تداعيات " احتمالات " إغلاق مضيق هرمز: تشدد في ضمانات القروض.. إلغاء التأمين والنفط يصل 400 دولار

تداعيات " احتمالات " إغلاق مضيق هرمز: تشدد في ضمانات القروض.. إلغاء التأمين والنفط يصل 400 دولار

اعتبر اقتصاديون وخبراء تأمين إغلاق مضيق هرمز "احتمالا ضعيفا"، مشيرين إلى أن دراسة فنية تم إجراؤها في نهاية السبعينيات أشارت إلى أن إغراق أربع ناقلات نفط عملاقة في المضيق "لن يُغلقه".
غير أنهم قالـوا لـ "الاقتصادية"، إن الخطوة الإيرانية بإغلاق المضيق "ستضع طهران في مواجهة العالم" لجهة أن النفط سلعة دولية تهم العالم كله، متوقعين تداعيات اقتصادية في حال وجهت إسرائيل أو الولايات المتحدة الأمريكية ضربة عسكرية لإيران، بينها استنزاف الموارد المالية الخليجية عبر صفقات التسلح الكبرى، وتشدد المؤسسات الاقتصادية المالية الدولية في شروط تقديم ضمانات القروض لدول الخليج، وامتناع معيد التأمين عن تقديم أي تغطية تأمينية "حيث ستصنف المنطقة على أنها في حالة حرب"، وسيتأثر جزء مهم من البترول الذي يصدر عبر المضيق، "ما سيرفع أسعار النفط بين 200 و 400 دولار للبرميل".
وذكروا أن السعودية يمكنها أن تستغل منفذها المطل على البحر الأحمر، في حين أن مشروع تشييد أنبوب لتجميع النفط عند ميناء الفجيرة "ليس مطروحا في الأمدين القصير والمتوسط"، متوقعين أن يلعب هذا الميناء دورا بارزا وكبيرا "كمنفذ بحري لواردات مجلس التعاون الخليجي، خاصة التموينية، ومنه يتم شحنها برا إلى دبي ومن ثم إلى بقية دول مجلس التعاون الخليجي".
ووصف سمير الوزان الخبير في شؤون التأمين والرئيس التنفيذي لشركة "سوليدرتي" للتأمين، الحديث عن إغلاق مضيق هرمز بأنه "إشاعة سياسية" أكثر منه "قضية واقعية"، مشيرا في هذا الصدد إلى أن احتمال إغلاقه "ضعيف".
واستشهد في هذا الخصوص بما جرى في نهاية السبعينات حينما حاول الفلسطينيون التهديد بإغلاق المضيق من خلال إغراق باخرات نفط عملاقة بهدف الضغط على الأمريكيين والإسرائيليين، ما أثار حينها مخاوف مجمع "لويدز" للتأمين في لندن.
وعاد بذاكرته قليلا إلى الوراء قائلا "في ذلك الوقت قمنا بدراسة حول مضيق هرمز، وذهبنا خرائط وخبراء في الملاحة البحرية معنا، واتضح بعد ذلك أنه حتى لو تم إغراق أربع ناقلات نفط عملاقة فلن يُغلق المضيق"، منوها إلى أن الخطوة التي تلت ذلك هي تأسيس الشركات الخليجية "صندوق التأمين ضد أخطار الحرب"، الذي مر عليه نحو 27 عاما من النجاح "ويعد من أفضل المشاريع الخليجية المشتركة".
وحول وضع التأمين في حال تم فعلا إغلاق المضيق، قال الوزان "لو حدثت ضربة عسكرية أمريكية أو إسرائيلية ضد إيران، وتأزمت الأمور إلى درجة صعبة، فإن معيد التأمين قد يكون أمام خيار التسعير اليومي تبعا للظروف اليومية، ولكن ـ مع ذلك ـ يتوقع أنه لا يقدم تغطية تأمينية للمنطقة، حيث ستصنف حينذاك على أنها في حالة حرب".

إيران في مواجهة العالم
وعلق الاقتصادي الدكتور خالد عبد الله "وهو اقتصادي ومصرفي معروف"، مع الوزان، بأن احتمال إغلاق مضيق هرمز "ضئيل جدا"، ولست متأكدا من قدرة إيران على تنفيذ هذه الخطوة غير المسبوقة، بيد أنه أوضح "ولكن لو بلغت الأمور هذا الحد، فإنها تعكس تصعيدا خطيرا، وتمثل تطورا جيوسياسيا سلبيا جدا، وستضع طهران في مواجهة العالم، ذلك أن الصراع لن يكون إيرانيا ـ أمريكيا - إسرائيليا، لجهة أن النفط سلعة دولية تهم العالم كله".
أما بالنسبة للتداعيات الاقتصادية فذكر أنها تتمثل في تأثر تدفق جزء مهم من الصادرات النفطية إلى الأسواق العالمية، مضيفا "ومع بعض الدول ستتمكن من التصدير عبر البحر الأحمر، غير أن جزءا مهما من البترول الذي يصدر عبر المضيق سيتأثر، ما سيؤدي لارتفاع أسعار النفط بشكل كبير، وربما يصل برميل النفط لـ 250 دولارا".
وتابع "هناك تأثير آخر، وهو واردات دول مجلس التعاون الخليجي، وخصوصا السلع التموينية، رغم أن هناك خيارا مطروحا باستيرادها من تركيا والشام عبر الطريق البري، "متوقعا أن يلعب ميناء الفجيرة دورا بارزا وكبيرا" كمنفذ بحري لتلك السلع، ومنه يتم شحنها إلى دبي ومن ثم إلى بقية دول مجلس التعاون الخليجي من خلال البر، "حيث يتوقع أن يزداد الطلب في هذه الحالة على شاحنات وسيارات النقل، كما أن أسعار السلع مرشحة للارتفاع، ما سيخلق أوضاعا صعبة إضافية للمستهلك الخليجي".

