وزير الاقتصاد والمالية الإسباني: نواجه تحديات كبرى رغم الأوضاع الجيدة

وزير الاقتصاد والمالية الإسباني: نواجه تحديات كبرى رغم الأوضاع الجيدة

يبدو بيدرو زولبيس، المفوّض السابق في الاتحاد الأوروبي للنقد والاقتصاد، مرتاحاً في بلده إسبانيا حين يؤكد أن البلاد تتقدم منذ عام 2004 تحت حكومة ثاباتيرو الاشتراكية حيث تتمتع بأسعار صرف مسيطر عليها، مع معدلات نمو قوية، وخزانة مالية متوازنة. ويضيف وزير الاقتصاد والمالية في هذه المقابلة مع هذه الصحيفة، أن إسبانيا تقف كذلك أمام تحديات متزايدة منها ضعف أهم الشركاء التجاريين في ألمانيا وفرنسا، ومجموعة من الصعوبات الداخلية مثل إنتاجية العمل الضعيفة.
ويرى زولبيس أن معدلات الهجرة الكبيرة متوازنة: فمن ناحية تحمي السكّان الجدد، مثل العمّال الأجانب من ألمانيا في الستينيات- وتحقق النمو لاقتصاد الدولة. ومن ناحية ثانية، يحققون التزامات خاصة بخزانة الدولة.
ما مدى الأهمية بالنسبة لإسبانيا بأن يتحرك الاقتصاد الألماني من جديد للأمام؟
عندما ينمو الاقتصاد الألماني من جديد يعتبر ذلك أمراً إيجابياً بالنسبة لإسبانيا، حيث يصبح اقتصادنا أفضل، وذلك إذا كانت معدلات التصدير مرتفعة على نحو سليم. ومن المهم لإسبانيا كذلك استغلال حوافز الصناعة الإنشائية، وقطاع العقارات، حيث يتعلّق جزء كبير من ذلك بنمو الاقتصاد عموماً : الواقع أن العديد من العقارات يتم بناؤها من قبل الأجانب، ومن بينهم الألمان.
إسبانيا هي إحدى الدول الناشطة ضمن الاتحاد الأوروبي، برغم أن شركاء التجارة في ألمانيا وفرنسا يعانون من صعوبات اقتصادية ضخمة، فكيف مع ذلك تتحسّن إسبانيا؟
من الأسباب الرئيسية لذلك أن ألمانيا لا تستفيد من انخفاض الفائدة ضمن اليورو، بينما تستفيد إسبانيا، إيطاليا، اليونان، والبرتغال، في المقابل بصورة كبيرة. ولكن من الأمور التي في غاية الأهمية بالنسبة لإسبانيا أن يتم تحقيق المزيد من فرص العمل الجديدة، وكذلك عن طريق الهجرة، حيث إن نحو 80 في المائة من النمو في إسبانيا بفضل التشغيل الإضافي. وعلاوةً على ذلك، زيادة حجم الاستثمارات، حيث جزء منها يتم تمويله عن طريق صناديق الاتحاد الأوروبي المالية، ولكن الجزء الأهم والأكبر يتم عن طريق صناديق التوفير في إسبانيا. وتبلغ نسبة التوفير في إسبانيا نحو 5 في المائة من حجم الإنتاج المحلي الإجمالي، أي فوق معدّل الاتحاد الأوروبي. من ناحية أخرى فإن عدد الأسر والشركات الإسبانية المدينة مرتفع نسبياً. ولكن هذا لا يدعو للقلق بصورة خاصة، وذلك لأن استخدام هذه الوسيلة المالية لا يدخل ضمن الاستهلاك، بل يخدم الاستثمارات.
