مناكفة بين "الكهرباء" والمواطنين.. مَن يتحمل تكلفة غرفة المحولات؟
هل تريد كهرباء؟ وافق على وضع محول الكهرباء أو غرفة التغذية في ركن منزلك، إن لم توافق عليك الانتظار مدة لا يعلم أحد مداها. هذه إحدى شكاوى المواطنين في بعض المدن السعودية ومنها مدينة الرياض العاصمة التي تعج بآلاف المنازل الجديدة.
وبينما يرفض كثير من المواطنين هذا الخيار جملة وتفصيلا، على اعتبار أن الشركة هي المعنية بهذا الأمر، ترد الشركة من جهتها أن أنها تقدم خدماتها للجميع وفقا لضوابط وأسس حددتها لوائحها ونظمها المعمول بها، موضحة أنها تطلب تأمين غرفة الكهرباء في العمائر الكبيرة في حالة معينة ومحددة كأن يحتاج المنزل إلى 400 أمبير، حيث عليه تأمين موقع لإيواء المعدات الكهربائية اللازمة للتوصيل، مشيرة إلى أن قرار مجلس الوزراء رقم 1023 وتاريخ 17/8/1395هـ قد نص على ذلك.
وأكدت الشركة أنه التزاما منها بالتعاون ودعم المشترك تدرس دائماً في مثل هذه الحالات إمكانية الاستغناء عن هذه المواقع ولا تلجأ إليها إلا عندما تفرضها الضرورة الفنية القصوى.
في مايلي مزيدا من التفاصيل:
شاركت الشركة السعودية للكهرباء عنوة عشرات إن لم يكن مئات المواطنين في الأحياء الجديدة للعاصمة السعودية الرياض في أملاكهم الخاصة، كما كبدت كثيرا منهم مبالغ تراوح بين 90 و120 ألف ريال بعد أن عمدت خلال السنوات الأخيرة إلى تخييرهم بين إيصال خدمة الكهرباء إلى منازلهم الحديثة من خلال اقتطاع عدد من الأمتار لتركيب "غرفة التغذية الفرعية" وتحمل تكلفتها العالية، والانتظار إلى مدة غير محددة.
وكشفت جولة ميدانية لـ"الاقتصادية" على عدد من الأحياء الجديدة في الرياض، اقتحام عشرات من " غرف التغذية" أسوار أول المنازل المبنية في الأحياء الحديثة، التي يتم من خلالها إيصال الخدمة لعدد من المنازل الأخرى في الحي الواحد، بعد أن كانت تلك الغرف تتخذ من الأراضي العامة مكانا لها، في الأحياء القديمة، ولم يقتصر الأمر عند حد اقتطاع جزء من أرض المواطن لا يقل عن سبعة أمتار، بل تعداه إلى تحميله قيمة غرفة التغذية كاملة، وذلك مقابل الحصول على "طبلون واحد" لا يتجاوز حجم الفولتات التي يمنحها للمواطن المتبرع بماله وأملاكه 600 أمبير.
وهنا عبر لـ"الاقتصادية" عدد من المواطنين عن استيائهم الشديد من الابتزاز ـ على حد قولهم ـ الذي تمارسه شركة الكهرباء عليهم مقابل إيصال الخدمة غير المجانية للكهرباء إلى منازلهم، مشيرين إلى أن الضرورة دفعتهم لقبول الحلول التي تطرحها الشركة، إذ إن بقاءهم دون كهرباء سيمتد إلى شهور وشهور حتى يأتي متبرع بالمكان والمال.
ورغم التوقعات المتنامية لحجم الطلب على خدمات الكهرباء، التي تصدرها عدد من الجهات الرسمية كان آخرها ما كشفت عنه دراسة أجرتها جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، وأكدت فيها أن استهلاك الكهرباء في السعودية سيزداد بنسبة 300 في المائة حتى عام 2032، إلا أن العمل على ملاحقة تلك الدراسات من قبل الجهات المقدمة لهذه الخدمة لا يزال دون المستوى.