السعودية تستغل البحر الأحمر
وبشأن الخيار المطروح لمد أنبوب إلى ميناء الفجيرة لتجميع النفط، قال عبد الله "لا شك أن التكلفة المالية لمد أنبوب النفط ستكون عالية، وسيحتاج تنفيذه إلى فترة زمنية طويلة، رغم أن هذا المشروع قد يكون في إطار استراتيجية مستقبلية، ولكن يصعب الأخذ به في الأمدين القصير والطويل"، منوها بأن البديل المتوقع هو استغلال منفذ السعودية على البحر الأحمر، وأن يتم تجاوز مضيق هرمز عبر تجميع النفط في ميناء الفجيرة تمهيدا لتصديره لخارج المنطقة.
وسأل عبد الجليل النعيمي الاقتصادي البارز "ما المستوى الذي سيكون عليه سعر برميل النفط فيما لو تطورت الأوضاع حول إيران إلى درجة إغلاق مضيق هرمز؟ هذا هو السؤال الذي يشغل الأوساط الاقتصادية أكثر من غيره، مضيفا "، ولكن مجرد طرح هذا التساؤل هو بحد ذاته واحد من أهم العوامل التي تشكل سعر النفط في الوقت الراهن".
وتابع "ففي بورصات النفط أو السلع كما هو الحال في بورصات الأسهم والأوراق المالية، تلعب التوقعات ولعب المضاربين على هذه التوقعات دورا كبيرا في تحديد مستويات السعر، ويزداد هذا الدور عندما يتعلق بالنفط وفي وضع جيوسياسي حرج كالذي نشهده في منطقة الخليج"، مبديا عدم استغرابه في اختلاف التقديرات حول المدى الذي سيبلغه سعر النفط في أي وقت على المدى الزمني المنظور.
وقدم مثالا حدث قبل عامين، قائلا "في الأسبوع الأول من آب (أغسطس) 2006 هزت شركة النفط البريطانية العملاقة BP أسواق النفط العالمية، عندما أعلنت توقفها المؤقت عن إنتاج النفط من حقل "برادهو - بي" البحري في ألاسكا نظرا لحادث جرى لأنبوب نقل فيما بين الحقول"، مشيرا إلى أن ذلك أدى لارتفاع أسعار بيوعات نفط "برنت" المستقبلية لشهر أيلول (سبتمبر) في بورصة لندن بنسبة 2.8 في المائة لتبلغ 78.67 دولار، وهو الحد الأقصى التاريخي في ذلك الوقت.
وبحسب النعيمي فإن هذا الارتفاع ما كان ليحدث لولا أن التوقعات جاءت على خلفية نتائج الحرب التي شنتها إسرائيل ضد حزب الله ولبنان في الربع الأول من ذلك العام، ملاحظا أنه "على أثر ذلك الارتفاع، ورغم إيحاءات الإدارة الأمريكية بأنها ستبحث عن بديل لنفط ألاسكا في نفط "أورالز" الروسي، إلا أن المحللين الأمريكيين توقعوا ارتفاع الأسعار بمقدار عشرة دولارات إضافية خلال أشهر قريبة".
واستطرد "بينما قفز خبراء آخرون ( في 2006 ) بتوقعاتهم إلى 250 دولارا لسعر برميل النفط فيما لو تطورت الأمور في الخليج وقامت إيران بإغلاق مضيق هرمز"، مستدركا "أما الآن وطبول الحرب حول إيران تقرع بتسارع فالتقديرات تراوح بين 200 و 400 دولار".

