العمالة التركية في الرياض.. مقاه خاصة تجمعهم وأحلام الثراء تلاحقهم
العمالة التركية في الرياض.. مقاه خاصة تجمعهم وأحلام الثراء تلاحقهم
يمثل المقيمون الأجانب نسبة كبيرة من سكان الرياض، وهذه النسبة الكبيرة تستحق منا أن نفرد لها صفحة أسبوعية تحكي عن آمالهم وتطلعاتهم ومشاكلهم، تصف أحوالهم لمن لا يعرفون عنها شيئا، وتستنطقهم إن كان هناك ما يريدون للإعلام المقروء أن يأخذه عنهم.
اليوم ستكون صفحتنا مخصصة للجالية التركية التي يبلغ تعدادها في السعودية فقط 120 ألفا، في الرياض فقط 60 ألفا منهم، وهي نسبة عالية إذا ما قورنت بجالية في مدينة ما، يتميز الأتراك المتواجدون للعمل في السعودية بنجاحهم المهني، على مختلف الأعمال التي يؤدونها، وإن كانت تخصصاتهم قد تحددت بثلاثة مهن أو أربعة على أكثر تقدير، من أهمها ورش السيارات، صوالين الحلاقة، والمطاعم.
في صفحتنا هذا اليوم جلنا على أهم الأماكن التي يرتادها أفراد الجالية التركية في الرياض، وتحدثنا مع بعضهم عن آمالهم وتطلعاتهم وأكثر ما يريحهم في غربتهم، كما التقينا السفير التركي في الرياض، وتحدث لنا عن أهم المشاكل التي يمكن أن تواجه أفراد الجالية في السعودية، معربا عن امتنانه لتخصيص صفحة أسبوعية في "الاقتصادية" للمقيمين في الرياض، ومشيرا إلى أن هذه الصفحة ستكون همزة الوصل بين المواطنين والمقيمين، وسيكون لها دور ريادي في التقاء الثقافات.
يخيل لك وأنت تجلس في أحد المقاهي المخصصة للأتراك والمتناثرة في مناطق غير مأهولة في جنوب العاصمة، أنك تجلس في العاصمة التركية أنقرة، حيث لا تسمع إلا اللغة التركية، ولا تأكل سوى الطعام التركي المميز، كما سيشدك في معظم تلك المقاهي وجود علم تركي كبير تتزين به هذه المقاهي، كما أنه لا وجود نهائيا للسعوديين ولا أي جنسية غير الجنسية التركية، إضافة إلى وجود شاشات عرض لا تبث سوى القنوات التركية، والموسيقى التركية الهادئة التي تبعث في النفس الانشراح، هكذا يقضي معظم أفراد الجالية التركية عطلة نهاية الأسبوع في العاصمة الرياض، إذ لا يلجأون إلى الأماكن المكشوفة أو المختلطة، بل يفضل الكثير منهم العزلة في مكان يخصهم يحاكي ثقافتهم وعادتهم، ويتخيلون من خلاله ولو لوقت بسيط أنهم في وطنهم الأم تركيا.
تجمعات خاصة
محمد جيهان العامل في إحدى ورش السيارات والذي قضى تسع سنوات في السعودية يستذكر زهرة شبابه التي قطفت في السعودية، التي اعتبرها بلده الثاني دون منازع لما يكنه لها من محبة وتقدير. يقول إنه ومنذ سنتين وهو يرتاد المقاهي المخصصة للأتراك، حيث يداوم على الحضور إليها خلال إجازته الأسبوعية، ولم يتخلف عن الحضور سوى في الإجازات الرسمية التي يقضيها في تركيا. وأضاف جيهان أن السعادة تغمره عندما يكون في هذه المقاهي لأنها تذكره وبحسب قوله بالمقاهي الموجودة في تركيا، مشيرا إلى أنه تعرف على عدد كبير من الأتراك جراء كثرة جلوسه في هذا المقهى.
