أماكن الاستراحة لا تبعث على الراحة
أماكن الاستراحة لا تبعث على الراحة
تشير أدبيات الإدارة إلى أن العوامل التي تؤدي لرضا العاملين وانتمائهم وزيادة دافعيتهم وإنتاجيتهم كثيرة، منها ما يتعلق بالجوانب النفسية والجوانب الاجتماعية، والبعض الآخر يتعلق بالنواحي المادية في بيئة العمل، وقد أجري في المملكة العربية السعودية عدد من الدراسات الإدارية حول عوامل الدافعية والحوافز والرضا الوظيفي والانتماء والانتاجبية لدى العاملين، وباستعراض نتائجها تبين لي أن عامل ظروف العمل وتوافر أماكن العمل المناسبة من حيث الإضاءة والتهوية، وتوفير وسائل الترفيه والراحة تعد من الدوافع والعوامل ذات الأهمية البالغة في التأثير في رضا العاملين ودافعتيهم وانتمائهم وإنتاجيتهم، كما أنها تعد من الصفات الإيجابية التي يتطلع العاملون إلى توافرها في جهة عملهم.
في الإطار ذاته أشارت المادتان الأولى بعد المائة والثانية بعد المائة في نظام العمل في المملكة العربية السعودية إلى أهمية تنظيم ساعات العمل والراحة بحيث لا يعمل أي عامل أكثر من خمس ساعات متتالية دون فترة للراحة وللصلاة والطعام لا تقل عن نصف ساعة في المرة الواحدة خلال مجموع ساعات العمل. كما أشارت إلى أن فترات الراحة لا تدخل ضمن ساعات العمل الفعلية ولا يكون العامل خلال هذه الفترات تحت سلطة صاحب العمل ولا يجوز لصاحب العمل أن يلزم العامل بالبقاء خلالها في مكان العمل.
إن حصول العامل على فترة للراحة حق ضمنته أنظمة العمل المحلية والدولية، ولكن تهيئة البيئة النفسية والاجتماعية والمادية في أماكن الاستراحة أمر متروك لقناعة الإدارة ومدى إيمانها وتقديرها بأهمية تهيئة سبل الراحة لمواردها البشرية، ولذلك نجد أماكن الراحة في المنشآت المحلية النسائية في القطاعين العام والخاص متفاوتة في مواصفاتها، فمنها ما هو غير موجود إطلاقاً، ومنها ما هو في مكان غير ملائم، ومنها ما هو ضيق المساحة بالنسبة لعدد العاملات، ومنها ما هو متسخ، وغير جيد التهوية. ومنها ما هو قريب من دورات المياه، ومنها ما يشتمل على بوفيه لتقديم الوجبات غير الصحية، هذه الأماكن غير المهيأة بوسائل الراحة قد تكون مصدراً للخلاف والشجار بين العاملات والانعزال بعضهم عن بعض، وبذلك تفقد أهميتها بالنسبة للعاملات.
إن تحقيق الراحة في فترة الراحة للتخلص من بعض من ضغوط العمل النفسية والجسمية لن يتحقق إلا في بيئة مادية ونفسية واجتماعية جاذبة، تتوافر بها عدد من وسائل الترفيه والراحة مثل: المقاعد المناسبة والطاولات، التهوية الصحية، والمساحة الكافية، إلى جانب توفير وسائل الترفيه والتثقيف المناسبة مثل الصحف والمجلات، والقصص، وأجهزة الحاسب والتلفزيون والراديو، والأفلام الكوميدية، وبعض الألعاب البسيطة، وبعض الأجهزة الرياضية، إلى جانب تزيينها بالنباتات الطبيعية، واللوحات الحائطية المناسبة، وخدمات التغذية الصحية، كل ذلك من شأنه أن يجعل من أماكن الاستراحة متنفساً للعاملين وبيئة جاذبة للأحاديث الودية بينهن ولتبادل الطرائف والقصص مع الزملاء، وقد نضيف إلى ما سبق أنه يمكن للقيادة الإدارية استخدام أماكن الاستراحة للتقرب للعاملين وتوطيد أواصر الاتصال الإنساني غير الرسمي في بيئة العمل. مثل مشاركتهم في مشاهدة الأفلام الإدارية والثقافية والكوميدية والبرامج المنوعة وغيرها.
وقد يرد القارئ الكريم بأن تجهيز أماكن الاستراحة بهذا التنظيم والتجهيز المثالي مبالغ فيه ويقلل الإنتاجية ويعطل العمل، لأنه سيجعل من أماكن الاستراحة ملاذاً لغير المنتجين وسبباً لإطالة فترة الراحة، وإجابة عن ذلك أضيف أن الإدارة اليابانية وهي ثاني أكبر اقتصاد في العالم تحرص على تأمين أسرة لنوم للعاملين في فترات الاستراحة، ومن واجبنا في هذه المرحلة التنموية في مجتمعنا أن نحرص على تطبيق الأفضل فيما يخص رعاية وتقدير الموارد البشرية وزيادة إنتاجيتها، بشرط أن نضع الضوابط والمعايير التي تضمن استخدام أماكن الاستراحة لإشباع الحاجات النفسية والاجتماعية والجسمية للعاملين.
[email protected]
أستاذة بالجامعة العربية المفتوحة
استشارية تربوية وتعليمية