على ما يبدو الجانب الآخر من الديناميكية الإسبانية يكمن في أن العجز في الميزان التجاري الإسباني يزداد دوماً، فهل تتساوى إسبانيا بهذا مع الولايات المتحدة الأمريكية؟
الحقيقة أن علينا ألاّ نحاول أن نقلل من حجم عجز الميزان التجاري. وعلينا أن نستثمر المزيد في رفع الإنتاجية، وتحسين التدريب التأهيلي. وبهذا يمكننا أن نرفع حجم التصدير وتخفيض حجم الاستيراد نوعاً ما. ويبدو أن هذا الأمر سيزداد صعوبةً على المدى القصير، وذلك لأن الاستهلاك الخاص في إسبانيا قوي جداً. وفي المقارنة بالولايات المتحدة الأمريكية، هناك فرقان: حيث إن الولايات المتحدة برُمتها تبلغ مديونيتها أرقاماً هائلة، بينما إسبانيا تبلغ مديونيتها جزءاً صغيراً فقط من مديونية أوروبا. وقبل كل شيء نلاحظ في إسبانيا ارتفاع نسبة الاستثمارات من أموال التوفير، حيث إن حصص صناديق التوفير في إسبانيا أعلى من معدل الاتحاد الأوروبي.
يبدو أن إسبانيا تتكيّف جيداً مع معدلات الهجرة العالية بوضوح: حيث تدعم النمو وتساهم في تحقيق خزانة دولة متوازنة. ماذا يُمكن لألمانيا أن تتعلم من إسبانيا في هذا الخصوص؟
هناك فروق كبيرة مع ألمانيا، حيث لم يكن في إسبانيا قبل عشرة أعوام مهاجرون، فهذه تُعتبر عملية جديدة، ومستقبل المهاجرين معقّد جداً، ففي الأحوال الطبيعية والمعتادة يعمل المهاجرون في القطاعات التي في الغالب لا يودّ الإسبان العمل فيها مجدداً. كما أود مقارنة هذا الوضع مع المهاجرين إلى ألمانيا في بداية الستينيات عندما جاء العمّال الأجانب. وهم يعملون لدينا في المهن الإنشائية، وفي السياحة، وكموظفي خدمات لدى العائلات. وجزء منهم على الأقل يتداخل بسرعة مع الإسبان، وذلك نظراً للغة والثقافة المشتركة، حيث نجد صعوبة مع الجزء الآخر منهم في هذا مثل الألمان. ويمكننا أن نتعلم من ألمانيا أن قبول المهاجرين في أوقات الازدهار الاقتصادي يُحقق التزامات مستقبلية في خزانة الدولة، حيث على المرء أن يهتم بهذه الأمور. وكان من المفروض على إسبانيا أن تتعلم من ألمانيا في هذا الجانب. ومن الأمور المهمة لإسبانيا أيضاً تغيير المهاجرين نسبة المواليد بصورة جذرية، حيث ما تزال لدينا أقل نسبة مواليد في أوروبا، ومع ذلك تزداد النسبة لأن معظم المواليد الجدد اليوم هم من المهاجرين.
على إسبانيا أن تحضّر نفسها لتراجع أموال الاتحاد الأوروبي، فكيف ستتمكن دولتك من التكيّف مع ذلك؟
كلما أصبحت الدولة أغنى كلما قلّت نسبة المال الذي تحصل عليه من الخارج. وتم استخدام أموال الاتحاد الأوروبي في إسبانيا في المقام الأول لتحسين البنية التحتية في الدولة. ولدينا في الوقت الراهن المزيد من المال في القطاع العام، وعلى ذلك فإن التدفقات النقدية من الاتحاد الأوروبي أقل أهميّة. والهدف من سياستنا لدى انتهاء الفترة الدستورية حتى عام 2008، أن نكون قد تمكنا من تحقيق مديونية الدولة بأقل من 40 في المائة من حجم الناتج المحلي الإجمالي. ولكن من الواضح بالنسبة لنا: أنه في 2008/2009 سيزداد الأمر خطورة.
