"وول ستريت" تقود أسواق العالم برعونة .. إلى المجهول
"وول ستريت" تقود أسواق العالم برعونة .. إلى المجهول
واصلت أسواق الأسهم الأمريكية انحدارها البارحة الأولى متسببة في هبوط كبير في أسواق الأسهم في آسيا وأوروبا ومنطقة الخليج صباح أمس. وقد تسبب صدور تقرير في تراجع مستويات الائتمان السنوي للأفراد في الولايات المتحدة لأول مرة فيما يربو على عقد من الزمان في تزايد حالة القلق من آثار الأزمة المالية على الاقتصاد العالمي مطلقاً موجة بيع هستيرية في الأسواق. وقد حدث ذلك رغم الإجراءات الجديدة التي أعلن عنها بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، التي تهدف إلى توفير سيولة إضافية ورغم التلميحات بأن خفض آخر في أسعار الفائدة قادم في الطريق.
وقال تقرير أعده براد بورلاند رئيس الدائرة الاقتصادية في "جدوى للاستثمار" مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" الأمريكي هبط بنسبة 5.7 في المائة أمس ليغلق دون مستوى 1000 نقطة لأول مرة منذ آب (أغسطس) 2003، ومسجلاً تراجعاً قدره 15 في المائة فقط خلال الأيام الخمسة الماضية. وجاء تراجع أسهم الشركات المالية في مقدمة الركب، حيث سجل مؤشر "إس آند بي" الفرعي للقطاع المالي أدنى مستوى له منذ 11 عاما. واستجابت الأسهم الآسيوية بقفزة حرة سجلت فيها بورصة طوكيو تراجعاً بلغ 9.4 في المائة (أكبر تراجع يومي لها منذ عام 1987)، بينما انحدرت بورصة هونغ كونغ بنسبة 8,2 في المائة. أما الأسواق الأوروبية فقد تراجعت بأكثر من 5 في المائة في بداية جلسات التداول بعد إغلاقها دون تغيير اليوم السابق (كانت بورصتا لندن وباريس قد ارتفعتا بصورة طفيفة، بينما انخفضت بورصة فرانكفورت بأقل من 1 في المائة). وسجلت أسواق منطقة الخليج هبوطاً حاداً تراجع فيه مؤشر "تاسي" بنحو 8,5 في المائة بينما كسر مؤشر "دبي" حاجز 10 في المائة هبوطاً.
وقد تركزت مخاوف المستثمرين خلال الأيام القليلة الماضية في توقف سوق الاقتراض بين البنوك عن العمل، حيث فقدت البنوك الثقة في بعضها البعض تقريباً بسبب تعرضها للمشكلات المالية واحدة عقب أخرى. وقد ارتفع سعر اقتراض اليورو بين البنوك للأشهر الثلاثة الأوروبية أعلى مستوى له على الإطلاق، بينما سجل سعر اقتراض الدولار بين البنوك لثلاثة أشهر 4,32 في المائة مرتفعاً من 2,82 في المائة في منتصف أيلول (سبتمبر). وتعد أسعار الاقتراض بين البنوك أحد المعايير الرئيسة التي تحدد بقية أسعار الاقتراض، لذا فإن لارتفاعها، إضافة إلى عدم الرغبة في الإقراض أصلاً تداعيات واضحة على الاقتصاد. وتلعب أسواق الاقتراض بين البنوك دوراً مهماً في كيفية إدارة البنوك للسيولة المتوافرة لديها. وتعد السيولة الهائلة التي تضخها البنوك المركزية في الأسواق في ظل الأزمة الراهنة حيوية للغاية.
وقد واصلت الأسواق هوتها رغم جهود الحكومة الإضافية التي تهدف إلى تحسين الأحوال المالية، بما في ذلك الإجراءات التي أعلن عنها خلال فترة الأربع والعشرين ساعة الماضية كما يلي:
ذكر بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي أمس بأنه سيقدم على شراء الأوراق التجارية (الديون قصيرة الأجل التي تصدرها الشركات والبنوك)، والتي يعتمد عليها كثير من الشركات في تمويل مصاريفها التشغيلية اليومية بدلا عن خطوط الائتمان. وقد أدت حالة الحذر المفرطة في الأسواق إلى تقليل المستثمرين لمشترياتهم من الأوراق التجارية بصورة كبيرة كما قفزت أسعار الفائدة عليها في الوقت نفسه. وتأتي عملية التدخل في سوق الأوراق التجارية منفصلة عن خطة الإنقاذ البالغة 700 مليار دولار التي تم تخصيصها لشراء الأصول المالية المتعثرة في خطة صادقت عليها الحكومة الأمريكية يوم الجمعة، وتعني أن الاحتياطي الفيدرالي سيقدم على تملك أصول مالية غير مدعومة من قبل موجودات عينية للمرة الأولى.