النفط : القضية أعمق من السعر !
واعتبر قضية النفط أعمق بكثير من سعره، وقال "مع ذلك لنبق قليلا في الحلبة التي يراد لنا أن نُحصر فيها دائما، وهي الأسعار، حيث يستهوي ذلك المضارب وحتى البائع"، مستشهدا بتجربة السنوات القليلة الماضية التي شهدت أسعار النفط فيها ارتفاعا متسارعا بشكل دراماتيكي، حيث تبين أن هذه الأسعار رغم ما أوجدته من وفرة مالية وفرص استثمار هائلة، إلا أنها كشفت أن طبيعة الاقتصاد والسياسات الاقتصادية لم تكن مهيأة لاستيعاب هذه الوفرة التي أصبحت تضغط على الاقتصاد بشكل خطر.
وأوضح النعيمي " لقد نشطت بشكل ملحوظ قطاعات الإنشاء والمال والاتصالات على حساب قطاعات الاقتصاد الفعلي ـ الإنتاجي، وبأن سوء توزيع الاستثمار واختلال التوازن بينها بشكل فاضح "، مقدما مثالا في هذا الخصوص بشأن تنامي قطاع الإنشاءات حتى اصطدم بشح مواد البناء، وخصوصا الأسمنت والحديد اللذين لم ترتفع أسعارهما بشكل خيالي حتى أصبح قطاع الإنشاءات واحدا من كبار عوامل التضخم المتزايد في الاقتصاد الخليجي فحسب، بل إن ذلك يؤدي إلى توقف أو تباطؤ مشاريع بأكملها.
وأوضح أن تلك الفترة بينت أن بلدان الخليج أفقدت نفسها "طوعا" أدوات السياسة النقدية والمالية لإدارة التضخم خصوصا لعدم أو ضعف تحكمها في سعري الصرف والفائدة على عملاتها الوطنية، حيث باتت أسيرة السياسات الأمريكية بهذا الصدد، لافتا إلى أن الارتباط بالدولار ضاعف كثيرا فواتير الواردات من أوروبا وآسيا التي تشكل القسم الأكبر من الاستهلاك الخليجي.

ضغوط على الاقتصاد الخليجي
وأضاف "هكذا سنجد أن استمرار ارتفاع أسعار النفط في ظل هذا الواقع لن يشكل إلا مزيدا من الأخطار الضاغطة على الاقتصاد الخليجي، وهي بالفعل مرشحة للمزيد من الارتفاع حتى قبل حدوث أي صدام عسكري"، ولعل إعلان شركة توتال الفرنسية للنفط امتناعها عن الاستثمار في إيران سيلعب دوره.
وإذا ما وجهت ضربات عسكرية إسرائيلية ثم أمريكية إلى إيران، فرأى النعيمي أن ذلك يعني توقف ثاني أكبر مصدر في "أوبك" عن التصدير، ولن يستطيع بقية الأعضاء بأي حال تعويض السوق، متابعا "وهنا سيصعب على أي خبير تقدير المستوى الذي سيصل إليه سعر النفط، لكن الجميع سيراه أضعاف المستويات الحالية، ومعه ستتضاعف الأخطار على الاقتصاد الخليجي".
وقال "في الأجواء الأمنية الحالية سيلعب عاملان آخران دورهما في استنزاف الموارد المالية الخليجية: اللجوء إلى صفقات التسلح الكبرى ونفقات "الحماية" العسكرية من جهة ومن جهة أخرى مبالغة شركات التأمين في أسعار التأمين على طرق الملاحة البحرية والجوية باعتبار المنطقة ذات مخاطر أمنية عالية، متوقعا تشدد المؤسسات الاقتصادية المالية في شروط تقديم ضمانات القروض، وهذا ما سيشكل ضواغط كبيرة إضافية على الاقتصاد.
وسأل الاقتصادي البحريني ماذا بعد ذلك؟ هل سيغلق مضيق هرمز أم لا، وما تأثيراته ؟، معتبرا أن المسألة لن تحل بضربات جوية سريعة وماحقة تطيح بالنظام الإيراني كما يصورون ذلك في الإدارة الأمريكية، بل سيرد الإيرانيون في كل الاتجاهات، وما داموا سيفقدون الكثير بما في ذلك إمكانات تصدير النفط، فلماذا لا يكون الرد بإغلاق مضيق هرمز ووقف إمدادات النفط عموما؟ ذلك على الأقل لحاجات عسكرية لمنع الأمريكيين من الاقتراب.
وقال "من الطبيعي أن مهمة الأمريكيين ستكون إعادة فتح المضيق بأي ثمن، لكن ذلك سيعني الحاجة إلى احتلال بري لقسم كبير من أراضي إيران، معلنا جزمه بأن الهدف من وراء كل القصة هو احتلال منابع النفط هناك أصلا، لكن ذلك سيعني أن الحرب لن تكون خاطفة بالتأكيد.
وكرر تساؤله مرة أخرى: كيف سيكون عليه سعر النفط في هذه الحال؟ ربما سيدخل خانة الأربعة أرقام غير أن ذلك ليس مهما البتة لا بالنسبة للاقتصاد الخليجي ولا الإيراني، فما فائدة المال عندما تكون الحياة الاقتصادية معطلة، بل وعموم الحياة مهددة ؟؟ حيث إن "النفط مقابل الحياة" سيكون هو الشعار الوحيد الممكن بعد إغلاق مضيق هرمز، مؤكدا "ليس من الحصافة انتظار وقوع ذلك، بل الضغط بكل السبل من أجل ألا يقع، وفي مقدمة المواقف الصحيحة يأتي إعلان الموقف الواضح والصريح والعملي ضد الحرب".

الأكثر قراءة