"الاقتصادية" من خلال هذا التحقيق ترصد للقراء الكرام عددا من العوائق والمشاكل التي تعترض طريق طالبي خدمة الكهرباء في السعودية، سواء على صعيد الإجراءات والمتطلبات التي تفرض على طالب الخدمة أو على صعيد نوع وزمن إيصال الخدمة.. وإليكم فحوى التحقيق:
الأحياء الجديدة وغرف التغذية
يشرح عبد الله البراك، من سكان حي الخزامى في الرياض قصته بالقول "بعد أن انتهيت من بناء منزل الأحلام لأسرتي، والذي اخترت له أن يكون في حي جديد وذا تخطيط عال كما كنت أتوقع، فوجئت عند طلبي خدمة الكهرباء أن الشركة تطلب مني منحها بضعة أمتار من أرضي الخاصة لبناء غرفة التغذية، التي تمد عددا من المنازل في الحي بالطاقة الكهربائية، وهو ما رفضته في البداية، لما يسببه ذلك لي من أضرار معنوية منها تشويه سور المنزل من الداخل والخارج، وكذلك أضرار صحية لما له من أخطار في حال تعرض لأي ضرر".
ويتابع" لكن عندما خيرتني الشركة بين الانتظار مدة غير محددة وقبول العرض، وافقت، إلا أن المصيبة الأكبر كانت عندما امتنعت الشركة عن دفع قيمة غرفة التغذية التي تجاوزت 90 ألف ريال، والتي تحملتها أنا وحدي دون عشرات المنازل الأخرى، بل وتم توقيعي "عنوة" على إقرار بعدم مطالبتي الشركة بأي من العوائد أو الحقوق الناتجة عن استخدام الشركة أملاكي الخاصة".
ويؤكد البراك أن هذا التصرف يشير إلى العشوائية التي تعتمدها الشركة في إيصال الخدمة الكهربائية لمئات المنازل الجديدة في الأحياء الحديثة، كما أنه يرفع من تكلفة المسكن، إلى جانب أن فيه نوعا من الغبن الذي على الجهات المسؤولة رفعه عن المواطن.
وأضاف" لا يعقل أن أخير بين البقاء دون كهرباء والاقتطاع من مالي ومدخراتي ما كان يفترض أنها من التكاليف التي تتحملها الشركة، والأدهى أن الشركة لا تقر بهذا العرفان، حتى أنني عندما أرغب في رفع مستوى الأمبيرات الممنوحة لي يتم رفض الطلب".
من ناحيته يتفق عبد الله العباد من سكان حي النخيل في الرياض مع ما ذهب إليه البراك من أن ما تقوم به شركة الكهرباء يمثل ابتزازا غير مقبول، موضحا أنه ظل نحو ثلاثة أشهر متتالية ينتظر إيصال الكهرباء إلى منزله دون جدوى.
وقال" ظلت الشركة تحتج بأنه لا يوجد مكان لإنشاء غرفة تغذية في الحي، وأنها تنتظر متبرعا يقبل اقتطاع جزء من أرضه ومنحها دون مقابل إلى الشركة، وهو ما لم يتم حتى قبلت أنا بذلك رغما عني".
وبين العباد أن المشكلة خطيرة وتنتهك خصوصيات المواطنين في منازلهم، إذ إن أي خلل أو عطل يحدث لغرفة التغذية يجبر مالك المنزل لمنح موظفي الصيانة في الشركة حرية الدخول إلى المنزل والبقاء ساعات طويلة لإصلاح الخلل.
وزاد" عندما طالبت الشركة بإزالة غرفة التغذية الكهربائية من منزلي ونقلها إلى أي مكان آخر في الحي طالبوني بدفع عشرة آلاف ريال، لتنفيذ ذلك، وهو ما لن أفعله أبدا".
مراحل طلب الخدمة
لا تقتصر عوائق طلب خدمة الكهرباء للمنازل الجديدة على مشكلة غرف التغذية، إذ تتعداها إلى ارتفاع تكلفة العداد" الطبلون" وطول فترة الانتظار، وحجم الطاقة الممنوحة، إذ يشير عدد من سكان حي الخزامي غربي الرياض إلى أن فترة الانتظار قد تمتد إلى ثلاثة أشهر، كما أن تكلفة العداد الواحد التي تراوح بين ثلاثة إلى ستة آلاف ريال تعتبر عالية لمن يرغب في تركيب أكثر من عداد، وهو الراجح، إلى جانب أن هناك كمية محددة من الأمبيرات تمنح لكل منزل دون الأخذ في الاعتبار مساحة المنزل.