أشار رئيس الاحتياطي الفيدرالي بن بيرنانكي إلى تغيير في السياسات في خطاب ألقاه أمس عبر فيه عن تدهور ملامح النمو الاقتصادي، وعن تراجع الضغوط التضخمية. ويرسل ذلك أشار قوية بأن هناك إجراءات أخرى بخفض سعر الفائدة، وقد عكست الأسواق الآجلة سلفاً أسعار فائدة اٌقل لكن تصريحات الاحتياطي الفيدرالي السابقة اتسمت بالحذر كي لا ترسل إشارة غير متوازنة فيما يتعلق بالأوضاع الاقتصادية (التي تستدعي أسعار فائدة أقل) في ظل القلق من الضغوط التضخمية (الذي تستدعي أسعار فائدة أعلى).
أعلنت الحكومة الإنجليزية صباح اليوم حزمة من الدعم المالي للبنوك المحلية سيتم فيها توفير 50 مليار جنيه استرليني من أموال الدولة لثمان من أكبر المؤسسات المالية في البلاد والتي ستملك الدولة مقابل ذلك التمويل أسهما تضمن عائدا سنويا ثابتا لكن لا تتمتع بحق التصويت. كذلك تم ضخ تمويل إضافي قصير الأجل يبلغ 200 مليار جنيه إسترليني من أجل توفير السيولة. وقد تدهورت أسعار أسهم البنوك التجارية يوم الثلاثاء؛ تراجع مصرف "إتش بي أو" بنسبة 40 في المائة ومصرف رويال بانك أوف اسكتلند بنسبة 39 في المائة. وتسجل أسعار أسهم الشركات التي توفر لها التمويل مكاسب من خانتين حالياً.
وافقت قمة لوزراء مالية الاتحاد الأوروبي أمس على مجموعة من المبادئ تتعلق بالإجراءات الحكومية الرامية إلى إنقاذ المؤسسات المالية. وبصورة عامة تعد تلك المبادئ معقولة لكن لم ترتقى إلى مستوى خطة رسمية لدول الاتحاد. وسيتعامل الاتحاد مع كل دولة على أساس منفصل، إضافة إلى ذلك، تم أمس رفع حد الضمان على الإيداعات المصرفية من 20 ألف يورو إلى 50 ألف يورو (ما يعادل 68 ألف دولار أمريكي). وتهدف هذه الخطوة لطمأنة المدخرين ومنع احتمال إجراء سحوبات كبيرة من شأنها زعزعة النظام المصرفي وكذلك اقتفاء أثر أيرلندا واليونان في ضمان إيداعات العملاء في الأيام القليلة الماضية.
التداعيــــات:
حالة من الهلع والخوف تسيطر على الأسواق الإقليمية والعالمية، أسعار الأسهم المتدنية تقدم فرصا استثمارية جذابة جداً، لكن ثقة المستثمرين في أدنى مستوياتها مع قلة احتمالية تخطي هذه الأزمة على المدى القصير. الانخفاضات الحادة التي شهدها هذا الأسبوع تسبب ضغوطات على قادة مجموعة الدول السبع في اجتماعهم الذي سيعقد يوم الجمعة وأيضاً على المسؤولين الماليين في اجتماع البنك الدولي وصندوق النقد الدولي المزمع عقدهما يومي السبت والأحد المقبلين. التوقعات تتزايد بشأن إطلاق حملة إنقاذ دولية تستهدف مواجهة هذه الأزمة الاستثنائية. ستقدم "جدوى للاستثمار" تقارير عن هذه الاجتماعات.
سعر الفائدة بين البنوك (سعر الاقتراَض بين البنوك) يشهد ارتفاعاً ملحوظاً في دول الخليج مع تقلص حركة الإقراض بين البنوك. علماً أن هذه الظاهرة قد بدأت منذ فترة، ولكنها اشتدت في الأسابيع القليلة الفائتة (خصوصاً في الإمارات) مع احتداد الأزمة المالية العالمية.
هذا الارتفاع في سعر الاقتراض بين البنوك يؤدي إلى ارتفاع أسعار التمويل للشركات المحلية، التي تسعى للحصول على تمويل من جهات خارجية، الذي بدوره قد يؤثر في تنفيذ المشاريع في المنطقة، ويستدعي تحركا خليجيا للحد من تداعيات أزمة الإقراض. البنك المركزي الكويتي خفّض سعر الفائدة من 5.75 مئوية إلى 4.5 مئوية وسعر إعادة الشراء repo من 3.5 مئوية إلى 2.5 مئوية. مؤسسة النقد العربي السعودي أكدت اليوم أنه لا توجد هناك أي مشكلة في السيولة وأبدت استعدادها لضخ سيولة إضافية إذا استدعى الأمر (سعر الإقراض لثلاثة أشهر بين البنوك هو 4.59 مئوية مقارنة بـ 2.16 مئوية في بداية أيار (مايو) الماضي).
كما أوضحت مؤسسة النقد أن ودائع البنوك آمنة ولا داعي لأي قلق. لا يوجد تأمين على الودائع بشكل رسمي في المملكة، ولكن هناك ضمان ضمني قوي من مؤسسة النقد، التي أثبتت قدرتها على إدارة أزمات بنكية سابقة، ولا نرى أيا من البنوك المحلية في السعودية في وضع لا تستطيع فيه الوفاء بودائعها.