تداخل مالي هائل يعيق مسيرة الإصلاح في ألمانيا

تداخل مالي هائل يعيق مسيرة الإصلاح في ألمانيا

إن التحول إلى ائتلاف كبير في الحكومة الاتحادية يحرك الآمال من جديد بإصلاح النظام الفيدرالي الألماني. وكانت المحاولة الأخيرة عبر الأحزاب والولايات من أجل فك ارتباط الاختصاصات فشلت قبل أقل من سنة. ولا يتوجب على المرء فعلاً أن يحزن لذلك، حيث إن المفاوضين من الولايات الألمانية والحكومة الاتحادية وضعوا الناحية الأكثر حاجة للإصلاح جانباً. ويتوقع التحرك من جديد من جانب رئيس وزراء ولاية با?اريا ورئيس الحزب المسيحي الاجتماعي، أدموند شتويبر، ورئيس الحزب الديمقراطي الاشتراكي، مونتي فيرينج. وبخصوص الاختصاصات المالية المتداخلة، فإنه لم يتم التباحث التفصيلي حولها على الرغم من أنها تدفع بالدين الحكومي إلى الأمام، وتبطئ سرعة الإصلاح, كما تلحق بالمقاطعات أضرارا كبيرة
وتلحق بالولايات بالفعل أضعاف الأضرار. وطبقاً للدستور، فإن الحكومة الاتحادية والولايات الاتحادية تعمل بشكل مستقل في سياسة الموازنة الخاصة بها ، ولا علاقة لها ببعضها البعض في هذا الشأن. وحقيقة الأمر أنه لا يمكن لحكومات الولايات ولو لمرة واحدة أن تحدد نفقاتها بالضبط، لأن الكثير من المهام والواجبات ممولة جماعياً. وأسوأ من ذلك وجود السلاسل المعقدة على جبهة الإيرادات، حيث الجزء الكبير من القوانين الضريبية يتوجب الموافقة عليها بشكل جماعي. وسوف يصيب المقاطعات الاتحادية ضرر بشكل أكثر حدة من الحكومة الاتحادية – حتى ولو أن الأمر يتعلق بضرائب الولايات مثل ضريبة الثروة والتركة، إذ لا يسمح لها باتخاذ القرار بهذا الشأن. وإن الدستور يعترف للحكومة الاتحادية هنا بامتياز من أجل تأمين تشريع موحّد.
وطالما أن الحكومة الاتحادية لا تستغني عن مثل هذا الحق، لذا تظل أيادي الولايات الألمانية مكبلة. وفي الوقت نفسه تسعى تسوية مالية شاملة بألاّ يتمكن أي طرف حكومي ألا يكون له أي مصلحة خاصة عند سن قوانين ضريبية خاصة به. فلماذا ينبغي على الحكومة أن تقدم على مخاطرة سياسية، وإثقال مواطنيها ضريبياً بالرغم من وجود الإيرادات الزائدة في أجزاء الدولة كافة؟ وإلى جانب ذلك يأتي الالتزام التضامني، حيث الولايات التي توازن موازناتها المالية بالتوسع في القروض، يجب أن تخشى فرض العقوبات عليها. وطبقاً لأحكام القضاء الحالي للمحكمة الدستورية الاتحادية، يجب على الحكومة الاتحادية تحميلها مسؤولية الديون، وإلا يصبح الوضع في مأمن من الخطر. والواقع أن الولايتين الاتحاديتين سارلاند وبريمن حصلتا لسنين طويلة على مليارات من الحكومة الاتحادية من أجل إعادة تأهيل أوضاعهما المالية، ولكن ولاية بريمن لم تستغل المساعدة من أجل تسديد الديون، بل أنفقتها في استثمارات غير مجدية. ولدى هذه الولاية بناءاً على ذلك الدين الأعلى لكل نسمة.
كما أن برلين تطرق أبواب نفقات الحكومة الاتحادية، مع أن وضعها منذ مدة طويلة ليس أفضل بكثير من الولايات الأخرى. وهكذا نجد كل طرف يلزم الآخر بالضمانات عندما يكون الدين الجديد أكثر مما هو مخطط له. وكان وزير المالية الاتحادي هانز أيشل اشتكى على الولايات التي تمنعه من شطب المعونات الضريبية.
