لجان فض منازعات التأمين

لجان فض منازعات التأمين

يعد تشكيل لجنة الفصل في المنازعات والمخالفات التأمينية الذي أُعلن عنه قبل أيام هو التشكيل الثاني لهذه اللجنة التي صدر بشأنها قرار مجلس الوزراء رقم 71 وتاريخ 16/3/1426هـ، ودون أدنى شك فإن إنشاء هذه اللجنة جاء نتيجة للتطورات التي تعيشها صناعة التأمين في المملكة، ذلك أن إيجاد جهة فاعلة لحسم منازعات التأمين يعد بمثابة صمام أمان للحقوق الناشئة عن ممارسات التأمين في المملكة.
كما أنه سيكون لهذه الجهة دور كبير في ضبط العلاقات الناشئة عن التأمين، هذا إضافة إلى أن إنشاء هذه اللجنة وإعادة تشكيلها على غرار ما هو موجود في المنطقتين الشرقية والغربية يأتي تطبيقاً للمادة الـ 20 من نظام مراقبة شركات التأمين التعاوني الصادر عام 1424 هـ، حيث تقضي هذه المادة بتشكيل لجنة أو أكثر بموجب قرار من مجلس الوزراء بناء على توصية من وزير المالية، وذلك للفصل في النزاعات التي تنشأ بين شركات التأمين وعملائها، وكذلك الفصل بين شركات التأمين وغيرها في حالة حلولها محل المؤمن له، والفصل كذلك في مخالفة التعليمات الرقابية والإشرافية لشركات التأمين وإعادة التأمين وفي مخالفات مزاولي المهن الحرة.
ولذلك فإن هذا التشكيل يأتي تفعيلاً لعمل اللجنة التي أنهت دورتها السابقة، ولكن وللأسف الشديد دون إنجاز يذكر ولم تقم هذه اللجنة بتشكيلها السابق بأية إضافة تذكر إلى قضاء التأمين في المملكة، وحتى أكون أكثر صراحة فإن شكاوى شركات التأمين والمهتمين بالتأمين والمستفيدين منه كذلك قد ترددت في أكثر من محفل وفي أكثر من مناسبة، وكانت هذه الشكاوى تتمحور في جزء كبير منها حول عدم فهم اللجنة قواعد التأمين وخصوصيتها القانونية التي لا تتوافر حتى عند من أتقن علم القانون وتطبيقاته، ذلك أن قانون التأمين اختط له خطاً مغايراً واستثنائيا بحيث لا يمكن قياس القواعد القانونية العادية عليه، بل إنه يتعارض مع كثير منها إعمالاً لمبادئ لا توجد تطبيقاتها القانونية إلا في قانون التأمين وأعرافه.
وأذكر إحدى الطرف القانونية حيث كنت أعمل محكما في قضية تأمينية وكان أحد أعضاء هيئة التحكيم وهو قانوني متمرس أراد الحكم بإلزام شركة التأمين بدفع التعويض لأحد عملاء هذه الشركة رغم أن هناك دلائل قاطعة على عدم أحقية هذا العميل للتعويض لأنه تعمد إحداث الضرر بمشروعه التجاري كي يحصل على التعويض، فما كان من هذا الزميل إلا أن قال: "طالما أن العميل دفع القسط كاملاً ودون نقصان فإن الشركة تلتزم بالتعويض قياساً على عقد البيع فطالما أن المشتري دفع الثمن فإن البائع ملتزم بتسليم المبيع"، فلكم أن تتخيلوا بعد ذلك النتيجة الكارثية التي سيقود إليها تطبيق القواعد القانونية العامة على التأمين وصناعته وفق مفهوم هذا الزميل للقواعد القانونية التي درسها وفق علم القانون وهو معذور في ذلك!.
المشكلة الأخرى التي يجب أن ندركها هي أن شركات التأمين التي ستكون عرضة لقرارات لجان التأمين لدينا هي في واقع الأمر شركات مرتبطة بشركات إعادة تأمين عالمية وستكون هناك إشكالات كبيرة بين شركات التأمين وشركات إعادة التأمين، وذلك في حالة عدم انسجام هذه القرارات التي تصدرها اللجان مع القواعد القانونية والمنطقية المتعارف عليها في صناعة التأمين في العالم، لأن شركات إعادة التأمين في الغالب من يقوم بصياغة كثير من نصوص الوثيقة التي تقدمها شركة التأمين لعملائها وهي أيضاً من يدفع في نهاية المطاف وهي التي ستتسلم النسخة النهائية من أي قرار يصدر من هذه اللجان.
وستجد شركات التأمين لدينا صعوبة في إقناع شركات إعادة التأمين بدفع التعويض أو بقبول إعادة التأمين على عملياتها التأمينية مرة أخرى وربما قد يصل الأمر إلى أن تقبل هذه الشركات بإعادة التأمين ولكن مع رفع مبلغ قسط إعادة التأمين وفقا لنظرية الخطر المعمول بها بالتأمين، وأكثر تحديدا ستقوم هذه الشركات بزيادة مؤشر (الخطر القانوني) لديها مما يؤدي بدوره إلى رفع مبلغ قسط إعادة التأمين الذي تدفعه الشركات المحلية لها ومن ثم تقوم هذه الشركات المحلية في نهاية المطاف بنقل هذه التكلفة أو هذه الزيادة إلى المستفيد من التأمين عن طريق زيادة القسط التأميني عليه وهذا المستفيد هو المواطن، أي أننا نحن في النهاية من سيدفع الخطر الناشئ عن عمل هذه اللجان. للحديث بقية.

[email protected]
أكاديمي وباحث في مجال التأمين

الأكثر قراءة