الحرية تبدأ بالدين.. وتنتهي بلقمة العيش
يتسم عصرنا الحاضر بميزة لم تكن موجودة في العصور السابقة، وهي ميزة الاتصال السريع بكل صوره وأشكاله، وقد أفرزت هذه الميزة رغبة لدى الناس للتواصل مع الآخرين، وطرح الأفكار والرؤى بطريقة سهلة ميسرة يتناقلها المهتمون ويطلع عليها الناقدون. ولسرعة الاتصال وسهولة الوصول إلى تلك الأفكار وتناقلها على مستوى الأفراد والمجتمعات، فقد أصيب البعض بصدمة عنيفة هزّت ما كان ثابتاً عنده وحركت ساكناً أو دمرت بناء وهدت راسخاً.
من تلك الأفكار التي وصلت إلينا سريعاً وهبطت هبوطاً مفاجئاً، الحرية، هذا المصطلح الذي له بداية ـ في مجتمعاتنا ـ وليس له نهاية فبإمكانك أن تقول ما تشاء أو تفعل ما تشاء ولك العذر، فالحرية حق للجميع، نعم حق للجميع، ولكن هل يمارسه الجميع ويرضون بنتائجه؟ هل هذا الحق مطلق أم نسبي؟ أين تبدأ حريتي وأين تنتهي؟ أين تبدأ حريتك وأين تنتهي؟
إنها تساؤلات مشروعة تستحق الوقوف عندها ملياً لنعرف الحرية البناءة من الحرية الهدامة. كثيرون ممن يدعون الحرية وينادون بها، ويتهمون غيرهم ممن يخالف رأيهم بالإقصائية والجمود، تضيق مساحة الحرية عندهم إذا جاء من يخالفهم الرأي أو يرد عليهم طروحاتهم أو ينتقد أفكارهم.
إنّ الحرية كلمة رنانة تستهوي من لديه طرح يخالف طروحات من حوله أو يخالف قيم مجتمع يعيش فيه أو يؤمن بمبادئ تناقض مبادئ الآخرين. وفي غمار الحرية التي جعلته يطرح تلك المخالفات وينتقد تلك القيم أو يصرح بمبادئه فإنه يمارس إقصاء الآخرين ويسلبهم حريتهم ويتعدى على خصوصياتهم. ولا يرضى أن ينتقدوه أو يناقشوا أفكاره، لأنّ الحرية ـ في مجتمعاتنا ـ مفصلة على مقاس محدد لا يستطيع كل واحد أن يلبسها أو يستعملها، فهي خاصة لفئة تدعي أنها نخبة تمتلك من المقومات لتمارس الحرية وتطرح الآراء، وغيرها يجب عليه أن يسمع لها وينقاد لطرحها، وإن تجرأ غيرهم وناقض طرحهم أو رد عليهم فهو إنسان متخلف رجعي، لا يريد تقدم المجتمع ونهضته.
الحرية مبدأ جميل شوهه أولئك لأنهم اتخذوه مطية لبث سمومهم التي يسمونها فكراً وثقافة، وتجريحا لمن خالفهم تحت ستار النقد، بل تعدوا هذا المبدأ على الذات الإلهية والأديان السماوية والرسل عليهم الصلاة والسلام.
الحرية تبدأ من حيث تريد أنت، ولكنها تنتهي عند حريات الآخرين، والحرية نسبية وليست مطلقة، وإلا لما احتاج الناس إلى دولة ونظام، والحرية لدينا محدودة بحدود الشرع، فليس كل شيء قابل للنقاش والمجادلة، فهناك أمور مسلَّمة لا يجوز المساس بها أو التعدي عليها.
لقد اتخذ مدعو الحرية مبدأ الحرية جداراً يختبئون خلفه لتحقيق مآربهم الشخصية، بعيداً عن الموضوعية، وحامياً لهم من المساءلة، وهذا لا يحتاج إلى دليل، فكم تعج صفحات الصحف ومواقع الإنترنت بكتابات أولئك في سب الدين وأهله، ونعتهم بأقبح الأوصاف.