الاتحاد الأوروبي لا يمكنه التراجع عن التوسع
يبدو أن العملية المضنية الخاصة بالتفاوض على تفويض لتركيا بفتح محادثات العضوية في الاتحاد الأوروبي، قد استنفذت حماس الكثير من حكومات الاتحاد لأي توسع آخر. وكما هو الحال فقد تم وضع شروط للتفاوض أصعب من أي شروط قدمت من قبل لأي دولة تطمح في عضوية الاتحاد، مع كل الأساليب التي تحول دون تحقيق هدف تركيا النهائي بالانضمام. وكانت "طاقة الاتحاد الأوروبي لاستيعاب تركيا" من الشروط المسبقة المهمة. وأي علامة تشير إلى تراجع أنقرة عن "مبادئ الحرية والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية وحكم القانون" يمكن أن تؤدي إلى توقف المفاوضات فوراً. وكان كل سطر يوحي بتردد الدول الأعضاء الحالية في فتح أبوابها على خليج البسفور.
لقد تمكنت كرواتيا من التسلل والدخول من تحت الأسلاك لتفتح محادثات الانضمام الخاصة بها، وذلك بفضل التقرير الذي صدر في آخر لحظة، والمتضمن أن زغرب أصبحت تتعاون تعاوناً تاماً في ملاحقة آنتي جوتوفينا أشهر مجرمي الحرب في البلاد. وكان الحذر أمراً مفهوماً. فقد كان "الإعياء من عملية التوسع" ظاهراً على معظم دول غرب أوروبا، وكان أحد العوامل التي أدت إلى رفض المعاهدة الدستورية في كل من فرنسا وهولندا. ولا توجد دولة من الدول الغنية تريد زيادة ميزانية الاتحاد الأوروبي ليدفع تكاليف الجولة الأخيرة من التوسع، فضلاً عن الجولة التالية. ولذلك فإن الحديث الذي يدور في بروكسل اليوم ينصب حول الحاجة لحوار لتحديد "هوية" أوروبا، ووضع حدود نهائية للاتحاد.
ربما يكون ذلك أمراً مفهوماً، ولكنها فكرة سيئة. وهو إجراء جاء متأخراً أكثر مما يجب بحيث أصبح غير مجد. فقد أصبح التوسع حقيقة ماثلة، ومنح العضوية هو أهم العوامل التي تجلب الاستقرار والديمقراطية رويداً رويدا لحدود الاتحاد الأكثر تعرضاً للتمزق والتوتر ـ في غرب البلقان وفي الجمهوريات الواقعة إلى الغرب من الاتحاد السوفياتي السابق وهي أوكرانيا وملدوفا وروسيا البيضاء.
وبدلاً من ذلك فإن الخطة تقضي بأن يتم تقديم أفضل "سياسة جوار" ممكنة لكل الدول التي تطمح في الحصول على عضوية الاتحاد، مع وضع خطط لتعزيز التجارة والاستثمار، وإقامة اتحاد جمركي شامل، وتسهيل إجراءات تأشيرات السفر، والمساعدة في إنشاء مؤسسات جديدة لتعزيز الديمقراطية وحكم القانون. وكل شيء لا يرقى للعضوية الكاملة في مؤسسات الاتحاد الأوروبي.
هذا الأمر يبدو لا بأس به على الورق، ويساعد على تسهيل اجتياز الفترة الانتقالية وهي مرحلة لا مفر من المرور بها أثناء سعي هذه الدول للوفاء بالمعايير الأوروبية في الإدارة وترشيد أساليب الحكم. لكن سياسة الجوار لن توفر الضمانات التي يحتاجون إليها لاجتذاب الاستثمار الأجنبي، وبناء الثقة بالنفس، واستئصال الفساد، ومنع أي ارتداد إلى الديكتاتورية، فضلاً عن الدخول في حروب تطهير عرقي جديدة.