يقول إبراهيم الشهراني، من سكان حي الدار البيضاء جنوبي الرياض "حاولت جاهدا الحصول على أكثر من عداد لثلاث شقق في الدور الثاني من منزلي، لكن دون جدوى، والآن أنا وثلاثة مواطنين مستأجرين نعاني مشكلة توزيع التكلفة التي تظهر على عداد واحد، رغم أنني على استعداد لتحمل أي تكلفة إضافية على ذلك، وأنا لا أجد أي سبب مقنع يمنع الشركة من زيادة عدادات الكهرباء في منزلي".
فيما يقول تركي الخالدي، إنه تقدم بطلب منذ نحو شهرين وقبل أن يكتمل المنزل، وحتى اللحظة لم يتم إيصال الخدمة رغم اكتمال بناء المنزل، وهو ما يؤخر عملية انتقاله للمنزل الجديد.
ويعتقد الخالدي أن خدمة إيصال الكهرباء إلى المنازل الجديدة لم تعد سهلة وتحتاج إلى كثير من التطوير، خصوصا في ظل التنامي السريع للسكان والأحياء الجديدة، مشيرا إلى أنه رغم ارتفاع تكاليف الحصول على الكهرباء في المنزل إلا أن ذلك لم يجعلها في مستوى المتوقع والمطلوب.
وتشير البيانات المتوافرة على موقع الشركة السعودية للكهرباء إلى أن هناك ثلاث مراحل لطلب خدمة الكهرباء، أولاها طلب شهادة تنسيق، وتهدف هذه المرحلة إلى تحديد احتياجات المشترك من الطاقة الكهربائية، وإمكانية تغذيته قبل حصوله على رخصة بناء، مما يعود بالنفع على الشركة وطالب الخدمة، يتبعها طلب مبدئي، إذ تقبل الشركة استقبال طلبات المشتركين مبدئياً بعد حصولهم على رخصة بناء وقيامهم بالبدء في الإنشاء، ويمكن أن يتم فتح ملف المشترك بالهاتف/ الفاكس/ الإنترنت، حيث يتم إعلامهم بالمتطلبات اللازمة، والكشف على المواقع المخصصة للمحطات والعدادات عند جاهزيتها، وتعتبر هذه المرحلة توعوية وتوجيهية للمشترك، ويتم تسجيل طلب إيصال مبدئي، ثم الطلب النهائي، ويقصد به تقديم طلب إيصال التيار عندما يكون المشترك جاهزاً لاستقباله، ويتم تسجيل طلب إيصال نهائي للمشترك.
وهنا يعود الخالدي ليؤكد أن ما يتطلبه إيصال الخدمة يتعدى تلك المراحل التي تبينها الشركة على موقعه، إذ إن الأمر يتطلب شهورا من المتابعة والانتظار.
الأخطار المدنية والصحية
في جانب آخر قال لـ"الاقتصادية" المهندس عمر عبد الكريم، رئيس جمعية المهندسين السعوديين، إن توزيع غرف التغذية على منازل بعض المواطنين، سهل وساعد على وصول الكهرباء إلى آلاف المواطنين وحلت مشكلة بدأت في التسعينيات مع انتشار وتنامي عدد الأحياء في المدن السعودية، وبصورة سريعة.
وبين المهندس عمر أنه من الناحية الجمالية للمنازل والأحياء فإن تلك الغرف تحتاج إلى مواصفات أفضل تجعلها مقبولة، خصوصا إذا لم يكن في الإمكان إيجاد مواقع أخرى، إذ يمكن مع تحسين التصميم تقبلها.
من ناحيته بين خبير سلامة ـ فضل عدم ذكر اسمه ـ أنه من ناحية الأخطار المدنية المترتبة على وضع غرف التغذية الكهربائية داخل المنازل أنها متعددة ليس أقلها ارتفاع حجم الضرر الناتج عن أي حريق قد يطول المنزل، كما أن سهولة العبث فيها وغياب الرقابة والمتابعة المستمرة لها تجعلها خطرا على الأطفال والعابثين من أبناء سكان الحي.
وأوضح خبير السلامة أن الشروط والمواصفات التي تعتمد عند تركيب تلك الغرف لا تتخذ أقصى درجات الحيطة، وهو ما يجعل من وجودها في أجزاء من المنزل مشكلة طبيعية.
وأضاف" ومن الأخطار الأخرى تعرضها لبعض الظواهر الطبيعية ومنها الصواعق والأمطار الرعدية، التي يمكن أن تتسبب في حوادث خطيرة إذا ما طالت أيا من تلك الغرف".