هل حياتك مروعة للغاية ؟ (1 من 2 )
هل حياتك مروعة للغاية ؟ (1 من 2 )
في إحدى رواياته الممتعة يتحدث تولستوي عن شخصية أحد أبطال قصته و يصفها على النحو التالي: "إن قصة حياة إيفان ليتش هي قصة لشخص بسيط للغاية وعادي للغاية، ولهذا فهي مروعة للغاية"، حيث يعتبر تولستوي الحياة العادية الروتينية حياة مروعة، وأنا أتفق معه في ذلك كل الاتفاق.
يبدو بعض الناس وكأنهم منجرفين مع التيار بلا أي وجهة وتترنح خطواتهم الحياتية يمينا ويسارا، فهم لا يشعرون بقيمة الزمن وثروة دقائقه، ولذلك تجد حياتهم تفتقر إلى الرؤية الواضحة مع أنهم غالبا ما يكونون أفرادا ذوي كفاءة عالية وأذكياء، ولذلك يندب الأشخاص المحيطين بهم مأساة هؤلاء المتمثلة في كونهم لا يملكون توجها محددا نحو تحقيق أهداف معروفة وأكثر إنتاجية، في المقابل هناك أشخاص يضعون باستمرار أهدافا كبيرة جدا لأنفسهم، لكنها كبيرة وصعبة بحيث يتعذر تحقيقها، ويعاني هؤلاء الأفراد قلقا مزمنا وتعاسة دائمة، فكل هدف غير محقق يمثل إخفاقا لهم، حتى الأهداف التي يحققونها في فترة أطول من الفترة التي خططوا لها يعاملونها كإخفاقات، مع أنهم يدفعون أنفسهم إلى الإنجاز دون كلل أو ملل، وينجزون كثيرا ولكن دون استمتاع بذلك، فحقيقة أنهم لم ينجزوا القدر الذي رغبوا فيه وبالسرعة التي تمنوها تفقدهم الإحساس ببهجة الإنجاز، فيجدون طاقتهم بعد فترة قد استنزفت بفعل التوتر، وكثيرا ما يشعرون بخيبة أمل إزاء أهدافهم ويتحولون إلى نفسيات متشائمة.
تعاني كلتا الفئتين من المشكلة الرئيسة نفسها، وهي عدم إجادة وضع أهداف واقعية لتوجيه حياتهم. فالشخص الذي ينجرف وراء التيار إما أن يحدد أهدافا متواضعة جدا أو لا يحدد أي أهداف على الإطلاق بسبب الخوف من الفشل المؤدي إلى القلق، ولذلك لا يسعى منذ البداية لتحقيق أهداف محددة لحماية نفسه من تلك المشاعر المقلقة، وأما الفئة الثانية من الناس فهي تسعى لتحقيق أهداف عالية جدا بسرعة، ولن تنجح أيضا لأن اختياراتها قد أسست على الفشل منذ البداية.
يمكننا التحدث كذلك عن فئة ثالثة من (مرضى الأهداف)، فإضافة إلى من يضعون أهداف طموحة جدا أو متواضعة جدا فنحن قد نضع لأنفسنا أهدافا خاطئة أحيانا، وهذا الأمر أيضا يقود إلى أزمة حياة، لأننا عندما نفعل هذا فنحن نصرف قدرا كبيرا من الطاقة والوقت لتحقيق شيء ما نكتشف لاحقا أنه ليس ما كنا نود تحقيقه أصلا، وفي العديد من الحالات يتعذر اكتشاف الأهداف الخاطئة مسبقا، ولكننا إذا تعلمنا كيفية تفحص قيمنا في الحياة ـ والتي غالبا ما تكون مخبأة في أعماق اللاشعور - ومدى تناسبها مع الهدف فسيساعدنا ذلك كثيرا على اختيار أهداف متناسبة معها.
لفهم عملية وضع الأهداف بشكل أفضل، علينا أن نفرق بداية بين الأهداف طويلة المدى والأهداف قصيرة المدى. فالأهداف طويلة المدى هي الأشياء الرئيسة التي نتوخى تحقيقها في نهاية المطاف في حياتنا. أما الأهداف قصيرة المدى فهي الأشياء التي نرغب في عملها مباشرة تقريبا، وهي المهمات التي نضع إنجازها نصب أعيننا كل يوم، وبوجه عام فإن الأهداف طويلة المدى تتحقق من خلال إنجاز عدد كبير من الأهداف قصيرة المدى، وهناك قواعد تساعد عند إتباعها على إجادة تخطيط الأهداف طويلة وقصيرة المدى، وذلك ما سنتحدث عنه في الأسبوع القادم بإذن الله، المهم ألا نتهاون في إهمال التخطيط لأنك إن لم تخطط لما تريد فلن تعيش حياتك، كما ترغب بل ستظل نهبا لاستغلالك في مخططات الآخرين.
استشارية برامج تمكين المرأة
[email protected]