وفي زاوية أخرى من المقهى يجلس إبراهيم زكريا يعمل حلاقا في أحد صوالين الحلاقة في العاصمة، محتضنا النرجيلة ويلعب اللعبة المفضلة لدى غالبية الأتراك وهي لعبة الطاولة، حيث إن إبراهيم أحد أبطال اللعبة الذين لا يقهرون ولا يستطيع أي أحد في المقهى التغلب عليه، فيقول إنه من المدمنين على زيارة هذه الأماكن التي تشبه في تصميمها إلى حد كبير المقاهي الموجودة في تركيا، إضافة إلى وجود عدد كبير من أصدقائه الذين تعرف عليهم من خلال جلسات اللعب الطويلة التي يقضيها في المقهى.
وحدد إبراهيم أهم الأشياء التي تميز هذه المقاهي عن قريناتها فيقول، إنها المفضلة لديه ولدى غالبية أفراد الجالية التركية نظرا إلى عدم وجود أي أشخاص من جنسيات أخرى حتى السعوديين، إضافة إلى وجود الطابع التركي على المقهى إذ إن جميع ما يقدم من خدمات وطعام في المقهى يعتبر من عمق الثقافة التركية.
أنقرة في الرياض
ولم يختلف عنهم كثيرا محمود شاربلي الذي يمتهن مهنة الحدادة إذ يقول إنه يعمل في السعودية منذ سبعة أعوام، ولم يعلم بوجود هذه المقاهي المخصصة للأتراك إلا منذ سنة ونصف بعد أن استضافه أحد زملائه في العمل في أحد هذه المقاهي. ويتذكر محمود عندما عقدت لسانه الدهشة عندما زارها أول مرة إذ توقع ولثوان محدودة أنه موجود في أنقرة، إذ إن مناخ المقهى وبالكامل تركي من عمالة وخدمات ومشروبات، بل وحتى طريقة تنظيم المقهى، وطريقة تقديم الطعام.
وأضاف شاربلي أنه يزور المقهى بشكل دوري ليتجاذب أطراف الحديث حول السياسة والحديث عن آخر التطورات الحاصلة في تركيا، إضافة إلى تناوله القهوة التركية والتي لا يجيد صناعتها سوى هذا المقهى.
من جهة أخرى يقول عادل التويجري صاحب أحد تلك المقاهي إن مقهاه موجود منذ سنتين، حيث أنشأ المقهى خصيصا للأتراك الموجودين في الرياض، إذ يصل عدد زواره شهريا الآلاف من شتى أحياء الرياض بمختلف وظائفهم وطبقاتهم العملية من مديري الشركات إلى العمال البسطاء، حيث يعمد المقهى إلى إيجاد طابع تركي لجميع ما يقدمونه من طعام وشراب وتصميم الكراسي والطاولات وكامل الأثاث، بل و حتى تصميم دورات المياه.
وأضاف أن المقهى يحقق عوائد مالية كبيرة بسبب تفردهم بهذه الفكرة التي استطاعوا عن طريقها جمع شمل الأتراك المغتربين، إضافة إلى تحقيقهم هذه العوائد المالية الكبيرة، حيث يصل متوسط الدخل الشهري للمقهى مابين 40 إلى 60 ألف ريال، معربا عن أمانيه بإضافة العديد من الخدمات مثل الإنترنت والبلاي ستيشن، ولكن ما يخيفه من الإقدام على هذه الخطوة هو تحاشي الشبهة ومحافظته على تقديم المقهى بشكل تراثي، مؤكدا أن مساحته تتجاوز الأربعة آلاف متر مربع.
السفير التركي يرحب
رحب السفير التركي لدى السعودية ناجي كورو بفكرة صفحة جاليات العاصمة والتي أطلقتها أخيرا صحيفة "الاقتصادية"، واصفا إياها بحلقة الوصل بين المقيمين والمواطنين وخصوصا للأتراك، مذكرا في الوقت نفسة بعمق العلاقات المتينة بين البلدين، ومنوها بقرب العادات والتقاليد، ومشيرا إلى قرب تركيا من العرب حيث وصف تركيا بأنها من أقرب البلدان الأجنبية إلى البلدان العربية.
