فرنسا غارقة وسط الديون وتعثر خطوات الإصلاح

فرنسا غارقة وسط الديون وتعثر خطوات الإصلاح

إن النظرة عبر الراين لا يمكن أن تسر الفرنسيين. وحول الأوضاع المالية العامة لهم، فهي في الوقت الحالي ليست سيئة كلياً كما هي الحال في ألمانيا. ولكن الوضع مهدد، حيث تكتفي حكومة فيلبان بالإبحار على طول حدود معاهدة ماستريخت بعجز بنسبة 3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. وأثناء ذلك، فإن الرياح المضادة تهب في وجهها بشكل قوي لأن دفعات فوائد الديون تأكل خمس إيرادات الدولة سنوياً، وتقريباً كامل ضريبة الدخل. وهنالك كذلك مشاكل السياسة العائلية التي تفتخر بها فرنسا، إذ إنها تحمل الأعباء للأجيال القادمة. وإن كل مولود جديد يأتي للحياة يصبح مديناً بـ 18700 يورو عندما يحسب المرء قيمة العجز للدولة المركزية، والصناديق الاجتماعية والبلديات على عدد السكان. ووصل دين الدولة حوالي ثلثي الناتج المحلي الإجمالي، إذ إن هذا الارتفاع تاريخي.
ولأن عدد السكان في فرنسا آخذ بالتراجع، ولو أنه أقل من ألمانيا ، فإن ذلك يدعو إلى التفكير والشك. وفي السنة المقبلة سيأخذ الشعب الفرنسي (بين سن 15 - 60 عاماً)، وللمرة الأولى في التاريخ، بالانكماش. ومن الطبيعي أنه ليس كل شيء بلون السواد في بلد العلم ذي الألوان الثلاثة، حيث انخفض العجز الجديد في السنة الماضية من 42 إلى 36 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، ومن الممكن أن يتراجع إلى نحو 30 في المائة، ويكون مرة أخرى في حدود معاهدة الاستقرار الأوروبية. ولكن التقدم في السياسة يبقى متعثراً، إذ إن إيرادات التخاصية الضخمة تستثمرها حكومة فيلبان في الطرق السريعة، والمساعدات المالية للأبحاث أكثر من استثمارها في تخفيض الالتزامات. ''نحن نعيش فوق طاقاتنا''، كما صرح تيري بريتون وزير المالية للفرنسيين لدى تسلمه مهام منصبه. ال
وتعيق تكاليف خدمة الديون النمو الاقتصادي المنخفض الناتج عن عدة عوامل بينها ارتفاع أسعار النفط، وقوة اليورو مما يعيق استقرار الموازنة. ولكن مناخ الاقتصاد العالمي مازال ملائماً. كما أن الاستهلاك الداخلي يدعم الوضع الاقتصادي الفرنسي باستمرار. ومازال على الاقتصاد الوصول إلى أكثر من ذلك. وبالنسبة إلى استهداف نمو معدله 3 في المائة، رجح بريتون أن ذلك ممكن. ومع ذلك، فإن فرنسا لم تصل في هذه السنة سوى إلى نصف ذلك. والتصدير الفرنسي في هذه الفترة ضعيف حيث يفقد الاقتصاد فرص التوسع في الأسواق العالمية.
وتحاول الحكومة التحرك لمساعدة الشركات بوسائل متعددة. وأوقفت خلال تقديم خطة الموازنة الجديدة في الأسبوع الماضي، تحميل أصحاب العمل المزيد من الأعباء الضريبية، إلا أن نفقات أصحاب العمل على تأمين الحوادث ازدادت. ولهذا فإن بعض تخفيفات الأعباء على الاقتصاد (على سبيل المثال تغطية الضريبة الصناعية) تقابلها ارتفاعات أخرى في مداخل ضريبية متعددة كما هي الحال في رفع ضريبة الأشخاص المعنويين. وفي مثل هذه الظروف لا يمكن للشركات الفرنسية أن تنمو.
و شعبية رئيس الوزراء الفرنسي دو فيلبان ترتفع، ولكن تحقيق نتائج سهلة ومحتملة يبقى أمراً بعيد المنال. وبعد استلامه منصبه مباشرة، أيقظ دو فيلبان آمال الشركات الصغيرة بشأن الحماية ضد الإنذار التعسفي، كما أن الإصلاح الضريبي المعلن يسير في الاتجاه الصحيح أيضاً وإن لم ينجح في تبسيط النظام وتقليص الإجراءات. وإذا استغنت الحكومة عن الإيرادات يتوجب عليها بالطبع تخفيف نفقاتها. إلا أن فيلبان فوت الفرصة على نفسه بتخفيض خدمات الدولة الضخمة. وسيحال 60 ألف موظف حكومي في السنة المقبلة على التقاعد.
وأزاحت فرنسا مشاكل الهيكلة الكبيرة الخاصة بها إلى الأمام دون حل. وتعتقد الحكومة أن موفقها سيكون أفضل فعالية في إدارة الخلافات مع الشركات . وهنالك شكوك كبيرة حول مساهمة شركات البترول العملاقة أو شركة تليكوم بخطوات سريعة من أجل دعم جهود الإصلاح في البلاد، أو المساعدة على تخفيض الأسعار رغم وجود بعض المؤشرات والحالات المتمثلة في وعد شركة تيليكوم العملاقة بعدم المطالبة بالنقود بالمرة مقابل دقائق الانتظار في الخطوط الساخنة. ولكن الشركات ستعثر على طرق أخرى من أجل تحصيل الإيرادات.
أما على صعيد سياسات الحكومة، فبدلاً من ممارسة سياسة سعرية ينبغي عليها تشجيع المنافسة وتجنب حواجز دخول السوق. ومن المعروف أن تلك الحواجز تؤثر بشدة على مكانة فرنسا كمكان جاذب للاستثمار، حيث إن الشركات العملاقة مثل باكارد لا ترغب في الظهور أمام الكاميرات وكأنها كبش فداء في مثل هذه الأحوال.
وفي اتخاذها قرارات الاستثمار اللاحق، فإنها لا تنسى مثل هذه الحوادث. ومما يزيد الأمور صعوبة دعوة النقابات العامة مرة أخرى إلى إضراب كبير. ومع ذلك تظل الآمال بأن إرادة الإصلاح المتوافرة لغاية الآن لدى الحكومة لمثل هذه الأعمال ينبغي ألا تتكسر. وكذلك فإن النظرة عبر نهر الراين ينبغي ألاّ تجعل السياسة الفرنسية تفقد شجاعتها.
وحقيقة الأمر أن نتيجة انتخابات ''البوند ستاج'' (مجلس النواب الاتحادي الألماني) لا تشجع إجراء إصلاحات كبيرة. ومع كل ذلك، فإن الأحزاب الشعبية الألمانية الكبرى هي على استعداد للاهتمام بالنمو والتشغيل، وتحمل الأعباء، ومحاولة رفعها عن كاهل المواطن الألماني أكثر من أي حكومة فرنسية حاولت إلى الآن المغامرة في ذلك.

الأكثر قراءة