بعد مرور عام على إعادة انتخابه: الفشل الاقتصادي يضع بوش ومجموعته في خانة الدفاع

بعد مرور عام على إعادة انتخابه: الفشل الاقتصادي يضع بوش ومجموعته في خانة الدفاع

بعد تحقيقه الفوز على منافسه جون كيري في الانتخابات الرئاسية حرص الرئيس الأمريكي جورج بوش على الظهور في صورة الرئيس المتحفز لأداء مهام الفترة الثانية بكامل الهمة والنشاط .
وقال بوش إنه يقدر للشعب الأمريكي هذا الرصيد من رأس المال السياسي للفترة الرئاسية الثانية ووعد بأن يلتزم الحرص عند الإنفاق من رأس المال هذا. ولكن بعد مرور عام علي إعادة انتخابه فإن بوش يبدو بعيداً كل البُعد عن تلك الصورة المثالية في سياساته الاقتصادية والمالية، حيث تحول حماس الرئيس واندفاعه إلى تراجع لافت دون تسجيل أدنى نجاحات تُذكر.
فقد كاد مشروع بوش الخاص بإصلاح الضمان الاجتماعي الحكومي أن يفشل رغم أنه بذل جهدا كبيرا في العمل على الدعاية لفكرته التي تطالب بخصخصة جزئية لصندوق التقاعد الدولي الممول بالإجراءات الضريبية . وبرر بوش وجوب إحداث مثل هذا المشروع استنادا إلى حدوث تغيير واضح في خريطة متوسط الأعمار في الولايات المتحدة الأمر الذي يستلزم إعادة صياغة نظام تأمين الشيخوخة. وركّز الرئيس خلال دعايته على هذه الحقائق مؤكدا أن متوسط أعمار سكان الولايات المتحدة التي تمثل أكبر قوة اقتصادية عالمية آخذ في الارتفاع وهو ما تسبب في حدوث أزمات مالية متتالية خلال عامين في نموذج التمويل المطبق في البلاد منذ 70 عاماً .

ووفق هذه القاعدة فإنه سيتولد فارق كبير بين النفقات والإيرادات الخاصة بالضمان الاجتماعي في غضون سنوات قليلة . ولن يبقى سوى القليل من دافعي المساهمات لصالح صناديق تمويل التقاعد الذي يغطي عددا كبيرا آخذا بالتزايد من كبار السن. وحسب التقديرات فإن الفوائد المالية الخاصة بالصناديق ستكون قد استنفدت تماما مع حلول 2041 إذا لم يحدث تحرك ويتم تغيير معادلة التحويلات قبل ذلك التاريخ.
ومن بين الأمور التي أهملها بوش وتغاضى عنها أنه لم يقر منذ البداية بأن اقتراحه الشخصي بإنفاق المساهمات للاستثمار في أسواق الأوراق المالية هو أمر غير صالح لتثبيت الصندوق بصيغته التقليدية مستقبلاً، من حيث إيجاد نظام أرقام حسابات خاصة للتقاعد يمكّن للعاملين من إدارة أرصدته ، وتولي المسؤولية بأنفسهم.
ويمكن أن تكون تلك خطوة مهمة على الطريق الضروري لتغطية رأس المال لاحتياط الشيخوخة، ولكنها تعمل - دون شك - على إحداث ثغرة إضافية في صندوق التقاعد. ومنذ وقت طويل يعلن بوش أن المساندة التي يحتاج إليها من أجل تغيير نظام العناية بالشيخوخة لن تتأتى إلا بعد إجراء عملية توضيح وشرح للقضية برمتها بعبارات واضحة وصريحة بدلا من النظريات الاقتصادية المعقدة التي يصعب فهمها . لكن هذا يعتبر نوعا من خداع الذات فالرئيس الأمريكي يجب عليه أن يقر في النهاية أنه لا توجد حالياً أغلبية لا في الكونجرس ولا بين أفراد الشعب على استعداد لقبول نهاية صندوق التقاعد بصيغته تلك .
وجاء عرض تسوية بوش بشكل متأخر في محاولة تدوير حركة التأمين التقاعدي مع نية إنقاذ التمويل الضريبي. ولم تحظ أفكار رفع سن التقاعد أو تقنين حدود المساهمات، أو تخفيض مستوى التقاعد بأي تأييد داخل الكونجرس. أضف إلى هذا أن بوش كان قد استبعد فكرة رفع المساهمات مستفيدا من تشابه الوضع مع أوروبا
إن الصعوبات الكبيرة غير المتوقعة في الإصلاح التقاعدي لم تكن سوى جزء من أجندة سياسية اقتصادية لإدارة بوش. فقد أعلنت أخيرا اللجنة التي شكّلها بوش لإعادة النظر بشكل شمولي في النظام الضريبي عن توصياتها واقتراحاتها متجاوزة الموعد الأصلي المحدد لتقديم تلك الاقتراحات بثلاثة أشهر. وتشمل تلك الاقتراحات العديد من التوصيات النافعة ولا سيما في مجال إمكانية تبسيط إجراءات النظام الضريبي.

