الصكوك الإسلامية في المملكة.. الحاضر الغائب (2)
الشركات الاستثمارية المستقلة..... فرس الرهان
عطفا على ما ذُكر في المقال السابق من وجود تعارض واضح في المصالح بين دور البنوك كجهات ممولة وبين دورها في عملية إصدار وتسويق الصكوك، فإنه لا أحد يستطيع أن يلوم تلك البنوك والمصارف ولا حتى أذرعتها الاستثمارية-حاليا- على عدم إعطاء أولوية لتنظيم أو تسويق الصكوك بشكل عام. فالفصل الحاصل حاليا بين البنوك وأذرعتها الاستثمارية-في معظم الحالات- هو فصل شكلي مازال في طور التبلور ويحتاج إلى بعض الوقت، وهو أمر طبيعي في ظل تركة كبيرة قامت خلال السنوات الماضية. كما أن الشركات الاستثمارية المستقلة تواجه الكثير من التحديات في هذا الشأن لعل أهمها ندرة الكفاءة المؤهلة في هذا الجانب وقلة خبرة وتمرس كثير من هذه الشركات في الجوانب الاستشارية وتركيز بعضها على جانبي الوساطة وإدارة الأصول.
إلا أنني أعتقد أن الفرصة مازالت مواتية لبعض هذه الشركات الاستثمارية المستقلة لأخذ حصة معينة في هذا المجال، قبل أن تعطي الأذرع التابعة للبنوك حاليا جزءا من اهتمامها في هذا الجانب، ويكون ذلك أولا بالتركيز على مسألتي تسويق وتنظيم هذه الاكتتابات دون الدخول في مسألة الاستشارات الفنية وثانيا بتوقيع عقود استشارية-من الباطن- مع شركات استثمارية خارجية خبيرة فنيا في هذا المجال.
التجربة الماليزية والانطلاق للعالمية
رغم التحفظ الشرعي على كثير من الصيغ المتعلقة بالإصدارات الماليزية إلا أن التجربة الماليزية تجربة جديرة بالاحترام بلا شك. فروح المبادرة المشتركة بين القطاعات الخاصة في ماليزيا بالإضافة إلى الدعم الحكومي المتواصل في عملية إصدار الصكوك هو مثار إعجاب الكثيرين، والحكومة الماليزية والتي تدعم هذه الصناعة بشكل مباشر وصريح وتعفيها من الضرائب تشجيعا لها حتى أمام السندات التقليدية حققت أهدافها المرجوة بشكل واضح وبدت أهدافها تتوسع نحو العالمية بدلا من الإقليمية.
فبالأمس مثلا كثرت النقاشات حول الإشكاليات الشرعية في الصكوك الماليزية خصوصا في قضيتي العينة وبيع الديون في صكوك المرابحة تحديدا وهما الأمران غير المقبولين عند معظم المدارس الفقهية خارج الدائرة الماليزية، فقام الماليزيون بعد ذلك بالتوجه دراسةً وبحثاً نحو الصيغ الأكثر قبولا لدى المدارس الفقهية الأخرى كالمشاركة والإجارة، ليتم امتصاص جزء من السيولة الخليجية الباحثة عن هذا النوع من الاستثمار. وهذا يعني بشكل واضح أن الماليزيين لم يكتفوا بسد الاحتياج الداخلي، بل بدأوا في البحث عن سيولة داخل الأطر الإقليمية الأخرى، وهي مرحلة متقدمة عما نراه في سوقنا الذي لم يسد ولو جزءا بسيطا من الاحتياج المحلي لهذا النوع من الاستثمار.
سبل التشجيع الممكنة
التجربة الماليزية، لم تولد من الفراغ بطبيعة الحال، وإذا ما أردنا أن نلحق بالركب، فعلينا أن ندرس هذه التجربة ونستفيد منها وأرى ذلك عبر عدة أمور لعلي ألخص أهمها في النقاط التالية، أولا/ معرفة التنظيمات والقوانين المنظمة لها ومحاكاتها لدى الماليزيين- إن أمكن- ابتداء بدراسة الشركات ذات الأهداف الخاصة التي تُنشأ لهذه الأغراض، والتشريعات المتعلقة بها، وانتهاء بالقوانين المتعلقة بإصدار الصكوك ومن ثم تسويقها، وثانيا/ عبر الحث الحكومي للشركات على إصدار هذه الصكوك والدراسة الشرعية لإمكانية إعفاء بعض أنواعها من الزكاة، وثالثا/ تسهيل طرق إدراجها وتداولها، وتشجيع الشركات الاستثمارية والأذرع الاستثمارية على ذلك من قبل مؤسسة النقد وهيئة سوق المال، ورابعا وأخيرا/ فإن إصدار صكوك حكومية لبعض المشاريع الحكومية المزمع تنفيذها هو نافذة تحفيز كبيرة كي تكون هذه الصكوك المصدرة نموذجا لباقي الإصدارات الأخرى ومحركا أساسيا لسوقها الثانوية، حيث إن مثل هذه الإصدارات تعطي دعامة قوية لباقي السوق بحكم أن تقييماتها الائتمانية ستكون عند الحدود المقبولة للمستثمر، مقارنة بعوائدها، والتي من الممكن كذلك أن توضع بصورة تشجيعية لهذه الصناعة وخصوصا في بداياتها.
كاتب اقتصادي