سوق الزل..مقصد السياح ومحبي التراث والأثرياء
لم تختف ملامح الحركة التجارية في سوق الزل (المقيبرة سابقا) عندما اختفت ملامح البناء القديم. ولم تتغير النظرة نحو هذا المكان رغم بعض التراجع الذي حصل من المتسوقين وخاصة الأجانب الذين كانوا يملأون المكان برفقة عائلاتهم مع بداية كل صباح في إجازة نهاية الأسبوع. يتوفر سوق الزل فرصة رائعة للسياح من مختلف الجنسيات للاطلاع على كيفية تصنيع المواد التقليدية والتراثية، وخبن البشوت إضافة إلى المعروضات المتنوعة مثل السيوف والتحف والسجاد (الزل) والبسط والأحذية والنحاسيات والملابس والمباخر والدروع وأنواع البنادق، ويجذب إليه محبي التراث وعشاق القديم من داخل الرياض وخارجها، و يجد فيه بعض الأثرياء كثيرا من رغباتهم وحاجاتهم التي قد لا تتوافر في مكان آخر. تقع السوق في المنطقة المحصورة بين شارع طارق بن زياد جنوباً وشارع الشيخ محمد بن عبد الوهاب غرباً وشارع الشيخ محمد بن إبراهيم شرقاً و تبلغ مساحتها أكثر من 38 ألف متر مربع. تشير بعض الكتب إلى أن تاريخ إنشاء السوق يعود إلى بداية التسعينيات الهجرية وهو ما يؤكده عدد من أصحاب المحلات ممن عاصروا بداياته حيث يقول عبد العزيز الطلحة أحد أقدم تجار السجاد في السوق انتقل التجار من البناء القديم إلى هذا المكان مع بداية التوسع حيث اجتمع التجار وقاموا بشراء عدد من المنازل الطينية الموجودة في هذا المكان وأقاموا هذه المحلات وأخذ كل واحد منهم نصيبه من المحلات التي تبلغ مساحتها عادة 3×4 م. تتنوع المعروضات في السوق فإلى جانب الزل بأنواعه الشيرازي أو الكشميري أو الإيراني وخاماته الحرير والصوف، هناك البشوت العزيزة على سكان الرياض بشكل خاص والمملكة بشكل عام، فهي المصدر الرئيس للبشوت على مستوى المملكة كما يقول عبد الرحمن المجاهد صاحب محل مشيرا إلى تحول كثير من الزبائن إلى التصاميم المنفذة بالكمبيوتر وقلة الطلب على العمل اليدوي في جميع الأنواع الصيفي والربيعي والشتوي. وبجانب تلك المعروضات تظهر العطورات الشرقية التي تأخذ حيزا في كل زاوية من زوايا السوق لأنها لا تتطلب مساحات كبيرة مثل الزل أو البشوت.
الاسم والمسمى
يختلف واقع السوق عن مسماه فهو ليس مكانا خاصا ببيع الزل والمتاجرة فيه فقط بل يضم العديد من الأنشطة التجارية الأخرى التي لا تقل أهمية عن قطع السجاد، فالعود بأنواعه وأصنافه والعطورات الشرقية والبشوت والتراثيات تأخذ نصيبا كبيرا من مساحة السوق، إلا أن الاسم جاء كما يرويه لنا أصحاب الخبرة في السوق ممن عاصروا بداياته وسمعوا كثيرا من أخباره أن ذلك يعود إلى رواج تجارة السجاد في ذلك الوقت فهي الأكثر شعبية ولها مكانة كبيرة عند مرتادي السوق قديما..
