القيم الإنسانية المشتركة

القيم الإنسانية المشتركة

دعوة خادم الحرمين الشريفين إلى الحوار العالمي هدفها التعايش السلمي والتعاون والتفاهم بأسلوب حضاري مبني على الاحترام المتبادل بين الأمم وهي دعوة مستمدة من القيم الإنسانية للدين الإسلامي السمح.
حيث إن جذور الحوار الإنساني تمتد من القرآن الكريم والسنة المطهرة والسيرة الفيحاء إلى عهد الخلفاء الراشدين، ثم إلى ما تلاه من عهود وعصور، وإذا لم يكن بد من الإشارة إلى بعض تجليات هذا المبدأ الكريم في حياة المسلمين، فلنقتصر لضيق المقام على التذكير بالحوار الذي أسّسه النبي صلى الله عليه وسلم مع مختلف الأطراف التي كانت مباينة للإسلام.. حيث أبرم اتفاقية مع اليهود في المدينة وهي (وثيقة المدينة) التي شهد العلماء والمؤرخون الأجانب بأنها أول دستور في العلاقات الإنسانية من نوعها، كما عقد مع النصارى عهد الأمان، وأما المشركون وغيرهم فنزلت الآية الكريمة التي تنظم العلاقات مهم في قوله تعالى: (لكم دينكم ولي دين) سورة الكافرون الآية 6.
وقد دعا الإسلام إلى التعارف ونبذ الفرقة والصدام (قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء).. وقال : (يا أيها الناس إنّا خلقناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم).. وعليه فإن أمم وحضارات الأرض تلتقي كلها حول قيم مشتركة مثل الحرية والحق الإنساني والمحبة والكرامة والعدل والمساواة، وتعزيز روابط الأسرة ومكارم الأخلاق في المجتمعات الإنسانية ومحاربة المفاسد الأخلاقية والاجتماعية.
وانطلاقاً من هذه الأسس السماوية يمكن أن نقول إن الإسلام دين الحوار مع كافة الأطراف المباينة له إذا قبلت هذه الأطراف هذا المبدأ وعملت به، وفي عصرنا الرّاهن تعالت أصوات داعية إلى صدام الحضارات والحروب الدينية والحضارية وسارع دعاة الشرّ والجريمة إلى إيقاد نيرانها بالهجوم على البلدان المستضعفة، وإثارة الأحقاد وتشويه صورة الإسلام والافتراء على نبيه الكريم والإساءة إلى مقدّسات المسلمين.. وقد فطن عقلاء الإنسانية إلى تطويق هذا الخطر المحدق بمستقبلها والعمل بإخلاص على تغليب صوت الحكمة والعقل والمنطق، وأن الحل يكمن في دعم الحوار بين الأديان والثقافات لسدّ الطرق على كل من يسعى في الأرض فساداً ليؤجج نيران الحروب والصراع بين الأمم والحضارات.
ومن مصلحة الإنسانية أن يتم تضييق هوة الخلافات بدعم الائتلاف القيمي والأخلاقي الذي ينبع من الفطرة الإنسانية، بالعمل الجاد للحد من إمكانات الصراع، مما سيؤدي إلى الضغط على الدول المهيمنة حتى ترضخ لقرارات الحكماء، عندها تصبح هذه الروح الحوارية السليمة طابع حياة الشعوب والدول في علاقاتها المتبادلة. ولذلك فإن مؤتمر مدريد برعاية المملكة حقق نتائج إيجابية وجمع بين الثقافات والأديان المختلفة تحت سقف واحد وهذا إنجاز بحد ذاته.. ورسالة واضحة للعالم بأن الإسلام هو دين السلام والحوار وثقافة التسامح والتعاون واحترام الآخر، كما قاد في هذا الاتجاه زمام المبادرة بدعوة الأمم والشعوب إلى التعايش والتعاون على إعمار الأرض وتعزيز القيم الإنسانية والمحافظة على البيئة المشتركة، وذلك رد واضح على الأصوات النشاز القائلة إننا لم نقدم للإنسانية أي منجز حضاري في أي حقل من حقول الإبداع والاختراع في العصر الراهن، وإننا نعيش وننعم بما تنتجه عقول الغرب الأدنى والشرق الأقصى من علوم وصناعة وإبداع حديث في جميع المجالات.
مملكة الإنسانية بدأت الخطوة الأولى في الاتجاه الصحيح نحو إبراز الجوانب المشرقة لرسالتنا السامية للعالم، والمطلوب هو الاستمرار في هذا الطريق لتحقيق الأهداف الإنسانية النبيلة والعمل على تفعيل إعلان مدريد والتوصيات الصادرة عن المؤتمر، وبذلك نكون قد خطونا الخطوة الثانية نحو أنسنة جانب مهم من الحضارة العالمية.
هذه هي رسالة مؤتمر الحوار بين الأديان الذي عقد أخيراً في مدريد، وهي رسالة الإسلام دين المحبة والتعايش المشترك والتسامح والحوار واحترام الآخر والسلام.

الأكثر قراءة