لا يعقل قيام البنوك التقليدية بفتح "نوافذ إسلامية"
رفض الدكتور عبد اللطيف جناحي الخبير الاقتصادي و المصرفي الإسلامي المعروف ، فتح البنوك التقليدية لنوافذ مصرفية إسلامية في دول العالم الإسلامي، داعيا المصارف المركزية لتخيير تلك البنوك " بين أن تكون إسلامية أو تقليدية"، من دون " نافذة إسلامية". وأبدى جناحي وهو أيضا رئيس مجلس إدارة بنك دار الإثمار، استغرابه من فتح تلك النوافذ في" دول نسبة المسلمين فيها 99 في المائة"، مشيرا إلى أن النوافذ الإسلامية يتم فتحها للأقليات". وأقرّ جناحي بأن بعض العقود الشرعية تم تصحيحها في السوق خلال عشرة أعوام، وبعضها الآخر بين ثلاثة وأربعة أعوام، من بينها عقود مرابحة ومضاربة، غير إنه شدد على " أن ما يقع من تصحيح هو" إجرائي" أكثر منه شرعي " كما دعا جناحي إلى تأسيس بنك عالمي عملاق، إما أن يكون " جديدا " أو " مشتركا " بين البنوك الإسلامية، أو دمجا بينها، حتى يكون له تأثيره في السوق العالمية، والخروج من المحلية والإقليمية إلى العالمية.
فتح العديد من المصارف التقليدية نوافذ إسلامية، هل يشكل ذلك حالة من المنافسة الحقيقية مع البنوك الإسلامية ؟
لا أرى أن هناك داعيا لأن تفتح البنوك التقليدية نوافذ إسلامية، فيجب أن يتحول إلى بنك إسلامي، ذلك أن " النافذة " يجب أن تكون للأقليات أو عند بدء التجربة، ونحن في دول ليس فيها " أقليات مسلمة "، في حين أن التجربة مترسخة. وهنا أوجه الدعوة للمصارف المركزية في العالم الإسلامي، بتخيير المعنيين بالترخيص، بين أن يكون تقليديا أو إسلاميا، من دون " نافذة إسلامية "، لكنني مع ذلك أشجع تأسيس نوافذ إسلامية في البلدان الأوروبية و أمريكا وأي دولة غير إسلامية.
وأن منافسة المصارف التقليدية لـ " الإسلامية " دليل على أن النظام الإسلامي قابل للتطبيق، وأنه يشهد إقبالا " دفعها لمنافستنا "، لذلك أقول لها: " بدل أن تنافسينا جزئيا عبر النوافذ، نافسينا بقوة وتحولي لبنوك إسلامية حتى نخلق جوا من المنافسة الشريفة والتكامل الأمثل بين البنوك الإسلامية. فهل يعقل أن بلدا نسبة المسلمين فيه 99 في المائة نفتح فيه نافذة مصرفية إسلامية، بينما لو كانت نسبتهم 1 في المائة " فحينها يتم فتح نافذة إسلامية ". لقد أقبل غير المسلم على النظام المصرفي الإسلامي، سواء كان مودعا أو مستثمرا ، ويطبق عليه ما يطبق على الآخرين من المسلمين، فإذا كانت الأمور قد وصلت إلى هذا الحد من السعة ، فلا أعتقد أن هناك داعيا لتأسيس نوافذ مصرفية إسلامية في دول العالم الإسلامي.
كيف يمكن التوفيق بين الرؤى الشرعية في ظل وجود مذاهب إسلامية متعددة؟
المذاهب المعمول بها في العالم الإسلامي سبعة مذاهب، ومجمع الفقه الإسلامي وكثير من المجامع الإسلامية لا يفرقون بين هذه المذاهب، " لأنها أصلا تصب من مصب واحد وهو القرآن والسنة وما استقر عليه السلف". بقيت مسألة الاجتهاد " وهي منوطة بالزمان والمكان "، ذلك أن المفتي "العالم" قد يغيّر فتواه، فالإمام الشافعي الذي كانت له مدرسة في بغداد غيّر بعض فتاواه عندما انتقل إلى مصر، وحينما سُئل عن ذلك قال "تلك بغداد وهذه مصر". فالمجامع تضع آراء جميع المذاهب، وأذكر أنني حينما كنت في بنك البحرين الإسلامي، كانت الهيئة الشرعية التابعة للبنك تضم المذاهب الثلاثة الرئيسة المعمول بها في البحرين، وهي المالكية والشافعية والجعفرية، وكان القرار يتم اتخاذه على أساس أن نأخذ بعين الاعتبار " المذاهب السبعة ".
إذن ما الذي يجعل هناك آراء متباينة ومشككة في الصكوك الإسلامية، ألا يؤثر ذلك في استقرار السوق الإسلامية؟
الحوار مستمر حول المنتجات الإسلامية كونها جديدة في الأسواق، وبالتالي من الطبيعي أن نتقبل الحوار حولها، في حين أنه لا أحد يجزم بصحة ما يعمل به بنسبة 100 في المائة. فالهفوات في التطبيق "واردة"، لكن العبرة أن نعيد النظر في تطبيقاتنا ونصحح مساراتنا، فبعض العقود الشرعية تم تصحيحها في السوق خلال عشرة أعوام، وبعضها الآخر بين ثلاثة و أربعة أعوام، من بينها عقود مرابحة ومضاربة. إن مناط التفكير والتركيز هو اتباع الحق حينما يظهر، وعدم الإصرار على الفعل السابق، وما يدعو إلى الاطمئنان انه لا يوجد موظف واحد في المصارف الإسلامية أو عضوا في مجالس إداراتها أو في هيئات الرقابة الشرعية "يتقصد الحرام" أو يمتنع عن تصحيح "الوضع" حينما تُعرض عليه المسائل الجديدة.