لنأخذ أوكرانيا, فقد أتت الثورة البرتقالية انتصاراً للديمقراطية و دليلاً على نفوذ الاتحاد الأوروبي بعد التوسع. ويعود الفضل في ذلك إلى الأعضاء الجدد، وخصوصا بولندا ولتوانيا، اللتين أجبرتا ليونيد كوشما، الرئيس المخلوع، على إعلان بطلان الانتخابات باعتبار ما حدث فيها من تلاعب وفوز خلفه فيها. وكانت بريطانيا وفرنسا وألمانيا لا تريد إثارة غضب الرئيس الروسي فلايمير بوتين، بالتدخل في النتيجة التي كان يفضلها. وكان فوز فيكتور يوشينكو مكسباً كبيراً للسياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، بالإضافة لكونه مكسباً لقوى الشارع.
مع ذلك دخل يوشينكو في مشكلة رهيبة، إذ انهارت حكومته الأولى، وتوقف النمو الاقتصادي بسبب الفوضى التي صاحبت إعادة النظر في تخصيص القطاعات التي كانت في السابق مملوكة للدولة. وهبطت شعبية حزب يوشينكو، وربما يبرز الحزب الموالي لروسيا مرة أخرى كأكبر حزب في الانتخابات البرلمانية التي ستجرى العام المقبل.
في روسيا البيضاء المجاورة، آخر نظام ديكتاتوري في أوروبا، نجد أن الوضع مختلف جداً، ولكنه غير مستقر بنفس القدر. فقد أنشأ الاسكندر لوكاشنكو دولة مفككة لكن يحكمها نظام بوليسي صارم على الأسس السوفياتية، وظلت إلى حد كبير قادرة على الوفاء بديونها. ويرجع الفضل في ذلك للإعانات التي تقدمها لها موسكو في شكل إمدادات الغاز. ويبدو أن لوكاشنكو يسيطر على الوضع، إذ يعمل 10 في المائة من السكان البالغ عددهم عشرة ملايين، في إدارات الأمن. لكن الدرس المستفاد مما حدث في أوكرانيا هو أن الثورة ضد الديكتاتورية الفاسدة ربما تندلع في أي وقت. وإذا حدث ذلك في روسيا البيضاء، فماذا سيفعل الاتحاد الأوروبي؟
إن عدم وجود سياسية واضحة ينتهجها الاتحاد تجاه أوكرانيا وروسيا البيضاء ليس ناتجاً فقط من الإرهاق الذي سببه التوسع. لكنه يأتي أيضاً من عدم الرغبة في إثارة غضب بوتين. فروسيا لم توافق أبدا على استقلال الجمهوريات السوفياتية السابقة. وهي تمقت بشدة التدخل السافر للاتحاد الأوروبي. وعندما أتى الرئيس الروسي إلى لندن لحضور قمة بين الاتحاد الأوروبي وروسيا الأسبوع الماضي، لم يرد ذكر لروسيا البيضاء وأوكرانيا إلا في سياق الحديث عن ملدوفا المجاورة لهما. وبدلاً من ذلك تحدثوا بطريقة ودية عن تأمين إمدادات الطاقة الروسية، والتعاون في مجال ارتفاع حرارة الكون. إن وجود روسيا قريباً من الحدود أمر في غاية الصعوبة.
إن روسيا البيضاء وأوكرانيا بلدان مجاوران للاتحاد الأوروبي، وهما مجاوران أيضا لروسيا. ويتعين أن يكون الاستقرار والديمقراطية فيهما محل اهتمام من كلا الطرفين. لكن يبدو أن بوتين يفضل عدم الاستقرار، فيما يعض الأوروبيون على ألسنتهم. إن التمسك بإمكانية انضمام أوكرانيا للاتحاد وتحول روسيا البيضاء إلى بلد ديمقراطي، وانضمامها إلى الاتحاد، على الرغم من أنه احتمال بعيد، من شأنه أن يكون له تأثير حيوي في تشجيع المنادين بالديمقراطية في كلا البلدين. ومن شأنه أيضا أن يرسل إشارة إلى موسكو بأن الاتحاد له مصلحة حيوية فيما يحدث هناك. رهذه ليست منافسة من منافسات الحرب الباردة، وإنما حول توفير السلام والاستقرار في المنطقة. وسيكون أمراً مأساوياً إذا فقد القادة السياسيون للاتحاد الأوروبي هذه الرؤيا الأوسع، وهم يتصارعون مع عسر الهضم الناتج عن الجولة الأخيرة من جولات التوسع.