شارع العطايف.. ملايين الريالات تدار في حيز لا يتجاوز 1500 متر
تفوق الحركة التجارية اليومية التي يشهدها شارع العطايف كثيرا من شوارع مدينة الرياض، بل قد يصعب التصديق أن هذا الشارع الذي لا يتجاوز طوله 1500 متر يتبادل فيه تجار الجملة والتجزئة مبالغ تصل إلى ملايين الريالات من خلال عمليات البيع والشراء. تتنوع المعروضات وتتوزع على طول الشارع فلا تداخل بين أنواع البضائع المعروضة فكأن هناك نظاما صارما يسير عليه التجار في ذلك المكان. يمتد الشارع من الجنوب إلى الشمال ، حيث يبدأ من شارع طارق بن زياد جنوبا إلى أن ينتهي عند شارع الإمام فيصل بن تركي(الخزان) شمالا، غير أنك لا تستطيع أن تسير فيه من بدايته حتى نهايته دون أن تلجأ إلى الشوارع الفرعية الجانبية حيث يعتمد على نظام الاتجاه الواحد.
اكتسب الشارع وهجا مختلفا عن بقية شوارع الرياض فهو يقع في وسط المدينة حيث المراكز التجارية والشوارع الرئيسية كالمعيقلية وشارع الوزير وشارع البطحاء وشارع السويلم من جهة الجنوب، وطريق الملك فهد من جهة الغرب، ما جعل عملية الوصول إليه في غاية السهولة إضافة إلى توافر المواقف في كثير من أجزائه. فرغم قصر مسافته وعرضه الذي لا يتجاوز 15 مترا في كثير من المناطق إلا أن ما يضمه من بضائع متنوعة أعطاه مكانة وكبيرة بين الأسواق التجارية.
ساعات العمل
تختلف الصورة الحقيقية عن الصورة الذهنية التي خلقتها عادات العمل وأوقاته في الرياض عندما تسير صباحا في شارع العطايف وتحديدا القسم الخاص بتجار المواد الغذائية، أماكن تغص بالعمالة وجوه مبتسمة، رغم آثار التعب الواضحة عليها، ترى ذاك ممسكا بمجموعة من الفواتير وآخر يقوم بالجرد والتأكد من الكمية، كراتين غطت الأرصفة، وسيارات مليئة بالبضائع المتنوعة عرقلة حركة المسير، وفي سيرك ترفع رأسك لتجد لافتة وضعها أحد أصحاب المحلات تبين مواعيد العمل في رمضان حيث يبدأ من الساعة السادسة والنصف صباحا حتى أذان الظهر، فساعات العمل تختلف باختلاف المكان ونوعية الزبائن. يروي الشيخ المزروع أحد كبار تجار المواد الغذائية جزءا من ذكرياته عن هذا الشارع فيتذكر ذلك الانفجار والحادثة الأليمة التي حدثت قبل ما يزيد على 40 عاما، وراح ضحيتها الكثير، تلك هي الأبرز في ذاكرة الشيخ المزروع، يعود المزروع مواصلا حديثه عن الحركة التجارية التي تأثرت كثيرا - كما يقول- فهي لم تعد كالسابق فالعوامل التي تشهدها المنطقة من ارتفاع للأسعار وظهور المحلات الكبرى التي تقدم عروضا ترويجية بشكل كبير كل ذلك أدى إلى تراجع عمليات البيع.
العطايف.. ومركز التعمير
تختفي في بعض أجزائه ملامح الحضارة وتبرز بشكل واضح في أماكن أخرى. بين شارع السبالة جنوبا وشارع الأمام محمد بن سعود شمالا يختلف المشهد ويتغير الزمن، وتتبدل الرؤية، فبعدما تسيطر عليك روائح المواد الغذائية والمطهرات، وبعدما تتجاوز ذلك الشارع الذي لا يتجاوز عرضه الأمتار العشرة شارع السبالة، تقابلك روائح العطور والعود، ويظهر مركز التعمير بمواصفاته الحديثة وتصميمه التراثي، حيث يمر شارع العطايف وسط المركز، فتحول الشارع إلى مكان للتسوق إلى جانب الترفيه ففيه محال للذهب وأخرى للجوالات وثالث للطفل، وغيرها من المحال التي تضم علامات تجارية عالمية، فجعل منه مكانا مثاليا للعائلة وخاصة حينما يعتدل الجو نظرا لطبيعة المركز المكشوف.
بعد أن تتجاوز ذلك المكان ذا التصميم الهندسي المتناسب مع طبيعة المكان تقودك الخطى نحو مجموعة من المحال تجتمع في مركز المعيقلية حيث ترتقي نوعيتها وأمامها من جهة الغرب ينفرد مبنى يضم عددا من المحال تتركز في بيع القهوة والهيل ، وأخرى متخصصة في المشغولات اليدوية والجلود، والأدوات النحاسية والحديدية إضافة إلى أواني الطبخ الكبيرة وكذلك جرار الفول.
قصر أفراح إلى مجمع مكتبات
تحول سريع صاحب الطفرة الاقتصادية والحياة المدنية، وانتشار التعليم في المملكة ففي القسم الممتد من طريق الإمام تركي بن عبد الله على نهاية شارع العطايف عند طريق الإمام فيصل بن تركي لم يكن ذا بعد تجاري أو مركزا اقتصاديا فلم يكن سوى منازل ممتدة على طول الشارع. يذكر ذلك عبد الله بن محمد الدخيل أحد المتعاملين مع هؤلاء التجار وصاحب مكتبة خارج الرياض: كنت أحضر مع والدي قبل أكثر من 20 عاما وكنا نجلس مع أحد التجار في منزله ولم يكن هناك محال كما هو الآن، فالشارع عبارة عن بيوت طينية يتوسطها منزل كبير تقام فيه أحيانا مناسبات الزواج، وتحول فيما بعد بواسطة أحد كبار تجار القرطاسية إلى مجمع لبيع المواد المدرسية والمكتبية.
طراز عثماني
تتشابه المنازل في ذلك الشارع بفعل الحضارة فتوحدت تصاميمها، وتقاربت ألوانها، وبينها يقف منزل شامخ مختلف عن البقية متفرد في شكله يقارب إلى حد كبير البناء على الطراز العثماني من خلال التشكيلات والأحجار الأقواس التي تزين المدخل، وبجانب البوابة لوحة من نوع حجارة المبنى كتب عليها تاريخ كأنه يشير إلى إنشائه 14/6/1372هـ أي قبل أكثر من 50 عاما. يتذكر العم محمد قاسم أحد العاملين في مجال بيع الأدوات القرطاسية التي أمضى فيها أكثر من 34 عاما ذلك المبنى البديع ويشير إلى أنه كان مقرا لسجن النساء في ذلك الوقت. وإلى جانبه يقول العم محمد كان مقر مرور البلد وكلها انتقلت إلى أماكن أخرى وبقية مبانيها تعيد للمتسوقين ذكرى قديمة.
تجمع التشكيليين
يقول الفنان التشكيلي عبد العزيز الناجم عن شارع العطايف وخاصة القسم الخاص بالأدوات المكتبية، يجد الفنان في هذا الشارع الكثير من حاجاته، وكثيرا ما يتردد عليه معلمو التربية الفنية للحصول على المواد الخاصة بالمادة حيث يتميز بوجود الحاجات الأساسية وكذلك انخفاض السعر مقارنة بالمحلات الأخرى.