شاعر المعنى.. نهاية مشرقة تبشر بمسابقات سعودية "محترمة"
اختتم الاثنين الماضي برنامج "شاعر المعنى" موسمه الأول بنجاح كبير، بعد أن حصد متابعة جماهيرية على مستوى السعودية والخليج، ولعلنا نذكر هنا أن هذا النجاح لم يكن متوقعا من قبل الكثير من المراقبين، لعدة عوامل سنبرزها لاحقا، قبل ذلك وإحقاقا للحق وإبرازا للجهود التي لم تجد ذراعا إعلامية تسند وجودها وتكرس العمل الذي تم في أبها.
وبعيدا عن أي حسابات غير "شعرية"، أثبت البرنامج وإدارته والقائمون عليه أنهم على قدر كبير من الإنصاف للشعر وأهله ومشاهديه، وما فوز المتسابق القطري على منافسيه السعوديين بالتصويت، إلا دلالة على هذا الإنصاف واضح المعالم، رغم الهجمات الشرسة التي تعرضت لها المسابقة من قبل جهات غير رسمية محسوبة على منافسين من برامج ومسابقات أخرى، وتعاملوا مع المواقف المفتعلة لإفشال البرنامج منذ بدايته بعقلانية قادت المسابقة إلى النجاح كما اتضح للجميع في الحلقات الأخيرة منه.
آلية مختلفة
ربما كانت مسابقة "شاعر المعنى" قد ظهرت ضمن إطار برامج المسابقات الشعرية، إلا أن الفكرة كانت مغايرة تماما للسائد وغير مقلدة حتى لو اختلف الكثيرون على هذه النقطة، فتخصص البرنامج بشعر المحاورة فقط وآلية التنفيذ التي تعتمد على الارتجال في الحلقات التي تبث على الهواء مباشرة يعتبر من أهم الأساسيات التي تنفي صفة التشابه مع أحد، وهذا لا ينفي وجود أخطاء لم تؤثر في هذا النجاح، ومن هذه الأخطاء التي وقع فيها القائمون على البرنامج تحديد المشاركين في المسابقة بـ 48 شاعرا، وهو أمر يثير الالتباس لدى المشاهدين في مسألة التشابه مع برامج أخرى، "ليش يعني 48 بالذات"! خلوها 49.. 52.. 38 يا إخوان بس ليش 48!
رغم ذلك ينبغي لأي متابع منصف أن يذكر الآلية المختلفة والجديدة في طرح المسابقات الشعرية التي حضر بها "شاعر المعنى"، ولو من خلال الأسبقية في طرح مسابقة خاصة بشعر المحاورة التي يتمتع بجماهيرية عريضة على مستوى الخليج العربي وليس في السعودية فقط.
لجنة التحكيم
بذكاء كبير قدم القائمون على البرنامج ثلاثة أسماء شعرية "فخمة" الأسماء والعطاء، ومن الثقات في عالم شعر المحاورة، وهم الثلاثي: رشيد الزلامي، فيصل الرياحي، وسلطان الهاجري.
الشعراء الثلاثة أضافوا جوا كبيرا من الارتياح على المشاركين والمشاهدين، فقد كانت آراؤهم مقنعة للكثيرين، وتقييمهم منطقيا لمشاركات الشعراء "الارتجالية"، وكان حضورهم الذهني متقدا مهد لهم سرعة البديهة للتجاوب مع المفاجآت التي يقدمها الشعراء في مشاركاتهم، وإعطاء رأي يتفق عليه الأغلبية إن لم يكن الكل.
نجاح لجنة التحكيم والرضا العام الذي كسبه أعضاؤها كان أحد العوامل المهمة التي أسس عليها نجاح البرنامج في مراحله النهائية، وهو الخطأ الذي وقعت فيه مسابقات أخرى ولم يستطع العامل التسويقي أن يصلحه.
الجوانب الفنية
تعتبر الجوانب الفنية التي يقدمها فريق العمل التلفزيوني للمسابقة أحد عوامل النجاح المهمة، رغم الملاحظات التي أبداها بعض المشاهدين حول شريط الشات على شاشات قناتي الساحة الأولى والثانية، وارتباك الصوت أحيانا في النقل المباشر للحلقات، إلا أن ذلك لا يلغي الأفكار المبتكرة التي قدمها طاقم العمل، وتميز المذيع المتألق عبد العزيز القحطاني في تقديم المسابقة ونقل الحلقات بطريقة رائعة، وهو ابن البيئة الذي يفهم الشعر ويعي كلمات الشعراء وفتلهم ونقضهم, فلم تغب عنه كما غابت كثيرا عن مذيعين من جنسيات عربية في مسابقات أخرى!
زبدة الهرج: نيشان
العمل المؤسسي المتقن يصل إلى النجاح حتما، والمدن السعودية قادرة على التوهج ببرامج مماثلة كالتي استضافته أبها، واستقطب آلاف المشاهدين السعوديين ممن كانت عيونهم "مزغللة" على قنوات غير سعودية!
البيئة السعودية غنية بثقافتها الخاصة التي تستحق أن تعمم، نحتاج فعلا إلى برامج تعمم ثقافتنا وتنشرها على أبنائنا قبل الآخرين، طاقات كبيرة موجودة تحتاج إلى من يفعلها ويقدمها إلى نفسها بشكل أجمل، وتحتاج أكثر إلى أشخاص "فعالين" مؤمنين بهذه الرؤية للتقدم الدائم.