شارع الثميري..أول الشرايين المتدفقة من المصمك

شارع الثميري..أول الشرايين المتدفقة من المصمك

يشهد شارع الثميري الذي يقع على بعد خطوات من قصر المصمك جنوبا تحولات متسارعة، بعد التطوير الكبير الذي أحدثته أمانة مدينة الرياض في أرصفة الشارع، وإعادة بناء السوق الشعبية التي تقع محالها على جنبات الطريق بشكل هندسي جميل لم يؤثر في الشارع في ذاكرة الإنسان وما يمثل من بعد تاريخي في عقول رواده.
يشعر المارون بشارع الثميري في الساعات الأولى لكل صباح أنه من الأماكن التي لا يمكن نسيانها بسهولة، فأشكال المحال والمنشآت مميزة بحقبة زمنية ممتدة منذ أكثر من 30 عاما، وعندما يتذكر أحدهم أنه مر من هنا سابقا، هو يستذكر الأشكال المتغيرة على جوانب الشارع، والتطورات التي حصلت، فإنه يعي تماما معنى أن يكون التطور إضافة وليس خدشا لرائحة الماضي الجميلة.
أثناء جولتنا في الشارع صادفنا أشخاصا كثرا يستذكرون الناس من المكان، فهذا يتذكر صاحبه الذي تركه وهاجر إلى منطقة أخرى من مناطق المملكة، وهذا يحس بحنين إلى والده الذي كان يرافقه إلى هذا الشارع في صباه، من هؤلاء إبراهيم بن سليمان التميمي ابن الـ48 عاما، يروي لنا كيف كان يسير مع والده قبل أكثر من 30 عاما في الشارع نفسه، يقول: "لم نكن نتصور أن تختلف الحياة اليومية علينا بهذا الشكل، وأنها ستصبح على نحو مختلف، فالأزقة الضيقة التي كان من المستحيل أن تصل إليها السيارات والمكتظة بالمتسوقين من بدايتها إلى نهايتها أصبحت شوارع فرعية تمر معها السيارات ذهابا وإيابا".
ويستطرد التميمي: "في ذلك الوقت كان شارع الثميري يعد مركز المدينة التجاري، وهو علامة مميزة فيها، حيث يقصدها المتسوقون من خارج الرياض، وخاصة مع دخول موسم الصيف الذي تكثر فيه حفلات الزواج، حيث يبحث الناس عن الملابس والأحذية والبشوت والعطور ومن أهمها وأشهرها العود".

الثميري.. المسمى
تشير كثير من الروايات إلى أن هذا الاسم "بوابة الثميري"، التي تقع في الجهة الشرقية من قصر المصمك جاءت نسبة إلى رجل يسمى الثميري من أهالي حريملاء، وقبل وصولنا إلى الشارع من الجهة الجنوبية حيث مداخل سوق الذهب المقفلة اقتربنا فوجدنا لوحة تعلو تلك البوابة كتب عليها وقت الدوام الذي يبدأ من التاسعة صباحا وحتى آذان الظهر ومن العصر حتى الـ 11 مساء وبجانبها تحذير من الاقتراب من البوابة وأنها تخضع للمراقبة وعلى اتصال بالجهات الأمنية من أجل المحافظة على أموال التجار.

ساعات الصباح
هدوء يملأ المكان فالحركة قليلة، والسيارات قابعة في أماكنها ومع اقتراب عقارب الساعة من التاسعة صباحاً حيث الموعد المحدد لبداية النشاط التجاري في شارع الثميري تسمع أصوات أبواب المحال تقطع ذلك الهدوء وتفتح عينيك على مشاهد جمالية تنمي فيك ثقافة بصرية فالقطع النحاسية والسجاد بأنواعه، والمجوهرات بتصاميمها والسبح مختلفة الأشكال كل ذلك يساعدك على الوقوف أكثر وقت ممكن.
وضعنا أقدامنا في محل لبيع السبح وكان صاحب الشعر الأبيض مشغولا بحسابات اليوم السابق وعندما رفع رأسه أخذ يتأمل في الكاميرا التي أحملها على كتفي، وعلت على محياه الابتسامة وبادرني بقوله "ذكرتني ببدايتي في هذا السوق قبل أكثر من 34 عاما حيث كنت أعمل في محل للتصوير قبل أن أنتقل للعمل في هذا المجال، يقول أحمد علي أبو وهيب الذي يشرف على بعض محال السبح لم يكن الثميري بهذا الشكل في وقت سابق، فالمنازل كانت من الطين والمحال متجاورة، فتطور شيئا فشيئا حتى جاءت النقلة النوعية التي قامت بها الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض للشارع في بداية التسعينيات الميلادية فتحول من شارع ذي اتجاهين تختفي فيه ملامح الجمال إلى شارع نموذجي تزينه الأشجار والأرصفة، وحول إلى مسار واحد مما أسهم في انتعاش الحركة وتسهيل حركة المشاة.

