الأزمة العالمية تهدد المتزوجين... والإصابة بالقرحة ليست مستبعدة
الأزمة العالمية تهدد المتزوجين... والإصابة بالقرحة ليست مستبعدة
لم يكتف الشاب العشريني بتقليم أظفاره بأسنانه، بل راح يقضم الجلد الرقيق في أطراف أصابعه وهو يتابع مؤشر سوق الأسهم المحلية الذي يخر من علِ دونما تأن، وتفقد معه السوق الأكبر في الشرق الأوسط عدة مليارات في أقل من خمس دقائق.
فرحان نغيمش يشكل حالة من شريحة عريضة من المتداولين، الذين يحاولون لملمة جراحهم الغائرة التي ألحقها بهم السقوط المهول الذي غشي المؤشر السعودي في أواخر شباط (فبراير) 2005. لكن أكثر من عُشر الأسهم تراجعت إلى ما دون قيمها التي كانت عليها وقت تقديمها للاكتتاب العام.
ويخشى عديد من المختصين الاجتماعيين والنفسيين انعكاسات سيئة على المجتمع برمته، ومنهم الدكتور تركي العطيان ـ متخصص في علم النفس ـ الذي لا يستبعد إصابة "المحبطين" من المتعاملين في سوق الأسهم بأمراض "سايكوماتيه"، لافتا إلى أن المتزوجين أكثر تأثرا بالصدمات المالية مقارنة بالعزاب.
والأمراض السايكوماتيه، تعد اضطرابات جسدية ناشئة عن اضطرابات عقلية أو عاطفية، التي يحدث فيها تلف لأحد أعضاء الجسم أو خلل في وظائفه نتيجة اضطرابات انفعالية مزمنة ترجع إلى عدم اتزان بيئة المريض ويتحول إلى مرض عضوي، مثل الإصابة بالقرحة والروماتيزم.
ويبدو فرحان متماسكا بعض الشىء وهو يحدثك عن محاولاته لتصحيح محفظته، لكن صالح الإبراهيم يكاد يغص من الحنق وهو يرى أحلامه بالثراء تتبخر. ويجد نفسه بين المطرقة والسندان وهو يؤكد أنه "لا بد من الشراء من أسفل لكن البنك يضغط عليّ لتسييل المحفظة.... ربما يفعل ذلك في نهاية الأمر".
ويلجأ عديد من المتداولين في السوق السعودية للاقتراض من المصارف المحلية لدعم محافظهم أو تغطية مراكزهم المالية، وتشترط المصارف عادة على عملائها جوازية تسييلها لتلك المحافظ في بعض الظروف وبخاصة عن التراجعات الكبيرة في السوق.
ويلوم مراقبون ماليون وخبراء اقتصاديون. جهات حكومية مختصة بسبب "برودها" تجاه بعض المستجدات. ولا يجد تركي الفدعق نائب رئيس لجنة الأوراق المالية حرجا في تحميل وزارة المالية ومؤسسة النقد العربي السعودي المسؤولية تجاه التراجع الكبير في السوق المحلية. ويزيد بصوت جهوري "يجب (على وزارة المالية ومؤسسة النقد) أن يضعا سياسة نقدية طارئة للسوق... يجب أن يتحملا تبعات كونهما أكبر لاعب في السوق (تعود ملكية صندوق الاستثمارات العامة إلى وزارة المالية)... من المهم التحرك... هذه مسؤوليتهم بالدرجة الأولى".
ويجزم كثير من المراقبين أن التراجعات الجماعية للبورصات حول العالم مرتبطة بأزمة المصارف الأمريكية، ومن ثم الثقة بنظم الرأسمالية التي تهيمن على مفاصل الاقتصاد العالمي. يقول ثامر السعيد ـ محلل أسواق مالية ـ "دعنا ننحي جانبا التحليلات الأساسية والفنية من أسواق الأسهم... الناس هلعون وينظرون إلى ما يحدث في الخارج". ويدعمه عبد العزيز الشاهري ـ محلل فني ـ بالقول "علينا أن ننتظر قيعان جديدة... الحكاية لم تنته".
وكان مؤشر ستاندرد آند بورز قد حط أمس الأول عند أدنى مستوى في خمس سنوات، في أولى جلسات وول ستريت منذ وافق الكونجرس الأمريكي على خطة إنقاذ بتكلفة 700 مليار دولار بهدف طمأنة الأسواق إلى أن المساعدة قادمة. وأغلق المؤشر أمس الأول منخفضا نحو أربعة في المائة. وسجلت الأسهم الأوروبية أسوأ نسبة مئوية للخسارة في يوم واحد على الإطلاق أمس الأول، وتراجعت إلى أدنى مستويات للإغلاق في أربع سنوات مع بيع المستثمرين للأسهم في مختلف القطاعات وهبوط وول ستريت.
وجرى تعليق التداول في بورصات روسيا والبرازيل أمس وأمس الأول، بسبب التراجع الكبير في أسعار الاسهم. وانخفضت أسعار أسهم بنوك جولدمان ساكس ومورغان ستانلي وبنك أوف أميركا بأكثر من 6.3 في المائة بعد إعلان الحكومة الألمانية خطتها لإنقاذ شركة التمويل العقاري العملاقة هيبو ريال ستيت هولدنج
واستحواذ بنك بي إن بي باريبا الفرنسي على بنك فورتيس البلجيكي.
ورغم أنه لا ينوي شراء كميات إضافية من الأسهم، فإن فرحان يترك جهاز الكمبيوتر مفتوحا، حتى اليوم التالي، وهو لا يدري لماذا يفعل ذلك، لكنه يعلق بصوت خافت عبارة الكاتب المسرحي سعد الله ونوس "نحن محكومون بالأمل".