سلوفينيا المرشحة الجديدة في منطقة اليورو
تعيش سلوفينيا كما يقال في أجواء عالم اليورو. الانضمام المخطط له لمنطقة اليورو في الأول من شهر كانون الثاني (يناير) 2007، يهيمن على تفكير وتصرف الحكومة. كما يشاطر الشعب الحكومة في هذا التوجه. ولكن في انتظار إعادة الهيكلة الأساسية للضريبة، والنظام الصحي، ونظام الأجور التقاعدية ، ومرونة سوق العمل، واستئناف سياسة التخصيص في العديد من هذه الدول.
انعدام الصبر
الناخبون في شرق أوروبا ليسوا صبورين. حيث نجد أن السلوفينيين أعرضوا عن جينيز جانسا رئيس الوزراء الجديد، الفائز في الانتخابات البرلمانية من تشرين الأول (أكتوبر) من العام الماضي، الذي لم يحقق حتى الآن وعود حملته الانتخابية. وما يمكن لمسه من التحرر الأساسي للاقتصاد ليس أكثر من إلغاء القشرة الخارجية التي تم تكوينها خلال الفترة الحكومية التي دامت 12 عاماً للديمقراطيين الأحرار. وفي السياسة الداخلية، أظهر الائتلاف الحكومي القائم المكون من أربعة أحزاب القليل من الفعالية، ولم يحقق النتائج المرجوة منه. كما يمضي العمل التعاوني ضمن الائتلاف أحياناً بطريقة صعبة، وذلك لأنها لا تريد إعطاء انطباع عن الانغلاق، حتى عندما يحظى الائتلاف بأغلبية تعادل 49 نائباً في البرلمان بكل سهولة. والأمر الذي يصعق بصورة خاصة هو أن أصغر شريك في الائتلاف لحزب المتقاعدين، حرك المسألة الأهم، وهي إعادة النظر في هيكلية النظام التقاعدي.
التركيبة الجديدة
يهدف التشريع الجديد في تركيبة الفهرسة الضريبية إلى زيادة الأجور التقاعدية مستقبلاً مع نمو الأجور للعاملين بالفعل، وهو الشيء الذي يُفرح المتقاعدين من ناحية، لكنه يوسع على المدى المتوسط الثغرات الضخمة في صناديق الأجور التقاعدية التي من المفترض أن يتم سدها عن طريق الوسائل الضريبية. وترتفع بوضوح أعباء النفقات في الميزانية، وتختفي الفرص، وذلك في تضييق فجوات المعاناة على المدى البعيد من ثقل الضرائب المرتفعة بين الشركات، والقدرة التنافسية للدولة. ويشتكي الأستاذ، وخبير الإدارة المالية، موجمير مراك قائلاً: ''مع هذا القرار، من الواضح أننا نتخذ الاتجاه الخاطئ''. وفي مواجهة انخفاض نسبة المواليد، وازدياد نسبة العجزة، كما في السابق، سيؤدي المؤشر إلى إحداث مشاكل مالية معقدة في المستقبل.
التهرب من القرارات
وليس مراك وحده الذي لديه هذا الرأي، حيث إن الحكومة نفسها على علم بهذه المشكلة، ولكنها لا تريد دفع الائتلاف إلى المغامرة. ومن الممكن أن يكون ذلك ناجماً عن أن فريق الاقتصاد في الحكومة ضعيف نسبياً، ويمتلك قدرة تنفيذيه ضئيلة، إضافة إلى أن الحكومة تريد أن تتجنب أي تغيّر اقتصادي أساسي قبل الانضمام لليورو، وذلك كي لا يؤدي إلى مخاطر كبيرة. والسبب الرئيسي في عدم القيام بأي خطوات رئيسية يبدو أنه يكمن في الاعتقاد أن سلوفينيا تسير بصورة جيدة، ولذلك لا توجد حاجة ماسة للعمل المباشر او التصرف بطريقه مغايرة. وفي ذلك إشارة إلى اقتراب الانضمام لليورو كذريعة للتهرب من القرارات غير المناسبة، والتمسّك بالموقف الحالي.
وضع مقارن جيد
والحقيقة أن الوضع الاقتصادي جيد بالنظر إلى أعضاء الاتحاد الأوروبي الجدد، حيث يُمكن لسلوفينيا أن تسجّل محصّلة ممتازة. وخلال الأعوام الخمسة عشر الماضية سجّل النمو الاقتصادي لديها معدلات سنوية تراوح بين 3 إلى 4 في المائة، ووصل النمو خلال عام 2004 إلى نحو 46 في المائة بفضل محصّلة التصدير المذهلة، كما بلغ دخل الفرد 25 في المائة أعلى من معدلات التشيك والمجر. وفضلاً عن ذلك، كانت المؤشرات الاقتصادية الأساسية جيدة بصورة كافية، وذلك لأن سلوفينيا شاركت في صيف العام الماضي في آلية تبادل سعر الصرف مERM II عقب أسابيع قليلة من الانضمام للاتحاد الأوروبي، وتمكنت من اجتياز الخطوة الأولى في عضوية منطقة اليورو.
مؤشرات مطمئنة
سيستقر النمو في هذا العام على معدّل منخفض بحدود 3 في المائة مع عجز في الميزانية، والتضخم، والفوائد، ولكن بما يتطابق مع بنود معاهدة ماستريخت، أو على وشك تحقيقها. وتقف المديونية عائقا لا يستهان به. وإذا افترضنا أن سعر الصرف بقي مستقراً، وأن سلوفينيا لا تأخذ في الحسبان المضاربين غير المرغوب فيهم، فلن يقف على الأغلب أي شيء في طريق الانضمام لمنطقة اليورو في كانون الثاني (يناير) من عام 2007 . ويُقدّر الخبراء عجزاً بأقل من 2 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. ولا توجد مشاكل تمويلية في حال استمرار الاستثمارات المباشرة من الخارج.
