العلاقات الاقتصادية الوثيقة مفتاح التعامل مع آسيا
يبدو أن العلاقات الاقتصادية والسياسية بين ألمانيا وآسيا ليست على ما يرام مع تركة ائتلاف الحمر-الخضر، حيث من الممكن أن يقود هذا إلى التعجّب من النظرة الأولى، إذ إن المستشار سافر في الأغلب مع رفقة كبيرة إلى الصين. ولكن لم ينتج عن زيارات شرويدر المعلن عنها ما هو في مصلحة الصناعة الألمانية. وكان التوجه ثابتاً لفتح الشركات الألمانية على مدخل أكبر سوق مستقبلية رابحة، وما فعله شرويدر في الصين كان له علاقة بطلبات الشراء أكثر من الأمور السياسية.
وسيكون على الحكومة الجديدة أن ترى ما إذا كانت هذه الإجراءات مناسبة في هذه الأثناء. والمناقشة التي تم طرحها خلال الأعوام الماضية حول نتائج نمو الصين والأوضاع الاقتصادية في غيرها من دول آسيا، تطرح الاتجاه القائل إن الألمان يزداد خوفهم من هجرة المزيد من فرص العمل المؤهّلة إلى آسيا، وهو الشيء الذي يُظهر أن العولمة تحقق حجماً من الاستقلالية المتنوعة بين دول الغرب الصناعية ودول الإنتاج الحديثة في الشرق الأقصى. وإذا حدث تراجع آخر في طلبات التصدير، فلن يتمكن المرء من تسوية الأمور بالشكل المطلوب. وما يحدث في آسيا الآن يتسبب في العديد من التأثيرات الكبيرة في ألمانيا أكثر مما كانت عليه الحال قبل عشرة أعوام.
وتتركز المصالح الألمانية في آسيا ضمن ثلاثة اتجاهات: الاتجاه الأول هو الاستقرار السياسي في الصين وغيرها من الدول، وهو الأمر الذي ساعد على الحصول على شركاء مهمين في التجارة. كما أن للصراعات والأزمات بالفعل تأثيراً مباشراً على الوضع الاقتصادي في ألمانيا، كما يظهر ذلك من خلال الأزمة المالية الآسيوية في نهاية التسعينيات. وبالنسبة للعديد من الشركات المتوسطة، تُعد الصين من أهم الأسواق، وأماكن الإنتاج المفضلة. وإذا حصل وضاعت هذه المحصّلة الجيدة نتيجة أزمة ما، فستعاني ألمانيا من تراجع في النمو، وارتفاع في الأسعار. وهناك مشاكل مثل المسألة التايوانية، والمنازعات على المقاطعات (البحر الصيني وجنوب الصين)، وكذلك التوتر في شبه الجزيرة الكورية، مما لا يسمح بعلاقات آسيوية داخلية قوية.
والتأثيرات متوسطة المدى ليست خاضعة للتقدير، حيث إن لها علاقة بنمو آسيا وتأثيره في أقاليم ودول العالم الأخرى بالإجمال، فاليوم تبرز دول مثل الصين أو الهند بطلب قوي جداً على الطاقة، وأسواق المواد الخام. وتركّز دول الخليج الغنية بالنفط جهودها على عقود تزويد طويلة المدى تستمر على مدار عشرات الأعوام. وبعد 20 أو 30 عاماً، عندما تقلّ قدرة النرويج وبحر الشمال على تغطية الحاجة النفطية الأوروبية، سوف تصبح آسيا من أقوى المنافسين في الشرق ضد الدول الأوروبية الصناعية. والدبلوماسيون الألمان، حسبما جاء خلال يوم خُصص للحديث حول النمو الصيني في مؤسسة كونراد أدنوار الألمانية، يعدون لدعم السيطرة في الخارج على الشركات والمصالح أولاً لضمان الحصول على المواد الخام.
ومن الأمور المتعلقة بذلك ابتعاد بكين عن العالم الثالث، حيث لديها القليل لتفعله فيما يخص التعاون الجنوبي-الجنوبي منذ الفترة التي كانت متأثرة بروح التكافل الاشتراكية ضد الاستعمار. ويجد اليوم القادة مثل موجابي زمبابوي، أو شافيز في فنزويلا دعماً في بكين، لأنهم يمتلكون ثروات طبيعية ثمينة. وهذا يزيد من تعقيد تحقيق الديمقراطية التي منذ هجمات الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) من عام 2001، أصبحت إحدى أهم استراتيجيات الغرب ضد انتشار التطرف في كل العالم. والسياسة الصينية لتأمين المصادر تؤدي إلى صدامات مباشرة مع المصالح الأمنية الأوروبية. وكان على الأوروبيين أن يعلموا، عندما امتنعت الصين عن الخوض بمسألة دور مجلس الأمن فيما يخص سلطات منظمة الطاقة الذرية الدولية حول برنامج إيران للطاقة الذرية، أن بكين استثمرت في إيران المليارات للتزود بالطاقة، حيث يتميز هذا التصرف بالاتزان، لأنه يُظهر عدم تورّط القيادة الصينية منذ سنوات في المسائل المتقلّبة.
وتستدعي مصالح ألمانيا الاقتصادية فحصاً عاماً للسياسة الألمانية إزاء هذه القارة، حيث أصبحت مظاهرها أكثر تنوعاً وعالمية، وأكثر مما يمكن أن تسمح به أوراق الاجتماعات وقمم الحكومات. والنشاط السياسي الخارجي لدى الجهات السياسية في برلين من المفترض أن يعاد التفكير فيه خلال الأعوام المقبلة إزاء المبدأ المطروح عن القارة المزدهرة. ومن الممكن أن يُبرز عاملان اثنان، حيث على ألمانيا في النهاية أن تثق بأن تتحدث عن جميع المسائل في بكين بصورة واضحة، وعامة، وصريحة. ويحتاج الدبلوماسيون الألمان مزيداً من العمل على شبكة الحلفاء في الإقليم، حيث يتم العمل معهم على أهداف سياسية مشتركة، ومتابعتها. واليابان كحليف وطيد لأمريكا منذ فترة تقدّم نفسها بقوة، وكذلك الهند التي نظراً لدستورها الديمقراطي، كان من الممكن أن تكون شريكاً مثالياً للغرب.
وبمجرد كلمات منمقة وجميلة، لن يصل المرء إلى مثل هذه البدايات. وبالتأكيد ستكلّف سياسة آسيا الفعّالة الكثير. ففي حالة ألمانيا، لن يتم سوى إدخال القليل إلى خزانة الدفاع. ولا بد أن يؤخذ في الحسبان تحقيق دخول أي من الدول الأوروبية خلال المستقبل القريب ضمن التزام عسكري متين مع آسيا، مثل الولايات المتحدة الأمريكية. وهنا تغيب الإرادة والمتطلبات السياسية. ولكن على كل حال، لا يوجد ظهور سياسي قوي دون مقابل.