المصرفية الإسلامية ومقاصد الشريعة
المقاصد الشرعية سر من أسرار هذه الشريعة الخالدة الصالحة لكل زمان ومكان، ويتفق العلماء على أهمية المقاصد الشرعية وأثرها في استنباط الأحكام الشرعية وأن لها كبير الأثر في توجيه الأحكام الشرعية عامة وأحكام المعاملات المالية خاصة، وفي سبيل ذلك أكد مجمع الفقه الإسلامي الدولي في دورته الثامنة عشرة على أهمية إعمال مقاصد الشريعة في تنزيل الأحكام الشرعية على الواقعات والنوازل للمعاملات المالية المعاصرة وغيرها لتحقيق التميز في الصيغ والمنتجات الإسلامية واستقلالها عن الصيغ التقليدية.
لقد عانت المجتمعات من ويلات النظام الربوي الذي يعوق التنمية ويسبب التخلف ويزيد الفقير فقرا وينشر البطالة والكساد ونظرا لما يكتنفه هذا النظام الربوي من مضار عقدية وأخلاقية واجتماعية واقتصادية نادى الغيورون قبل ثلاثة عقود بإيجاد نظام بديل يقوم على الأسس الشرعية الصحيحة.. وحين قامت المصارف الإسلامية كان الهدف هو إيجاد نظام اقتصادي عادل وشامل يساعد على تحقيق النمو الاقتصادي وتنمية المجتمع وألا يكون المال دولة بين الأغنياء، أما في الواقع فهل حققت منتجاتنا المالية الإسلامية شيئا من تلك الأهداف السامية؟
تكمن المشكلة في المنتجات المالية الإسلامية في أنها تنشأ غالبا في بيئة تقليدية، وفي كثير من الأحيان تكون المنتجات التقليدية أصولا للمنتجات الإسلامية ما أدى إلى أن يكون المنتج الإسلامي خاليا ومفرغا من معناه ومقصده وإن كان قد أخذ الصورة الشرعية، وانعكس ذلك على وسائل ابتكار المنتجات المالية الإسلامية وتطويرها فصارت في معظمها قص ولصق للمنتجات التقليدية وأصبح من الملاحظ عند تطوير المنتجات المالية الإسلامية أن الهدف الوحيد هو القضاء على الفائدة الربوية فقط لا غير وكثرت الشكاوى حول المنتجات المالية الإسلامية وأنها تزيد من هرم المديونية بل أشارت أصابع الاتهام إلى المصارف الإسلامية بأنها استغلالية أكثر من نظيرتها التقليدية أحيانا..
لقد غاب عن القائمين على تطوير المنتجات الإسلامية أمر مهم هو مراعاة مقاصد الشريعة واعتبار الأهداف البعيدة والمقاصد الكلية وعدم غلبة الأهداف قصيرة الأجل عليها، بل ينبغي النظر إلى المقاصد والمآلات على أنها من معايير الجودة.
إنه على الرغم من أهمية العلم بالمقاصد الشرعية وأثرها في المعاملات المالية إلا أننا لا نجد إسهامات متخصصة تليق بأهمية هذا المجال وإن المتابع يلحظ ندرة الدراسات والبحوث التطويرية فقهية كانت أم اقتصادية والتي من خلالها يمكن اكتشاف منتجات مالية إسلامية جديدة.
لقد آن الأوان لأن تتجاوز منتجاتنا الإسلامية المظهر إلى الجوهر وأن تتجاوز الألفاظ والمباني إلى المقاصد والمعاني، وأن تتغلب على التقليد والمحاكاة وتبدأ بالتأصيل والمبادرة.
إن التركيز على السلامة الصورية للمنتج وعدم الاهتمام بالسلامة الحقيقية والمقاصدية لو استمر لربما سلكنا بالمصرفية الإسلامية من حيث لا ندري طريقا لا نريده ثم لا نفيق منه إلا بعد فوات الأوان.
ماجستير المعهد العالي للقضاء
[email protected]