لماذا لا يحصل الألمان المحليون على جائزة نوبل؟

لماذا لا يحصل الألمان المحليون على جائزة نوبل؟

من خلال أمة الأبحاث ألمانيا، تخرج باستمرار دفعة تحتل الأولوية عالمياً. ويمكن للمرء ''كألماني أن يكون فخوراً بذلك''، حين أعلن هورست كولر الرئيس الألماني الاتحادي عن جائزة نوبل في الفيزياء لهذا العام. وإن منح الأكاديمية الملكية السويدية هذه الجائزة للفيزيائي القادم من ميونيخ، هينيش، لهو إثبات ''على أن بلادنا كمكان للعلم ما تزال في القمة العالمية''.
إن المرء لا يريد أن يقترب من الرئيس الاتحادي والعديد من المعلقين السياسيين والمجتمع الذين نفخوا في البوق نفسه معاً، ولكن على المرء - فوق تلك الجائزة، أن يمدهم بملاحظة مقتضبة وضرورية إلى جانب سرورهم العادل، وذلك حول أهمية اختيار بطل ألماني يقدم إنجاز أعماله داخل ألمانيا (على الأقل في السنوات التسعة عشر الأخيرة) وليس فيما وراء البحار، كما هي الحال في أربعة حائزين على الجائزة سابقاً. وحتى نلاحظ إنجازات الأعمال البحثية في هذه الدولة، فإننا نأمل ألاّ يكون ذلك هو الواقع. وألمانيا لديها الكثير من الباحثين على مستوى العالم، ولديها مؤسسات بحثية بدرجة راقية.ولم يتمكن أحد لغاية الآن من الشك في هذه القدرات، وبالمقارنات على المستوى الدولي، حيث إن الدولة وعلماءها يحتلون مركزاً متقدماً عالمياً.
إن السؤال المهم هنا هو لماذا لا يوجد بالمرة حائزون على جائزة نوبل ألمان من المعاهد الألمانية؟ ولماذا يتبرع الأمريكيون لحائزي الجائزة؟ ولماذا لا يهتم أحد بإلصاق إعلانات وطنية للعمل العلمي المشهور للكثير من أبطال نوبل الأمريكيين؟ إن المرء سوف لا يجد مفراً من الهروب من الأسئلة الناقدة. ولحسن الحظ، فإن المرء يجد في أعمال الألمان الحائزين على الجائزة وردود فعلهم على منح الجائزة إرشادات جديرة بالاهتمام. ولعل ذلك يتضح في رد هينيش الحاصل على جائزة الفيزياء الذي يمثل سوق العلوم الحالية أكثر من أية سوق معولمة أخرى. وهذه السوق معترف بها دون انحياز، حيث تعمل ضمن شروط منافسة خيالية لا حدود لها على الموارد الفكرية. وفي هذا العالم العلمي يتعلق الأمر بالروح الرياضية، إضافة إلى المنافسة والشهرة، ولكن، وبشكل خاص وقبل كل شيء يتعلق الأمر بالحرية لإنجاز العمل، والسماح بعقد اتفاقيات بكل حرية عبر العالم عندما يتطلب الأمر تحقيق الإبداع.
وفي هذه الشبكة الدولية للعقول الذكية لا تؤخذ الجنسيات كثيراً بالحسبان، ولكن القدرات الفردية تؤخذ كاملة بعين الاعتبار. وإذا بحث المرء في ألمانيا عن أماكن بمثل هذه المقاييس ، فإنه يصطدم سريعاً بتلك المؤسسات التي ينتمي إليها هينيش كشخص قيادي علمي، أي معهد ماكس بلانك للفيزياء الكمية في مدينة جارشينج الذي يديره هذا الفيزيائي. وهذا المعهد هو نوع من البوتقة الفكرية كما هي حال الكثير من معاهد ماكس - بلانك الموزعة داخل البلاد التي اشتهرت منذ زمن بعيد على المستوى العالمي، والتي تعتبر دون شك ندّاً لهارفارد، وستانفورد، ومعهد ماساشوسيتس للتكنولوجيا.
إن إدارة معهد ماكس - بلانك تتكون من عدد من العلماء من دول مختلفة، وعدد الذين يحضرون لدرجة الدكتوراة من خارج ألمانيا يبلغ أكثر من الثلث. وتشرف هذه المنظمة على نحو ألف وخمسمائة مشروع بحث بعدد من الشركاء يبلغ نحو ثلاثة آلاف و500 شريك في أكثر من 90 دولة. ومن يريد اليوم أن يصبح مديراً في أحد معاهد ماكس- بلانك، يجب أن يحضر معه الشيء الكثير، ويجب عليه إنجاز المزيد. وعلى وجه التقريب هناك ثلث الإصدارات والنشرات العلمية لأشهر مجلتين علميتين على المستوى العالمي، وهما ''نيتشر'' و ''سينس'' يشارك بها باحثون من ماكس- بلانك. ولا يجب اختراع الأحمر، الأخضر من جديد، كما لا يمكن لمثل هذه المرافق المعفاة من التزامات التدريس في جامعة ما أن تعتبر مصفوفة لنظام بحثي كلي ذي تعليم مكثف كما هي الحال في الرعاية الطبية. ولكن ألا يمكن الوصول إلى أن يصبح البحث الإكلينيكي في الجامعات على سبيل المثال، أو البحث في الجامعات، هو الجاذب الكبير للباحثين القياديين؟
إن المبادرة الممتازة من جانب الحكومة الاتحادية والولايات الألمانية يمكن في هذا السياق أن تعطي دوافع وحوافز مهمة، من حيث أن المكافأة الممنوحة مقابل الإنجاز والأعمال التي تم تحقيقها في حالات فردية سابقاً تأتي أيضاً في هذا الشأن. أما ما يظهر لحامل الجائزة العالم هينيش في ستانفورد، وفيما بعد في ميونيخ وجارشينج، فهو أن القشور المحلية، مازالت عديدة وثابتة وعميقة. إن ملاحظته الساخرة بأن جائزة نوبل أتته في الوقت المناسب، وبعمر يبلغ (63) عاماً، لأن ذلك يمكن أن يساعده على تجنب ''التقاعد الإجباري'' في سنة الـ''''65، عاماً أمر يثير الدهشة. وإن السخرية هي أن الكثير من العلماء ذوي الاستعداد للإنجاز وجب عليهم الهجرة بكل متاعهم، حتى يتمكنوا من الاستمرار في إنجاز الأبحاث بكل نجاح. كما أن الناشئين من الأكاديميين بحاجة ليس إلى شواغر فقط، بل أيضاً إلى نماذج من حولهم يحتذى بها.
كما أنهم بحاجة إلى وجهات نظر يتم تقديمها من خلال الإطار السياسي. وإن من ينهال على التقنية الجنينية بعصى القانون من أجل أخذ الاستفتاءات الشعبية في الحسبان، يجب ألا يندهش عندما تحاول النخبة الشبابية أن تكسب أرباحها خارج البلاد. ووجدت مؤسسة العلم لذلك صيغتها لذلك مسبقاً، وهي ''عندما تبدأ بالأبحاث والتفكير على المستوى المحلي، فإنك تكون خسرت''.

الأكثر قراءة