منصب المستشار في ظل الائتلاف المتوازن بالغ الحرج
إن المستشار الاتحادي سيد في منصبه طوال فترة التفويض حسبما أكدته قبل فترة وجيزة المحكمة الدستورية، حيث أكدت على المكانة المميزة والبارزة "للمستشار الاتحادي في نظام الحكومة البرلماني لألمانيا". وهذا ما يعلله قضاة كارلزروهه بحقه في طرح الثقة. وفي حقيقة الأمر إن المحكمة زادت من سلطات المستشار بالتعاون مع البوندستاج (مجلس النواب الاتحادي) والرئيس الألماني الاتحادي. واستهدفت المحكمة الوصول إلى حكومة تكون ذات قدرة على العمل مع التمتع بأغلبية ثابتة . وإن القدرة على التعامل تعني أن المستشار الاتحادي "من خلال الإرادة السياسية، مخول بتوجيه السياسة وتحمل المسؤولية عن ذلك".
ماذا تعني هذه الكلمات؟ وماذا تعني تعليمات وتوجيهات الاختصاصات المنصوص عليها في الدستور، بالنسبة لأنجيلا ميركل التي يتوجب عليها البت بالانقلاب الدستوري لسلفها وإعادة الواقع العملي للحكومة؟ إن المستشار الاتحادي معني بتنفيذ تعليمات الاختصاصات، وإصدار القرارات السياسية الأساسية، وقيادة سياسة الحكومة بكل مسؤولية. وهذا ينطبق بداية على تحديد الاختصاصات داخل الحكومة الاتحادية، لأنه وفقاً لهذه التعليمات" كما هو منصوص عليه في الدستور، يقوم كل وزير اتحادي بإدارة مجال اختصاصي بشكل مستقل على مسؤوليته الخاصة. وحول اختلافات الرأي بين الوزراء الاتحاديين فإن هذا تحكمه الحكومة الاتحادية. وهناك في مجلس الوزراء ثمانية وزراء اختصاصيين من الحزب الديموقراطي الاشتراكي، وستة وزراء من اتحاد الحزب الديموقراطي المسيحي.
إن وزير المالية المعين من قبل الحزب الديموقراطي الاشتراكي له على أية حال وضع خاص في ظل الدستور، وتخضع لموافقته النفقات غير المدرجة في الجداول، وأخرى غير منظورة، كما يتولى إعطاء الموافقة عند الضرورة غير القابلة للرد في كل حال. وليس للمستشارة الاتحادية حق في التدخل في المجالات الدقيقة للاختصاصات، ولكن لها الكثير من الحقوق لاتخاذ القرار الحاسم بنفسها إلى أبعد ما يمكن، وهو أمر مهم أيضاً. وفي حالة وجود نزاع غير قابل للحل، ينبغي فصل الوزير من منصبه مما يمكن أن يكون قنبلة موقوتة للائتلاف.
إن تعليمات اختصاصات المستشار لا تسري من وجهة نظر دستورية على مفهوم إدارة الدولة بشكل فردي تجاه البوندستاج، وتجاه مجلس الشيوخ والأحزاب والأجنحة البرلمانية، ولكن الواقع العملي السياسي يظهر في بعض الأحيان أموراً أقرب ما تكون إلى العكس. وسابقاً في فترة تايمر تمت صياغة الجملة التي تقول :"إن الأحزاب هي التي تحدد توجهات السياسة". وتمت الإشارة إلى مستشار الرايخ "كمباشر وحارس لتوجهات وتعليمات الائتلاف". والآن تبين تماماً أن الأحزاب تؤثر في تكوين الإرادة السياسية للشعب. إلاّ أن تأثيرها الحقيقي على تعامل الحكومة لم يتضح بشكل أكيد بعد.
النظام الضريبي
فماذا تفيد تعليمات الاختصاص في حالة تثبيت نقاط مهمة لبرنامج الحكومة عبر اتفاقيات الشريك الائتلافي قبل دخول الحكومة مسرح العمل؟ وقبل مفاوضات الائتلاف أوضح كل من اتحاد الحزب الديموقراطي المسيحي والحزب الديموقراطي الاشتراكي أنه سيتم المحافظة على استقلالية نظام الضرائب وعدم فرض ضرائب على العمل الإضافي في أيام الآحاد والعطل والورديات الليلية في المستقبل أيضاً. وفي كلا الحالتين، اتخذ اتحاد الحزب الديموقراطي المسيحي ومرشحته لمنصب المستشارة أثناء الانتخابات موقفاً آخر.
كما يمكن للمرء أن يجادل لمدة طويلة حول الصفة الرابطة لاتفاقيات الائتلاف، حيث إن لها تأثيراً ترابطياً، ولكنها تخضع أيضاً لحدود قانونية دستورية. ولا غرابة طبعاً عندما يقال إن اتفاقية ائتلاف مقيدة جداً لرئيس حكومة يمكن للمرء في كارلس روهه القلق بخصوصها. والمستشارة التي لا تتقيد باتفاقية الائتلاف الأصلية تحتاج على أية حال لأسباب مبررة، ولاتفاق وتفاهم مع شريك الائتلاف، وبغير ذلك فإن التحالف سيقترب من نهايته.
وإذا كانت تعليمات الاختصاص للمستشار الاتحادي حبراً على ورق فقط، أو مجرد أساطير كما تكرر ذلك سابقا، فإن الأمر كان قائماً حين لم يكن هناك شريكان بالقوة نفسها تقريباً في ائتلاف كبير، وبمواجهة بعضهما البعض. والآن يقول رئيس الحزب الديموقراطي الاشتراكي مونتي فيرنج إن تعليمات الاختصاص للمستشارة في مثل هذه الحالة ليست واقعية. وعندما يتم اللجوء إليها يكون الائتلاف قد أوشك على النهاية. وكان رئيس الحزب المسيحي الاجتماعي إدموند شتوبير أعلن أنه في حالة وجود تحالف من شريكين متساويين تقريباً، فإنه لا يوجد قانون توجيهي أو إرشادي معين.
ومن الطبيعي أن المستشارة تتحمل مسؤولية خاصة، ولكن على المرء أن يرى ذلك بأنه واجب ومهمة جماعية. والمطلب الذي يقول إنه يجب دائماً اتخاذ القرار بشكل جماعي فيه بعض الشيء من الإطناب والتكرار. ففي الحالة الأولى يسري ما يعنيه بعض الساسة حول الدستور، واتفاقيات الائتلاف بقول " الورقة صبورة". وفي الحالة الأخرى يمكن طرح التحديات التي تتطلب قراراً أخيراً وسريعاً من أجل تعافي وصحة الدولة.
فإذا لم تكن المستشارة هي من يتولى ذلك، فمن الذي سيتخذ القرار؟ ويبدو أن هناك بوادر أزمة حين يشدد أمين عام الحزب الديموقراطي المسيحي بكل إصرار على أن مستشارة مثل ميركل لها بلا ريب وظيفة قيادية بحكم منصبها. "أما ما تفعله هي في هذا المنصب، فإن هذا الشيء يتوقف عليها أخيراً". ولأن القيادة تتم في الديموقراطية عبر الاقتناع والرضا والموافقة، أي بتأثير المواطنين على النواب والوزراء، فإن طلب طرح الثقة يظل مخرجاً أخيراً. ولهذا سعت المحكمة الدستورية إلى إقرار صيغة طرح الثقة بالحكومة للخروج من المأزق.