المباني المهجورة تتحول إلى "بؤر فاسدة"..وخطرها يهدد حياة السكان
المباني المهجورة تتحول إلى "بؤر فاسدة"..وخطرها يهدد حياة السكان
ارتبطت الصورة الذهنية عن الأماكن المهجورة بـ"المنازل"، التي يتركها أهلها عادة لأسباب غامضة، إلا أنه من النادر "ذهنيا" أن تشمل "المهجورة" أماكن عامة كانت تعج بالحركة في أسواقها وأنحائها المتفرقة، لتتحول عبر الزمن إلى منطقة "سكون" تنام حاضرها وتبكي ماضيها.
25 سوقا عاما في مدينة الرياض أنشئت عبر فترات زمنية مختلفة وخاصة في حيي العريجاء وطويق بالتحديد، أصبحت خالية تماما ومهملة بل وتحولت إلى مأوى للعمالة المخالفة لنظام الإقامة وللمجرمين والمنحرفين سلوكيا.
وفي جولة لـ"الاقتصادية" في بعض هذه الأسواق الواقعة في حيي طويق والعريجاء، استطلعت واقع هذه الأماكن وتعرفت على قاطني الحيين الذين يستنجدون بالجهات الأمنية والمختصة لإيجاد حلول للمشكلات التي يواجهونها من خطر هذه المواقع وغيرها على أبنائهم وعلى أطفالهم وعلى أهل وسكان الحيين خاصة والرياض عامة.
يقول متعب الشيباني أحد سكان الحي المجاور للسوق، إن وضع هذا السوق المهجور أمام بيته منذ فترة طويلة تقارب أربع سنوات أو أكثر بهذا الشكل جعل منه مكانا خطيرا ومخيفا، ومناسبا للكثير من العمالة السائبة التي كانت تعيش فيه حتى قبل فترة قريبة.
وأضاف "إن هذا السوق أصبح الآن الأنسب لبعض المراهقين، يجتمعون حوله ويدخلونه بشكل لافت للنظر وخاصة في أواخر الليل"، مع عدم ملاحظته أي تصرفات على المجتمعين فيه، الأمر الذي يحول دون إبلاغه الجهات الأمنية بأمرهم، إلا أن الشكوك تنتابه بين الحين والآخر، وتتزايد تساؤلاته حول الهدف من هذه الاجتماعات في هذا المكان بالذات".
وأشار الشيباني إلى أنه منذ أكثر من عامين منع أبناءه من الخروج خارج المنزل في الأوقات المتأخرة من الليل، ابتداء من بعد صلاة العشاء مهما كانت الظروف، كونهم صغارا ويخشى عليهم، من مكان التجمع الذي كثيرا ما يؤرق القاطنين بالقرب منه.
أما مقعد الشيباني "أحد سكان الحي"، فيرى أن موقع السوق بشكله الحالي أثر كثيرا في سمعة المكان وفي الحي نفسه، في ظل ما يعانيه السوق من إهمال غريب.
وأضاف أن أهل الحي تحدثوا كثيرا للجهات المختصة عن خطورة هذا المكان وما يشكله من تهديد لهم بسبب المحال المهجورة، مطالبين بهدمها أو إزالتها أو الاستفادة منها بشكل أفضل، مضيفا: إلا أننا لم نر أي بوادر توحي بتغيير الوضع، وأن المكان أصبح مناسبا لعمال النظافة في وقت الصباح حيث يستريحون فيه، وفي الليل تكثر حوله بعض التجمعات الشبابية التي تثير كثيرا من التساؤلات حول اختيارهم لهذا المكان القذر.
وأشار بندر العتيبي "ساكن آخر" إلى أن موقع السوق بهذا الشكل أثر سلبا العقارات الواقعة بالقرب منه، حيث أدى إلى تدني أسعار تأجير الشقق وأسعار الأراضي والمنازل، مبينا أن هناك بعض السكان من اضطر إلى عرض منزله للبيع ولم يجد من يشتريه لأكثر من عام، نظرا لخطورة المكان.
