غرامة التأخير التي تفرضها المصارف الإسلامية... هل هي مشروعة؟

غرامة التأخير التي تفرضها المصارف الإسلامية... هل هي مشروعة؟

كما هو معلوم أن المصارف التي تقدم المعاملات المتوافقة مع الشريعة تقدم أنواعا كثيرة من العقود التي يكون فيها السداد آجلا من قبل المستفيدين ونحن نعلم أنه ومن خلال تعامل تلك المصارف مع عدد كبير من العملاء يختلفون في مدى اهتمامهم والتزامهم بما عليهم من ديون ففي الوقت الذي تجد أن كثيرا من العملاء يلتزم بالسداد في الوقت دون تأخير نجد أن بعضا لا يأبه بالالتزام بذلك فمتى ما كان لديه إمكانية ألا يسدد فإنه لا يلتزم ولذلك نجد أن المصرفية التقليدية تلجأ إلى الزيادة في قيمة القرض نتيجة للتأخير حسب العقد المتفق عليه بينها وبين العميل وهذا النوع من الغرامة يطلق عليه العلماء ربا الإضعاف المضاعفة وهو الذي يقول فيه المقرض للمقترض أما أن تقضي أو تربي وهو الذي وصف في القران بقوله تعالى (ياأيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا إضعافا مضاعفة) ويعتبره العلماء من أسوأ أنواع الربا وأشدها حرمة عند الله سبحانه.
أما فيما يتعلق بالمصارف الإسلامية فنجد أنها ومنذ فترة تعاني من عدم وجود آلية لديها لتعاقب الذي يتأخر في سداد ما عليه من إقساط أو ديون سواء كان ذلك ناتجا عن عقد مرابحة أو تورق أو عقد بطاقة ائتمانية، مع العلم أن هذا قد يتسبب في الإضرار بالمصرف إذ إنه يفوت عليه فرصة تمويل أفراد آخرين والحصول على أرباح منهم ، وبغض النظر فإن المماطلة في سداد الديون أمر تحرمه الشريعة الإسلامية ، وقد قال المصطفى صلى الله وسلم: (لي الواجد ظلم يحل عرضه وعقوبته) وقال أيضا: (مطل الغني ظلم فإذا اتبع أحدكم على مليء فليتبع).
فكما ترى أن المماطلة تبرر معاقبة المماطل ، ولكن ينبغي لنا أن نتساءل هل الآلية التي تمارسها المصارف اليوم جائزة شرعا ، وهل هي تحقق العقوبة العادلة للعميل المماطل؟
لا بد أن نعلم أن الشرع يفرق بين نوعين من الأفراد الذين لا يلتزمون بالسداد:
فالنوع الأول: مماطل ليس لديه أي رغبة في السداد حتى وإن كان يملك المال الذي يستطيع أن يقضي به دينه.
النوع الثاني: شخص غير مماطل ولكن ليس لديه القدرة على السداد في الوقت الحاضر لظروف استثنائية تمر به مثل الفصل من العمل أو خسارة كبيرة في تجارته أو أي سبب آخر.
فالنوع الأول لا شك أنه ينطبق عليه ما سبق من استحقاق العقوبة ، ولكن النوع الثاني يختلف تماما حيث إن الله تعالى قال فيهم: (وان كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة) ، فالأمر هنا يتطلب الصبر وعدم تغريمه.
المسألة الثانية: هل يمكن القول إن للمصرف المطالبة بعقوبة مالية؟
وهذه المسألة قد اختلف فيها الفقهاء وذلك لأنه في الأصل لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه حتى وإن قلنا إن هذه الأموال تصرف في المؤسسات الخيرية ، ثم إن كثيرا من الفقهاء قد لا يحبذ العقوبة المالية التي قد تدفع إلى المؤسسة المالية لأنه قد يكون فيها وجه شبه بالربا.
المسألة الثالثة: هل يجوز للمصرف أن يحدد بنفسه الغرامة التي يستحقها العميل المماطل ، إذ أن العقوبات في الأصل لا بد أن تصدر من جهات قضائية وليس لطرف أن يفرض العقوبة التي يراها ، حيث إن المصرف هنا يعتبر طرفا في القضية.
هذا وإن كان من المتفق عليه أنه لا بد أن يكون هناك ما يحفظ المصرف من المماطلين إذ إن هذا يؤثر في مسيرة المصرفية الإسلامية ونجاحها ، وهو أضرار بحق المستثمرين في هذه المصارف وهي أموال محترمة شرعا ، ولذلك كان لا بد أن يكون هناك تشريعات تحفظ حقوق المصارف والعملاء دون أن تتخذ المصارف إجراءات داخلية قد تخالف الشريعة وتضر بالمستفيدين أو المصارف.

متخصص في التمويل الإسلامي
جامعة الملك فهد للبترول والمعادن

E-mail: [email protected]

الأكثر قراءة