هذه الأموال يمكن أن تذهب إلى البحرين ولكننا نحب أن تأتي إلى لندن

هذه الأموال يمكن أن تذهب إلى البحرين ولكننا نحب أن تأتي إلى لندن

في إحدى أمسيات عام 2006، ابتعد المتداولون الماليون في لندن عن البارات الحافلة بشتى أصناف النبيذ وتوجهوا إلى إحدى الغرف التي غطت أرضيتها مفارش السفرة البيضاء والخالية من أي نوع من الكحول. فقد كان حي المال يقيم حفل إفطار رمضاني، وقد تم تحويل جزء من مانشيه هاوس الذي يستخدم عادة لعقد الاجتماعات مع وزراء المالية إلى غرفة للصلاة في تلك الليلة.

تسعى لندن إلى ترسيخ نفسها كمركز للتمويل الإسلامي، حيث تم التعبير عن هذا الهدف صراحة من قبل جوردون براون وزير المالية آنذاك الذي تحدث في ذلك العام عن طموحه في جعل المملكة المتحدة" المركز العالمي" لهذا القطاع.
وبعد نحو عامين من ذلك الخطاب، قطع حي المال اللندني شوطاً جيداً ليصبح مركزاً مزدهراً للتمويل الإسلامي، فهناك أربعة بنوك إسلامية مرخصة تقدم خدماتها بالجملة في هذا المجال وهي البنوك الوحيدة في الاتحاد الأوروبي، و21 بنكاً تقليدياً تقدم خدمات مصرفية إسلامية.
وقد سمحت بورصة لندن لـ 16 من الصكوك أو السندات الإسلامية بالإدراج في أسواقها حيث تمكنت من جمع 5.5 مليار جنيه استرليني (10.8 مليار دولار). وأصدرت شركة تبريد الإماراتية أول صكوك يتم إدراجها في بورصة لندن بقيمة 109 ملايين جنيه استرليني في شهر تموز (يوليو) 2006. وسجلت البحرين أول صكوك سيادية في لندن بمبلغ 176 مليون جنيه استرليني في شهر آذار(مارس) من هذا العام.
وقال همفري بيرسي، رئيس بنك لندن والشرق الأوسط الذي تم الترخيص له بالعمل في العام الماضي:" إذا أردت أن تتحدث لأي شخص عن التمويل الإسلامي وأنت لست في منطقة الشرق الأوسط أو الشرق الأقصى، فتعال إلى لندن".
وأضاف "إنها في موقع جغرافي مناسب للتعامل مع آسيا والشرق الأوسط، وفيها الكثير من المواهب وتركز لشتى أنواع الأسواق – من بورصة الأسهم إلى أسواق العقود الآجلة، وأسواق المعادن والنفط. كما أن نظام التمويل الإسلامي يحظى بدعم الحكومة وبنك إنجلترا المركزي".
وقد اشتملت قوانين التمويل التي صدرت في الأعوام الخمسة الماضية على قوانين تحاول التأكد من عدم تعرض العمليات التي تتم وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية لضرائب الطوابع المتعددة أوعدم استحقاقها للإعفاءات الضريبية التي تمنح لأنواع معينة من الفائدة في المملكة المتحدة.
وتعطي الحكومة البريطانية سببين لحماسها لنظام التمويل الإسلامي تتعلق بالمساعدة في اندماج الجالية المسلمة وعددها مليونا شخص وللمحافظة على مكانة لندن كمركز عالمي للأعمال.
وذكر ريتشارد توماس رئيس المجلس الاستشاري الحكومي لشؤون التمويل الإسلامي:"إن هذه ليست لفتة تنم عن إيثار (للمستثمرين المسلمين)، بل هي طريقة للإبقاء على لندن في المقدمة". "إن هذا المجال ينمو بسرعة وهذه البنوك الجديدة تجلب النشاط إلى المملكة المتحدة، إن هذه الأموال يمكن أن تذهب إلى البحرين، ولكننا نحب أن تأتي إلى لندن".
وتنمو أصول المصرفية الإسلامية بمعدل يقل قليلاً عن 20 في المائة، وفقاً لوكالة موديز للتصنيف. على أن هذا القطاع لا يشكل إلا نسبة 1 في المائة من الأصول المصرفية العالمية.
ولم تواجه لندن حتى الآن إلا منافسة قليلة في مسعاها كي تصبح مركز الغرب للتمويل الإسلامي. فمدينة نيويورك التي تعتبر المنافس الوحيد الممكن لها تواجه صعوبة بسبب موقعها الجغرافي البعيد وما زالت مترددة بشأن هذا القطاع بعد هجمات 11 سبتمبر 2001 الإرهابية.
ولكن ما زال هناك الكثير مما ينبغي عمله أمام المملكة المتحدة، إذ إن بعض العمليات التي تتم وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية تخضع لضريبة القيمة المضافة أكثر من المعاملات التقليدية الموازية لها، ولكن هذه الناحية التشريعية عامة في سائر أنحاء الاتحاد الأوروبي ويصعب تعديلها.
ويطالب التنفيذيون العاملون في حي المال بأن تصدر المملكة المتحدة صكوكا سيادية كبديل للسندات الحكومية – وهناك اعتقاد بأن يتم الإعلان عن هذه الخطوة في قانون التمويل الذي سيصدر في العام المقبل.
ولا تستطيع المملكة المتحدة أن تفاخر حتى الآن بأن قطاع التمويل الإسلامي فيها بمستوى نضج وتطور نظيره في ماليزيا أو البحرين اللتين كثيرا ما تعتبران رائدتين في هذا المجال، ولكنهما أحرزتا تقدماً يثير الإعجاب في مدة لا تتجاوز بضعة سنوات.

الأكثر قراءة