إذن يبدو أنك تعتبر الخلافات "طبيعية"؟
نعم طبيعية، والتنبيه للأخطاء "أمر لا ضير منه"، ويجب ألا ندعي الكمال "لأننا حينها نكون قد حكمنا على أنفسنا بالفناء"، ذلك أن مسألة التنظيم والتطوير "لابد منها".
> في هذا الخصوص صدرت ملاحظات حول بعض الصكوك الإسلامية " بشأن ضرورة التقيد بما جاءت به معايير المجلس الشرعي التابع لهيئة المحاسبة والمراجعة"، كيف تعلقون عليها؟
هناك من راجعني من البنوك الإسلامية، حيث تم في هذا الصدد "تصحيح وضعها بشأن الصكوك".
وما طبيعة هذا التصحيح؟
ما وقع من تصحيح لا يمس جوهر عمليات المضاربة، فهي لم تصمم إلا لتكون " حلالا"، وإنما قد تشوبها " شبهة " أثناء التطبيق، وبمجرد التنبيه " يتغير سيرها "، فالتصحيح هو " إجرائي " أكثر منه شرعي.
ماذا عن القاعدة الرأسمالية للمصارف الإسلامية التي يتردد أنها لا تزال ضعيفة؟
نعم، فهي ضعيفة إلى حد كبير إذا ما تمت مقارنتها بالبنوك العالمية، حيث إن "قواعدنا الرأسمالية والأصول" لا تزال ضعيفة مقارنة بنظيرتها في الدول المتقدمة".
كم يبلغ حجم عملاء الصيرفة الإسلامية؟
مقارنة بعملاء البنوك التقليدية، فإن عملاء المصارف الإسلامية لا تتجاوز نسبتهم المئوية "أصابع اليد الواحدة".
ماذا يعني ذلك بالنسبة لك؟
يعني أن البنوك الإسلامية المحلية لم تعد هي النموذج الذي يمكن القياس به ، لأن تطلعاتنا يجب أن تنتقل إلى العالمية حتى يمكننا قياس ومقارنة مصارفنا بنظيرتها العالمية.
لذلك فإنني أدعو لتأسيس بنك عالمي عملاق، إما أن يكون "جديدا" أو "مشتركا" بين البنوك الإسلامية، أو دمجا بينها، حتى يكون له تأثيره في السوق العالمية، وبالتالي يجب أن نخرج من المحلية والإقليمية إلى العالمية.
باعتقادكم هل أن المصارف الإسلامية في منطقة الخليج، تعيش حالة من الصراع أم المنافسة؟
هي تكمل بعضها بعضا، ولا نجد آثارا للمنافسة.
لماذا؟
من ناحية الأولوية، هل المنافسة تكون مع بعضنا البعض، أم مع المصارف التقليدية؟ بالتأكيد "التقليدية".
إذن ما زالت هناك قاعدة يمكن المنافسة فيها مع "الآخر"، فلماذا لا نكمل بعضنا بعضا، على أن المنافسة بيننا على الخدمات أمر محبذ ومشروع، بينما نتنافس مع الآخر في مجال " الالتزام الشرعي"، وفي مجال استقطاب العمل يجب ألا يكون هناك "صراع"، وإنما "تكامل".
رغم الحديث الجميل عن التكامل بين المصارف الإسلامية، ألا تفرض "المنافسة" تطلعات لدخول دائرة المنافسة العالمية، وتخطي الحواجز الإقليمية؟ المنافسة هي التي تصقل العمل المصرفي الإسلامي وتدفعه لتقديم "الأفضل"، لكن بعضنا – للأسف – ما زال "محليا"، وبعضنا الآخر "إقليميا"، وأنا مع الخروج منها إلى العالمية. فالعولمة فرضت علينا تحديات جديدة، والوفرة المالية تمثل في حد ذاتها "تحديا" يتعلق بإدارتها وحسن تصريفها، فالمال في حد ذاته "عبء"، كما أن التغيرات العالمية التي تلت أحداث 11 أيلول (سبتمبر) فرضت تحديات جديدة مع تطبيق مبدأ الحجاج بن يوسف الثقفي "انج سعد فقد هلك سعيد"، وهو مبدأ مطبق – للأسف الشديد في بعض الدول، أي أننا أصبحنا نؤخذ بجريرة غيرنا، ولكن يجب عدم التعميم، وذلك وضع لا يستقيم مع الوضع الحضاري الجديد.
هذا يعني أن المصارف الإسلامية، بل وحتى الصناديق الخيرية، لا تزال محل اتهام، أو على الأقل محل شك، بالنسبة لتمويل عمليات الإرهاب، أليس كذلك؟
أي شيء إسلامي أصبح لا يخلو من التركيز عليه، وتلك منطلقات صهيونية عالمية "لم يصدقها الواقع".
فكل ما قيل عن البنوك الإسلامية والصناديق الخيرية ذهب مع الريح، وكل ما سيقال سيكون كذلك، فهذه البنوك تعمل وفقا واستنادا لأصول مهنية لا علاقة لها بأمور أخرى، كما أن الصناديق الخيرية تعمل في المجال الخيري ولا علاقة لها بأي انتماءات أو أهداف أو أغراض عن تلك المعلن عنها في أنظمتها، ولم تكن يوما ما موالية لأحد، وهذا ما أثبتته الوقائع والحقائق على الأرض.