السجاد قيمة فنية وتاريخية
يجلس على كرسيه وأمامه إبريق من الشاي ينتظر زبائنه الذين تغيرت وجوههم، وتبدلت ملامحهم، فقبل سنوات لا تتجاوز أصابع اليد كان الأجانب يملأون المكان يبحثون عن قطع محددة سلفا ويعرفون المقاس المطلوب، واللون المناسب، يأخذون القطعة ويعرفون قيمتها الفنية والتاريخية والمادية، ويوصلون ذلك إلى أبنائهم ويفسرون لهم قيمتها وسبب اختيارها، تلك هي عبارات عبد العزيز الطلحة أحد التجار الذي أمضى قرابة 30 عاما في بيع السجاد عندما سألناه عن واقع سوق السجاد، ويشير الطلحة إلى أنهم في السوق يتعاملون بالعديد من العملات مثل الدولار والجنيه الاسترليني واليورو حاليا، ويضيف قائلا: هناك عدد من السعوديين يأتون ويبحثون عن قطع السجاد الثمينة ويعرفون قيمتها، ويفرقون بين أنواعها. إضافة إلى ذلك يأتي إلى السوق عدد من مصممي الديكور ليختاروا ما يناسب أفكارهم ويعكس روح المكان وزمانه. وأوضح العزيز الطلحة أنه إلى وقت ليس بالبعيد جدا كانت قطع السجاد تقدم مهرا للمرأة فيشترط مثلا على الزوج تقديم عدد من القطع بوصفها ومقاساتها وأنواعها، من شيرازي أو كشميري أو إيراني أو غيرها.
ثقافة الأجنبي
Good color, this one, another one,عبارات تسمعها أحيانا كثيرة في زوايا السوق عندما يدور الحديث بين البائعين وأحد الزبائن من الجنسيات غير العربية، فسوق الزل فتح على العاملين فيه من كبار السن ثقافة الأجنبي، ودفعهم لتعلم اللغة الإنجليزية بشكل خاص ومعرفة بعض عباراتها للتواصل مع زبائنهم، وفهم ما يريدون من أنواع البضائع. لم تقف الثقافة الغربية في سوق الزل عند حدود اللغة بل وصلت إلى مواسم ومناسباته وأعيادهم فمحمد الأحيدب صاحب محل لبيع القطع التراثية التي بدأها كهواية قبل أكثر من 25 عاما ثم تحولت إلى مهنة يزاولها إلى جنبه أحد أبنائه، يذكر أن أحسن الأوقات والمواسم التي يزداد فيها البيع وينشط خاصة من الأجانب المقيمين عند أعياد الميلاد أو الكرسمس أو رأس السنة حيث يتبادلون الهدايا ويأخذونها معهم لتبقي في ذاكرتهم هذا المكان، إضافة إلى أعياد المسلمين في رمضان وغيرها. وعن الأسعار أشار إلى أن ذلك يعود إلى نوعية القطعة وقدمها وندرتها، فالبعض يعرف ذلك ويقدر السعر، وآخرون يجهلون ويرون أن السعر مبالغ فيه، وأشار إلى أن هناك جامعي التراث يترددون بين فترة وأخرى على المحل بحثا عما ينقصهم. ويرى الأحيدب أن ما يعرض ليس سوى قطع تراثية وليست أثرية حيث إنها مازالت تستخدم ولم يمض عليها زمن طويل فأكثر تلك المعروضات لا تتجاوز المائة عام وهو عمر قصير بالنسبة لوصفها آثارا.
سول الزل.. كتاب قادم
المؤرخ محمد القويعي الذي اتخذ من محله الواقع في سوق الزل مكانا لمزاولة هوايته بعد تقاعده اعتذر لـ "الاقتصادية" عن تقديم أي معلومات عن السوق وتاريخها معللا ذلك بأنه في المراحل الأخيرة من تأليف كتاب يضم معلومات وافية عن السوق ورجاله وماله وما عليه، ويذكر فيه حال السوق قديما والمراحل التي مرت بها، وبين أن السبب الذي جعله يختار سوق الزل دون غيره من الأماكن التي تنشط فيها التجارة إلى مكانته قديما وحديثا وعراقته وتميز بضاعته التي لم تتغير.