وبشكل خاص، قام الخبراء بعمل رسم بياني عن صعود في معدل استثماري فرضي يتعلق بزيادة الاستهلاك فوق معدل الدخول. وبهذا الأسلوب فإن الإغراءات تمت لإيجاد المزيد من الاستثمارات من أجل المزيد من النمو. وسيكون الأمر محل تعجب وتساؤل
إذا ما انبثق عن ورقة الإصلاح قانون آخر غير هذا. في هذه الأثناء بات بوش ومجلس وزرائه يقفون في موقف دفاعي بعد سلسلة من الأخطاء وسوء الحظ بدءا من التعيين الفاشل لإحدى المقربات من بوش لشغل مقعد في المحكمة العليا، حتى قضية إحالة مدير مكتب نائب الرئيس ديك تشيني إلى المحاكمة .
ولا يتوقع أن يحدث أي إصلاح ضريبي في الولايات المتحدة إلا إذا نجح بوش في تخفيف حدة أمواج المد السياسي، وبعد أن يشعر بأنه أصبح يقف على أرض صلبة. ومن بين النجاحات القليلة التي حققها الرئيس الأمريكي في السياسات الاقتصادية أنه أبرم بجهد جهيد اتفاقية تجارة حرة مع بعض دول أمريكا الوسطى من خلال تنازلات قدمها العديد من معارضي التجارة الحرة في الكونجرس.
كما أن بوش يحسب لنفسه نجاحا عندما أقر الكونجرس قانون الطاقة في الصيف الماضي بعد مناقشات دامت لسنوات طويلة ولا يتناسب القانون بتفاصيله مع خطة ديك تشيني لعام 2001، لكنه يحتوي على العديد من الإغراءات الضريبية لرفع إنتاج الطاقة المحلي.
ويقف الاقتصاد الأمريكي أمام تحديات. والكثيرون من الشعب الأمريكي، والعديد من أعضاء الكونجرس، لن يسمحوا لأنفسهم بأن ينخدعوا بازدهار الوضع الاقتصادي القوي وعجز الموازنة المنخفض. ولابد من الإصلاح التقاعدي على أساس الاقتراح الصادر عن بوش على المدى الطويل. وبعكس ذلك، فإن الأعباء المالية للحكومة سوف تتراكم بشكل كبير، بحيث يمكن أن يُخشى من حصول ارتفاع حاد في الفوائد البنكية، وحدوث فوضى اقتصادية.
ويبقى على بوش في هذه الأثناء أن يدرك أن رأس المال السياسي الذي قال إنه سينفق منه بحرص خلال فترة ولايته الثانية آخذ في التناقص بشكل كبير خلال الأشهر الماضية.

الأكثر قراءة