وفي مستهل لقائنا بالسفير شرح لنا بعض المشاكل والمعضلات التي تواجه العمالة التركية في السعودية والبالغ عددهم 120 ألف عامل، والتي على رأسها الكفالة، حيث تمنى السفير أن تتم إعادة النظر فيها، حيث ذكر السفير أن العديد من العمالة يتمنون من السفارة مناقشة هذا الأمر مع الجهات السعودية المختصة، إذ يلزم المقيم التركي أن يأخذ موافقة من كفيله على العودة إلى تركيا، مشيرا إلى أنه في بعض الأحيان قد يتعين على العامل مغادرة المملكة والعودة إلى تركيا لأي ظرف طارئ، وأن موافقة الكفيل قد تجبره على تأجيل السفر لعدة أيام، ويكون العامل حينها بحاجة إلى استغلال الدقائق والثواني.
وأشار السفير إلى مشكلة أخرى وهي إلزام وزارة العمل شركات المقاولات التركية التي تعمل في السعودية بشرط السعودية، حيث دعا إلى إلغائها بسبب ارتفاع رواتب السعوديين، إضافة إلى عدم جدية بعض الشبان السعوديين في العمل وذلك نتيجة عدم ملاءمة طبيعة العمل لشخصيتهم، مما يكلف الشركات التركية مبالغ طائلة.
واختتم السفير حديثه بارتياحه من مستوى العلاقات السعودية التركية، متمنيا أن تتوسع بشكل أكبر لتشمل مجالات أخرى، منوها بأن معظم العمالة التركية مرتاحون جدا في العمل في السعودية، وأن لا مشاكل تنغص عليهم صفو حياتهم، بدليل أن أغلب العمالة التركية تسعى إلى إحضار عائلاتهم إلى السعودية، وأن بعض العمالة يعملون في السعودية منذ عشرات السنين.
العمالة سفراء بلادهم
لعبت العمالة التركية الموجودة في العاصمة دورا كبيرا في الترويج للسياحة في تركيا، حيث أكد ذلك عدد من المواطنين الذين التقتهم "الاقتصادية" في عدد من مكاتب السفر والسياحة، أن ما دفعهم لقضاء العطلة الصيفية لهذا العام في تركيا هو حديث العمالة التركية عن الطبيعة الخلابة، إضافة إلى رخص أسعارها مقارنة بالدول الأوروبية التي تضاهيها في طبيعتها.
يقول مشعل العفاري الطالب الجامعي، أنه قرر قضاء هذه العطلة في ربوع تركيا بعد أن أقنعه الحلاق التركي الخاص به، بقضاء عطلته الصيفية فيها، ويضيف محمد أنه حجز منذ شهر إلى العاصمة التركية أنقرة، وأن موعد إقلاع الطائرة بعد أسبوعين، إذ أكد أن حلاقه سيتبعه بعدها بأسبوع لقضاء عطلته أيضا ولكي يكون دليلا سياحيا له.
وأضاف السيف أنه سيستمتع ولمدة أسبوعين ونصف في تركيا، إذ قرر أن يخصص لها ميزانية قدرها ثمانية آلاف ريال وهي كافية بحسب ما أشار عليه حلاقه الخاص، مشيرا إلى أنه متشوقا جدا لهذه الرحلة خصوصا بعدما رتب لها جدوله السياحي والذي استعان بحلاقه في ترتيبه.
وفي الاتجاه نفسه أكد إبراهيم العنيزان صاحب ورشة نجارة، أنه بصدد السفر إلى تركيا بعدما قتله الشوق إلى السفر إليها، إذ عمد عدد من عمال الورشة إلى تشويقه وإغرائه بالتجربة ولو لمرة واحدة إلى السفر إلى تركيا، مؤكدا أن صاحب الورشة المقابلة لورشته يقضي إجازته السنوية في تركيا بعدما جربها أول مرة بضغط من العمالة التركية الموجودة في ورشته.