وتشير الولايات الألمانية والبلديات بالأصبع إلى الحكومة الاتحادية، حيث إن الضعف الأهم هنا يكمن بالنظام الفيدرالي الألماني، الذي يدركه المسؤولون المعنيون جيداً.
الجديد في الأمر هو أن أصواتاً سياسية ذات ثقل تطالب مرة أخرى بإصلاح هذه الأحوال السيئة. كما أن إصلاحاً للنظام الفيدرالي يتوجب عليه أيضاً أن يشمل بالذات الأحوال المالية، كما طالب رئيس وزراء ولاية شمال الراين وستفاليا، يورغن روتجر الذي ينتمي للحزب الديمقراطي المسيحي، إلا أن مونتي فيرينج من الحزب الديمقراطي الاشتراكي يبدو ليس راغباً في ذلك. وهنالك الكثير من المقترحات الجيدة التي تعمل على تحسين الأحوال المالية.
وظهر قبل فترة وجيزة تقرير لافت للانتباه عن المجلس الاستشاري العلمي لمجلس الاقتصاد الاتحادي الذي يرأسه الاقتصادي أكسل بور، سوبان. ويؤكد المجلس ما يسمى ( فيدرالية محدودة المسؤولية)، ويتضمن تقريره اقتراحاً يحتوي على عنصرين هما ضمان الحكومة الاتحادية لديون الولايات الألمانية، بحيث يتم تحديدها عبر خطط واضحة ذات مصداقية. وإذا نجح ذلك، فإن الولايات تتحمل نتائج القروض المثقلة بالدين لأنه يتوجب عليها تحمل الصدمة في الأسواق المالية. أما العنصر الثاني، فهو أن للولايات والبلديات الحق في حجم معين من زيادة الضرائب على المستوى الاتحادي مع الاحتفاظ بالايرادات المجنية.
لهذا المشروع جاذبيته السياسية لأنه لا توجد جهة يطلب منها أكثر من طاقتها، ولا جهة تتحمل مسؤولية الغالبية. كما لا تشترط الخطة طريقة حياة جديدة للولايات، ولا تتطلب فصل مصادر الضرائب بين الحكومة الاتحادية والولايات. وعلى أية حال، فإن الفكرة تستهدف تعزيز السيادة المالية للولايات والبلديات. وهذا يصب في مصلحة المواطنين ليتمكنوا من تكوين رأي أفضل حول أداء حكومة ولايتهم في حالة وجود ارتباط واضح ما بين الضرائب المطلوبة والواجبات والمهام الممولة. ويصبح التعامل الجيد والسيئ للحكومة في السياسة المالية قابلاً للمقارنة، حيث أن الشفافية هي أم المنافسة، بحيث يمكنها أن تؤثر بشكل إيجابي مشابه، كما هي الحال في السياسة التعليمية.
ومنذ ظهور دراسة بيزا الدولية التي أبرزت اختلافات كبيرة في نوعية التعليم، حيث أطلقت سباقاً مثمراً بين الولايات في هذا المجال. ويأتي هنا جزء من التفاؤل بأن يؤمل من الائتلاف الكبير تلمس نجاحات كان أسلافهم في سنوات الستينيات الماضية أخفقوا في تحقيقها.

جبل الديون

ويمكن القول بصورة عامة إن تضييق الخناق الخاص بالسياسة المالية يرجع إلى الإصلاح الذي تقرر في ذلك الوقت حول السياسة المالية، وإن الوهم حينذاك بتحريك الوضع الاقتصادي من خلال نفقات عامة وضع الأساس لجبل من الديون. ويجب على الائتلاف الثاني الكبير أن يخاطر ويعمل على تصحيح أخطاء أسلافهم. وإذا نجح في ذلك، فإن الإصلاحيين مستقبلاً في ألمانيا سيكون من السهل عليهم على المستويات كافة، مواكبة التغير السريع في كل أنحاء العالم والتكيف معه.

الأكثر قراءة