مركز سياحي
تحتاج وقتا طويلا للاطلاع على التحف الأثرية والقطع الفنية التي تعكس جوانب من الماضي، يقول أبو خالد البائع في أحد محال الأقمشة "هذا الشارع يتميز بوجود محال الساعات والأقمشة التي يصعب أن تجد مثيلها وبنفس السعر خارج هذه المنطقة فالوكلاء يتمركزون في هذا الشارع وإن افتتحوا لهم فروعا في المراكز التي انتشرت في الرياض إلا أن الجودة والنوعية والسعر تظل في هذا المكان".
ويقول راجو الذي أمضى أكثر من عشر سنوات وهو يعمل في محل للتحف
"يقصدنا الكثير من الوافدين وخاصة من الجنسيات الأوروبية والأمريكية والآسيوية ليقتنوا بعض القطع الفنية ويأخذوها إلى بلدانهم لتكون ذكرى للوقت الذي أمضوه هنا أو يقدمونها هدايا لأصدقائهم".
وأضاف "لا يقتصر حضورهم للاقتناء بل أصبح مكانا سياحيا له رواده وبينما حديثنا يتواصل مع راجو دخل رجل ومعه زوجته وأبنيه وأخذ يطالع بعض المعروضات وتوجهنا إليه بالسؤال معرفين بأنفسنا ومهمتنا فقال: أنا ستيفن قدمت من كندا لأعمل مدرساً للغة الإنجليزية في إحدى الأكاديميات وعن رأيه في هذا المكان قال: مكان جميل وماتع يعطيك صورة وتصوراً واضحين عن حياة الناس في المملكة والأدوات التي يستخدمونها وهذا لم أجده في كندا ولم أجد ما يشابهه"، واستدرك قائلا "إلا إن كان في مناطق كندية لم أزرها".

صناعات يدوية
بين تلك المشغولات الذهبية وقطع السجاد ذات اللون الأحمر الذي يطغى على أجزائها تقودك الممرات نحو محال تملؤها الأحذية مختلفة الأشكال والألوان وبجانبها يجلس شاب في مقتبل العمر، وقف عندما اقتربنا من مكانه فكان حديثنا منصبا حول مدى الإقبال على هذه النوعية من الأحذية فقال "يختلف الناس في أذواقهم ورغباتهم فالحذاء قديما لم يكن سوى وسيلة أما الآن فنجد من يأتي ليفصل حذاء يتناسب ولون البشت الذي يلبسه أو يملك تصميما معينا وفي أحوال كثيرة يكون للمقاس دور كبير في بحث الزبون عن مكان للتفصيل.
وبجانبه محل آخر يقوم بتفصيل العقال فسألنا عامر الذي يعمل في المحل منذ أكثر من ثماني سنوات، عن مستوى النشاط التجاري فأجاب بأن الزبائن تكثر في المناسبات خاصة في الصيف ورمضان والأعياد أما بقية الشهور فهي شبه مستقرة وعلل ذلك بانتشار المحال في أرجاء االعاصمة، في حين تتقارب الأسعار بين المعروضة في الثميري، أو الأسواق الأخرى، إضافة إلى عدم توافر مواقف للسيارات.
وفي نهاية الشارع من الجهة الغربية ترفع بصرك عاليا لتخبرك تلك الساعة التي تشبه المسلات الفرعونية كم أمضيت من الوقت مع الثميري، يذكر أحد العاملين في المحال أنها قديمة جدا فعمرها كما يقول أكثر من 28 عاما أي بعمر المدة التي قضاها في الشارع.

الأكثر قراءة