وأبدى العتيبي انزعاجه من وجود هذا السواق في الحي، وقال: " للأسف إننا نعاني كثيرا بسبب هذا الأمر، فخطورة المكان باتت تهدد جمال البيئة، أما النفايات المتراكمة فحدث ولا حرج، وإبر المخدرات المنتشرة تبعث على الاشمئزاز، حيث تحول المكان إلى بؤرة للفساد والانحراف السلوكي من قبل الشبان والمراهقين، فضلا عن أنه أصبح مرتعا للمجرمين والعمالة المخالفة لنظام الإقامة.
وتساءل سعود القحطاني كيف يمكن أن يكون مثل هذه الأسواق المهجورة وسط الأحياء التابعة لأمانة مدينة الرياض بهذا الشكل والإهمال ونحن في العاصمة؟، العاصمة التي يجب أن تكون بنظافتها وجمالها مثالا يحتذى به في كل المدن؟
وأشار القحطاني إلى أن هناك أمام الجهات المختصة كثيرا من الحلول التي يمكنها أن تطور وتستفيد من هذا المكان أو أن تقوم بهدمه وإزالته بعد دراسة مستفيضة.
ويرى القحطاني أن فكرة إعادة تأهيل الأسواق المهجورة من جديد فكرة غير مجدية استثماريا بحكم فشلها، مقترحا تحويلها إلى حدائق عامة لتكون متنفسا مناسبا لسكان الحي، أو ساحات شبابية تقام فيها بعض المنافسات الرياضية، أو استغلال موقعها بما يعود على أهل الحي بالفائدة أيا كان ذلك.
في السياق ذاته أكد لـ"الاقتصادية" مصدر مسؤول في أمانة مدينة الرياض، أن الأمانة درست وضع هذه الأسواق البالغ عددها نحو 25 موقعا في عدد من الأحياء كحي العريجاء وحي طويق وغيرها، بحيث يتم إعادة تأهيلها من جميع النواحي لتصبح مواقع مفيدة لسكان الحي بدلا من الوضع الذي تعانيه في الوقت الحالي.
وأضاف المصدر أن الدراسة توصلت إلى تحديد نحو تسعة مواقع مناسبة منها لإدارة الحدائق وعمارة البيئة في الأمانة لتحويلها إلى ساحات بلدية وحدائق وهي مواقع جيدة لهذا الغرض، مشيرا إلى أن المواقع الـ17 الأخرى تم دراسة وضعها بحيث يعاد طرحها للاستثمار بعد أن يتم إزالتها لتكون مواقع مناسبة للاستثمار من خلال لإنشاء المدارس، ومعاهد للتدريب، وغيرها.
وأفاد المصدر أن المواقع الـ17 سيتم طرحها قريبا في منافسة عامة للجميع لإعادة استثمارها بشكل جيد ولكي يستفاد من وجودها داخل الأحياء، حيث يتوقع أن يكون موعد طرح هذه المواقع بعد إجازة عيد الفطر عن طريق الإعلان عنها من قبل الأمانة، مبينا أن المواقع التسعة الأخرى أصبحت من اختصاص إدارة الحدائق وعمارة البيئة في الأمانة التي على وشك تحويلها إلى ساحات بلدية مناسبة كما تراها هي، أو إلى حدائق عامة يستفيد منها سكان هذه الأحياء.
وأبان المصدر أن تدهور وضع هذه الأسواق جاء بعد قرار السماح بفتح الأسواق والمحال التجارية على الشوارع العامة الذي كان ممنوعا في هذه الأحياء في تلك الفترة، الأمر الذي جعل وضع هذه الأسواق بالشكل التي هي عليه الآن، حيث كان الهدف من إنشائها في ذلك الوقت خدمة سكان هذه الأحياء، لافتا إلى أن توجه الأمانة لدراسة وضع هذه الأسواق جاء بعد كثرة الشكاوى التي وصلت إليها من قبل أصحابها الذين تعرضوا لخسائر كبيرة، مشيرا إلى أن الأمانة قامت بتعويض هؤلاء وتسلم المواقع منهم ليتم إعادة النظر في وضعها، كما أن كثرة المطالبات التي وردت إلى الأمانة من قبل البلديات الفرعية التي تدعو إلى تغيير مستوى هذه الأسواق، أو هدمها وطرحها للاستثمار من جديد، أو استخدامها بشكل أكثر ملاءمة بخلاف وضعها الحالي ساهم بشكل كبير في أخذ الموضوع بجدية وإعداد دراسة شاملة لوضعها الذي سيتغير قريبا.