زاويتين الأولى التغيرات الاقتصادية فمنذ ثلاثة أشهر ارتفع سعر الدولار، الأمر الذي انعكس على أسعار النفط والذهب وغيرها، والثاني انهيار كبرى المؤسسات المالية واهتزاز ثقة المستثمرين بهذا النظام، لذلك لابد أن ننظر للقطاع المصرفي في السعودية بحكم استثماراته في مجال الإقراض وفي السندات ذات الدخل الثابت والمتغير وهل السندات من حكومات أو غير ذلك، وهذا غير واضح، كما يجب أن ننظر إلى أرصدة مصارفنا لدى أمريكا وما يمكن أن يطمئن المصارف المراسلة.
وأوضح العمران، أن سياسات البنوك متحفظة، إضافة إلى أن مؤسسة النقد لها مواقف مشرفة مع أزمات البنوك المحلية، مشيرا إلى أن لدى المؤسسة احتياطيا يقدر 1.6 تريليون ريال، وهو ما يضمن ودائع جميع العملاء ولا يمثل ذلك سوى 50 في المائة فقط من هذا الاحتياطي، معترفا بأن هناك أخطاء لكنها محدودة حيث سيكون تأثير الأزمة العالمية رغم محدوديتها في استثمار بعض الشركات في أسهم شركات عالمية أو حصص في شركات عالمية على الرغم من أن المخاطر محدودة، كما أن درجة الانفتاح فيما يتعلق بالسماح للأجانب بالتملك داخل السعودية محدود أيضا مما يعني أنه لا ثقل لهم.
وبين العمران أن خطة الإنقاذ الأمريكية اعتمدت 700 مليار دولار لشراء الأصول المتعثرة بالسعر السوقي ، الأمر الذي يؤكد أن لدى البنوك خسائر محققة ولكن يتم إطفاؤها على مدى سنوات طويلة، وهذه الأموال التي سيتم ضخها ستعمل على متابعة هذه المؤسسات في الاستمرار في عملها لكنها لا تضمن لها تحقيق أرباح، لذلك فإن الاقتصاد الأمريكي سيدخل ركودا يستمر بين خمسة إلى ثمانية أعوام، مؤكدا أن أمام المملكة فرصة كبيرة للنمو خلال الفترة المقبلة بحكم أنها تعتمد على تصدير النفط.
ورداً على سؤال عن المصارف الإسلامية، قال العمران إن البنوك الإسلامية في السعودية أقل البنوك إيداعا في بنوك المراسلة وبالتالي فهي بعيدة، لكننا لا نعلم عن استثماراتها في العقارات أو السوق الأمريكية.
وحول أيهما الأفضل للاستثمار داخل السعودية أم الأسواق الخارجية، أبان السكران أن الاستثمار في الأسواق الناشئة أفضل ومنها السعودية، مشيرا إلى أن الأزمات هي التي تصنع الثروات والفرص كبيرة وعلينا الاستفادة منها،
وفيما يخص فك ارتباط الريال بالدولار، قال السكران "إنني لا أشجع على ذلك، فالمطالبة كانت لتخفيض التضخم والآن وبعد هذه الأزمة انخفض التضخم فلماذا فك الارتباط؟"، موضحا أن من أهم شروط العملة الخليجية الموحدة وجود عملة ترتبط بها جميع العملات من أجل تقييمها.