دولة النمو
ونظراً لهذا السبب تقل أوجه الشبه بين هذه الدولة والعديد من الدول الناشئة في كثير من الأحوال. وربما يتشابه اقتصادها إلى حد ما مع بعض الدول الصناعية الغربية مثل ألمانيا أو فرنسا. وفي هذا الأمر لا تبرز فقط معدلات النمو، بل كذلك الصلابة في سوق العمل، والحضور الحكومي المرتفع في الاقتصاد، وذلك للتمسّك بخطط إعادة الهيكلة والإصلاح حسبما يعنيه بانكير ماركو، المدير السابق لـ ''جوبلجانسكا بانكا''، ورئيس مجلس الإدارة لشركة الأجهزة كورينجي، حيث يقول: ''كان من الممكن أن نحظى بمعدلات نمو مرتفعة بكل سعادة؛ ولكننا لن نصل إلى دولة النمو إلا إذا اتخذنا بجدية الخطوات التصحيحية الشاملة في بنية الاقتصاد''.
إجراءات كثيرة
وهذا يعني بوضوح انسحاب الحكومة السلوفينية من الشركات الرائدة، والبنوك التابعة للدولة؛ وإصلاح الضرائب، والأجور المتدنية، والتقليل من القوانين، والمزيد من الإنفاق على البحث والتطوير، والانفتاح الكبير على الرأسمال الخارجي، والاستفادة قبل كل شيء من الشركات الصغيرة والمتوسطة في العلوم التقنية، ومن أساليب الإدارة الحديثة. واستثمر الألمان منذ استقلال سلوفينيا نحو مليار يورو في الأرض الصغيرة، واحتلوا المركز الثالث في قائمة أكبر المستثمرين. وهم يرون في إصلاح النظام الضريبي دعوة للقيام بالعمل، حيث يتبع ذلك هدم البيروقراطية، وتسهيل تشريعات العمل. وتحتاج القوى العاملة كذلك إلى المزيد من المؤهلات، وذلك حتى لا تتراجع سلوفينيا بالمقارنة بدول الاتحاد الأوروبي في هذا المجال.
فترة عمل قصيرة
ورغم توجهات انسحاب الحكومة، إلا أنها لا تزال تمتلك 30 في المائة من ثروة الإنتاج، حيث كان الحديث لفترة طويلة دون تغيير كبير. وكذلك فإن خبراء الاقتصاد يتشككون حول ما إذا كانت الدولة ستحظى بالقوة عقب الانضمام لليورو، وتنفيذ خطط إعادة هيكلية الضرائب، حيث إن خطط إعادة الهيكلة دائماً تكون أصعب، كلما طال تأخيرها.
ولا يريد العديد من الشركات السلوفينية في ضوء ذلك انتظار المزيد حتى تتحقق خطط إعادة الهيكلة. وبخصوص صناعة النسيج، والأحذية، لم يعد هناك مستقبل لها في سلوفينيا، وهي دولة الأجور المرتفعة، والضرائب المرتفعة. والشركات الرائدة في البلاد أنشأت السعات الجديدة في الدول المجاورة، حيث التكاليف أقل.
الاستثمار في الخارج
وتفوّقت الاستثمارات السلوفينية المباشرة في العام الماضي لأول مرة في الخارج على الاستثمارات الأجنبية في سلوفينيا نتيجة قوة الصناعة. وفي ظل انتعاش الاقتصاد كان من الممكن أن يكون كل شيء أفضل من ذلك لو انخرط المزيد من المستثمرين الأجانب في سلوفينيا وحققوا فرص عمل إنتاجية. ولا تزال الحكومة تريد وضع استراتيجية اقتصادية طويلة الأمد من المفترض أن تنجح وتتمكن من تلبية معايير المنافسة.
بلدان وشعوب
يسير الأمر على ما يرام بالنسبة لمليوني سلوفيني. وفي الوقت ذاته سيقلّ عدد الأطفال بصورة مستمرة في جمهورية الألب حسب مؤشرات دائرة الإحصاء، حيث تنخفض معدلات المواليد منذ 20 عاماً. ومن الممكن أن تتراجع أعداد السكان التي تراوح أعمارهم بين 15 و29 سنة بنسبة 20 في المائة. ودون زيادة سريعة ومستمرة في أعداد المواليد، حسب أقوال الخبراء، سيصبح في منتصف هذا القرن عدد السكّان السلوفينيين 16 مليون نسمة، معظمهم من العجزة. وكما هي الحال في ألمانيا، حيث تبقى العديد من الأسر الفتيّة دوماً دون أطفال، أو تقرر إنجاب طفل واحد بعد فترة طويلة. ولا يكمن هذا في مستوى الدخل، حيث تعادل معدلات الدخل للفرد الواحد في سلوفينيا أكثر من 13 ألف يورو- وهذا يتطابق بـ 80 في المائة من معدل الاتحاد الأوروبي. وتحتل سلوفينيا بصورة واضحة القمة بالنسبة للدول الثمان في وسط وشرق أوروبا التي انضمت في أيار (مايو) من العام الماضي إلى الاتحاد الأوروبي. والسبب وراء قرار الأسر في عدم إنجاب الأطفال في الأغلب هو الحاجة إلى الشقق، حيث إن العديد من الأسر الفتيّة يمكنها أن تجد مسكناً لها لدى الآباء.