لدى إسبانيا مستوى تضخم فوق المعدل، وهو الجانب الآخر من النمو المرتفع، فهل يقلقك ذلك في شيء؟
بالتأكيد التضخم يزعجنا. ولم ننجح منذ أن بدأنا نتعامل باليورو في تقليص التضخم بين إسبانيا ومعدل منطقة اليورو بطريقة فعّالة. وفي الأوقات الجيدة كنا نشهد من 09 أو 10 نقطة في المائة زيادة في رفع الأسعار، و11 أو 12 نقطة في المائة في الظروف السيئة. وعلينا أن نقود سياسة مالية صارمة يمكنها أن تكون موسّعة اقتصادياً، حيث علينا كبح الطلب، والاهتمام بمزيد من المنافسة في السوق. مدي
ـأين ترى التحديات الكبرى في الاقتصاد الإسباني على المدى البعيد؟
إن إنتاجية العمل الضئيلة هي مشكلة طويلة الأمد في الاقتصاد الإسباني. وقمنا بوضع العديد من المعايير على الطريق. وعلى المرء أن يبدأ بالتربية، وتحسينها، وكذلك تحسين البحث والتكنولوجيا، ولكن قبل كل شيء، من المفترض أن يتم دعم اللعبة الثنائية بين الاقتصاد الخاص و الاقتصاد العام ضمن هذا النطاق، حيث قمنا برفع المخصصات المالية الحكومية بنحو 25 في المائة لندعم البحث والتطوير. وبالفعل فإن الوضع الإسباني يزداد سوءاً مقابل دول شمال أوروبا ودول آسيا بالأخص، وعلينا أن نزيد الجهود ضمن تطوير التقنية الحديثة.
هل هذا يُعد تركة حكومة أزنار في محاولة دعم التكنولوجيا والإنتاجية دون جدوى؟
الحكومة السابقة حققت إطاراً قانونياً جيداً، وكذلك سياسة ضريبية مناسبة للشركات. ولكن لم يتم تطبيق هذا أو ذاك على أرض الواقع. ويعود نحو 80 في المائة من التطوّر الاقتصادي في إسبانيا إلى تحقيق المزيد من فرص العمل، ونحو 20 في المائة إلى ازدياد الإنتاجية.
وعلى هذا، علينا أن نأخذ بعين الاعتبار أن هناك قطاعات مهمة في إسبانيا التي تُعد إنتاجيتها مناسبة بالكاد: الاقتصاد الإنشائي، السياحة، والتدابير الاحتياطية لكبار السن، فكيف يقيس المرء إنتاجية الناس الذين يعتنون بعائلات وبكبار السن؟ المشكلة الكبرى لإسبانيا تبقى: صعوبة ربط الأبحاث بالشركات، بخلاف ألمانيا. وعلاوةً على ذلك، يوجد لدينا فرق كبير بين الشركات الصغرى والمتوسطة، مثل ''تيليفونيكا''، أو ريبسول اللتين تعملان بكفاءة عالية.
حدثت بالفعل حركة في سوق الطاقة الإسبانية من خلال محاولة ضم الشركة الرائدة في السوق ''إنديسا'' للغاز الطبيعي، فهل تقف الحكومة خلف المحاولة في تحقيق وضع أفضل في سوق الطاقة الأوروبية من خلال وحدة الشركات الوطنية الكبرى؟
تسعى إسبانيا حتى الآن إلى طريق وسط بين نموذج فرنسا أو إيطاليا مع شركة حكومية قوية، وبين النموذج البريطاني الذي يضم العديد من الشركات المتوسطة. والسؤال الآن هو ما إذا كان التجميع العمودي الكبير بين الشركات يحمل منافع حتمية بخصوص الكفاءة، وكذلك ما إذا كانت منافسة القطاعات نافعة. وبالنسبة لي، كوزير اقتصاد، فإن القدرة التنافسية أساسية. ولكن المهم في النهاية ما يتحقق بالفعل من محاولة ضم الشركات عمودياً.
هل يعني هذا أنكم ستقبلون كذلك شركات حكومية أجنبية في سوق الطاقة الإسبانية؟
قمنا في إسبانيا بعملية التخصيص، وذلك لإحداث المزيد من الحركة في السوق. والآن عندما يتم شراء الشركات الإسبانية من جانب الشركات الأوروبية العامة لن يكون بإمكاننا تحقيق ذلك. وبهذا فإننا نتفق في الرأي مع الحكومة السابقة، وإن عملية ضم شركة هيدروثانتابيركو عن طريق الشركة البرتغالية لتزويد الطاقة إي دي بي تبقى هي الحالة الاستثنائية.

الأكثر قراءة